تدخل سياسي يُجمد التحقيقات في قضايا الفساد المالي في لبنان
بيروت - في نكسة جديدة لسير التحقيقات في قضايا الفساد المالي، طالب المدعي العام اللبناني غسان عويدات اليوم الثلاثاء قاضية التحقيق في المعاملات المالية للمصارف التجارية في لبنان القاضية غادة عون بوقف عملها مؤقتا بعد أسبوع من تحرك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعرقلة مسار التحقيقات.
ويسلط هذا الطلب الضوء على حجم التدخلات السياسية في سير العمل القضائي ويؤكد الاتهامات السابقة لسياسيين بعرقلة التحقيقات في قضايا الفساد المالي واغتيالات سياسية على غرار تلك المتعلقة بقضية الناشط الشيعي المناوئ لحزب الله لقمان سليم وقضية انفجار مرفأ بيروت وغيرها من القضايا العالقة منذ سنوات ولم تشهد اي تقدم يذكر لا في مسار التحقيق ولا في مسار التقاضي.
وإلى جانب القاضية غادة عون، تعرض القاضي العدلي في انفجار بيروت طارق البيطار لتهديدات من حزب الله ثم إلى ضغوط من داخل الجهاز القضائي بعد إجراءات اتخذها بحقه النائب العام غسان عويدات، ما عرقل التحقيقات في الانفجار بعد عام من الجمود ووقفها بعد أيام من استئنافها في الفترة الماضية.
وتجري القاضية غادة عون تحقيقا بشأن القطاع المصرفي منذ انهياره في 2019 بعد عقود شهدت خلالها البلاد فساد حكومات وإهدار موارد وسوء إدارة مالية.
وبعث المدعي العام غسان عويدات اليوم الثلاثاء برسالة إلى عون، حيث طلب منها "وقف إجراءاتكم التحقيقية والاستقصائية مؤقتا إلى حين البت في القضايا المثارة بحقكم".
وكان ميقاتي قد طلب من وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي أن يأمر قوات الأمن باتخاذ "تدابير تنفيذية لوقف تجاوز حد السلطة" من قبل القاضية عون.
وأصدر مولوي توجيها يطلب من المديرية العامة للأمن العام وقوى الأمن الداخلي عدم تنفيذ أي قرار صادر عن القاضية عون.
وفي تغريدة على تويتر، كتبت القاضية أن التحركات "انهيار كلي للعدالة في هذا البلد المسكين". ووصفت الإجراءات بأنها "تدخل غير مسبوق في عمل القضاء".
ويمارس السياسيون والمصارف التجارية أيضا نفوذا كبيرا في ما يتعلق بتعيينات القضاة ونطاق صلاحياتهم في لبنان.
ودخلت المصارف اللبنانية في إضراب في السابع من فبراير/شباط بعد اجتماع لمناقشة الإجراءات القانونية المتصاعدة التي تواجهها منذ أن بدأ الاقتصاد في الانهيار منذ عام 2019.
وشملت تلك الإجراءات خطوات اتخذتها عون التي اتهمت مصرفين هذا الشهر بالضلوع في غسل أموال، لكن المصارف علقت إضرابها لمدة أسبوع بعد تحرك ميقاتي ضد عون وقالت إنها تنتظر حلا طويل الأمد لحالة "الخلل" في القضاء. ولم تصدر المصارف اللبنانية تعليقا بعد على رسالة عويدات.
واشتكى أكبر قاض لبناني وأعضاء آخرون في القضاء في الماضي من التدخل السياسي في الإجراءات القضائية. كما أن القضاء منقسم حول كيفية التعامل مع التحقيق في انفجار ميناء بيروت عام 2020.
وتسبب قرار المحقق العدلي طارق البيطار في يناير/كانون الثاني الماضي باستئناف التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت في أزمة قضائية حادة تطورت إلى حد قيام النائب العام التمييزي غسان عويدات بتوجيه اتهامات إلى البيطار.
وفي إطار تحقيقاتها المالية، جمدت غادة عون العام الماضي أصول خمسة بنوك كبرى وأعضاء مجالس إدارتها على الرغم من عدم توجيه اتهامات لهم بارتكاب أي مخالفات.
كما اتهمت حاكم البنك المركزي رياض سلامة العام الماضي بالإثراء غير المشروع في قضية تتعلق بتحقيقات فساد أوسع في لبنان وخمس دول أوروبية على الأقل. والمزاعم ينفيها سلامة الذي اتهمه قاض لبناني آخر اليوم الخميس بالإثراء غير المشروع.
ووجهت القاضية عون يوم الاثنين الماضي لبنك سوسيتيه جنرال في لبنان ورئيسه التنفيذي اتهام "غسل الأموال" كجزء من تحقيقها في المعاملات بين البنوك التجارية والبنك المركزي. ونفى بنك سوسيتيه الاتهامات وقال إنه لم يرتكب أي مخالفات.
وكانت قد وجهت الاتهام نفسه في 13 فبراير/شباط لبنك عودة وبعض مسؤوليه التنفيذيين، بينما أكد البنك أنه يحترم جميع قوانين البنوك في لبنان والخارج.
وفقد قطاع واسع من اللبنانيين الثقة في قضاء بلدهم على خلفية تدخل السياسة في التعيينات القضائية، فيما يعتبر عدد من القضاة محسوبين على طوائف وأحزاب سياسية.
ويتصدر لبنان قائمة أسوأ ثلاثة انهيارات مالية شهدها العالم منذ القرن التاسع عشر، إذ طال الفقر ثمانية من بين كل 10 أشخاص وفقد واحد من كل خمسة عمّال وظيفته وصارت 41 في المئة من العائلات عاجزة عن الوصول إلى الطعام والأساسيات الأخرى.
أحال مدعي عام التمييز اللبناني غسان عويدات الخميس المحقق العدلي بقضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار على التفتيش القضائي بموجب ادعاء الأخير عليه في خطوة جديدة للتصعيد ضده فيما اعتصم أهالي ضحايا الانفجار دعماً لمسار التحقيق الذي يقوده بيطار، بعدما أشعل استئنافه التحقيق مواجهة غير مسبوقة داخل القضاء، ما هدد بانهيار المؤسسات في بلد تنهشه أزمة اقتصادية وانقسام سياسي حاد.
ومنذ تسلمه التحقيق قبل عامين، يواجه بيطار (48 عاماً)، القاضي المعروف بنزاهته واستقلاليته، عقبات وتدخلات سياسية حالت تباعاً دون إتمامه لمهمته، وتهدّد حالياً بنسف التحقيق في الانفجار المروع الذي أوقع في الرابع من آب/أغسطس 2020 أكثر من 215 قتيلاً و6500 جريح وألحق دماراً واسعاً بالعاصمة.