مَن يجرؤ على البكاء في ذكرى حرب 2006؟

لا أعتقد أن أحدا في إمكانه أن يواجه بالكلام الدبابات التي انتشرت في البقاع وتستعد للقيام باستعراضها إحياء لنصر وهمي.

يسخر حزب الله من التاريخ حين يحتفل بذكرى حرب 2006. هل يحتفل المهزوم بهزيمته؟

وكما يبدو فإن لبنان كان هو المهزوم في حرب لفقها حزب الله، لم يكن لبنان في حاجة إليها.

لم تكن مغامرة ناجحة. لا بالنسبة للبنان الذي اُستبيحت أراضيه ودُمرت بنيته التحتية وشُرد مواطنوه، بل بالنسبة لحزب الله الذي أعترف زعيمه في حينه أن الحرب كانت خطاً. ولكن ذلك الاعتراف أصابه الاهمال عمدا، بحيث نسته جماهير الحزب وهي التي تتعرض يوميا لضخ المعلومات المضللة وسط أناشيد الانتصار.

ربما اعتبر سيد المقاومة بقاءه حيا انتصارا. بالرغم من أن رأس حسن نصرالله ليس له مكان على لائحة الأهداف الإسرائيلية. علينا أن نصدق أن اختباء نصرالله هو جزء من رواية بوليسية يُراد منها تضليل البسطاء من عامة الطائفة الشيعية في لبنان.

لا أظن أن حزب الله يحتفل بهزيمته. فليست الهزيمة من مفرداته وهو المنفصل عن الواقع، الناكر للتاريخ، المقيد بأجندة ولاية الفقيه التي تضع لبنان على جبهتها في الحرب على الاستكبار العالمي.

كان لبنان ضحية. ذلك هو دوره الطبيعي. متى لم يكن كذلك؟ وهو إذ يشهد احتفالات حزب الله يستذكر خرابه ودمار بنيته التحتية وهروب مواطنيه الذي بلغ عددهم أكثر من 600 الفا إلى سوريا. ولكن هل في إمكانه أن يقول شيئا لكي يوقف المهزلة؟ لا أعتقد أن أحدا في إمكانه أن يواجه بالكلام الدبابات التي انتشرت في البقاع وهي تستعد للقيام باستعراضها إحياء لنصر وهمي.

صار مقدرا لشعب اللبناني أن يدفع ثمن مغامرات حزب الله ويظل صامتا. وحين يُستعاد التاريخ بعد 17 سنة فإنه لا يملك حرية السؤال. ذلك لأن السلاح لا يزال مرفوعا. ذلك السلاح الذي هُزم لا يزال مرفوعا، لكن في وجوه اللبنانيين. فلا أحد في إمكانه أن يقول الحقيقة. وهي حقيقة صارت جزءا من إرشيف الذاكرة البشرية.

يوم وقع العدوان الإسرائيلي لم يقف العالم معه. لقد شعر أن هناك خطأ قاد إلى جريمة. ولبنان بلد صغير ليس له ذنب في وجود ميليشيا إيرانية مسلحة على أراضيه. لبنان الذي هُدمت بيوت سكانه على رؤوسهم واستهدفت الصواريخ الإسرائيلية محطات الكهرباء فيه نال يومها تعاطفا دوليا لم ينله من قبل. غير أنه دولته لم تتخل عن "المقاومة". لم يقل شعبه كلمة سيئة واحدة في حق تلك المقاومة التي لم تكن مضطرة لإشعال نار تلك الحرب. وقف الجميع وراء حزب الله وكان ذلك خطأً تاريخيا شجع الحزب على المضي في طريقه في استصغار عقول اللبنانيين والاستخفاف بمصيرهم.

 قبل 17 سنة كان من الممكن أن يوجه اللبنانيون كلمة عتاب إلى حزب الله. غير أن الأمور لم تعد كذلك اليوم. كان هناك شبح تحول إلى وحش وكانت هناك هزيمة تحولت إلى كارثة. لقد تمكن حزب الله من أن يلعب بأعصاب أهل البلد. فلا رئيس للجمهورية مثلا من غير موافقته. تلك قسمة ضيزى بدأت بميشال عون ولن تنتهي.

لا يمكن تحميل حزب الله أسباب تلك الظاهرة المشينة التي تسيء إلى الدولة اللبنانية وإلى شعب لبنان معا. هناك طبقة سياسية فاسدة أضعفت الدولة واستنزفت ثرواتها وعرضت شعبها للهلاك من خلال اللعب بأوضاعها الإقتصادية وصولا إلى الإفلاس هي التي سمحت لحزب الله أن ينفرد بالقرار، كونه القوة الوحيدة التي لا تزال متماسكة بسبب ما يأتيها من دعم إيراني لم يتوقف.

انتصر حزب الله على اللبنانيين بعد هزيمته في حرب عام 2006. ما حدث عام 2008، يوم احتلت ميليشياه المسلحة بيروت أكد أن ذلك الانتصار بداية لطريق، ستقود إلى أن تحتل دويلة حزب الله الدولة اللبنانية. لن تكون هناك دولة داخل الدولة، بل وصاية دولة حزب الله على لبنان كله، فلن يتحرك لبنان حتى في المحافل العربية خارج ما تفرضه المصالح الإيرانية. في غير مناسبة عربية كان لبنان ينطق بلسان فارسي.

ولكن مَن يضحك على مَن؟ في ظل ما يعانيه اللبنانيون من ضنك في العيش لا أحد في إمكانه أن يتخيل مناسبة للضحك. سيكون مشهد الدبابات في البقاع متجهما. سيبكي اللبنانيون وهم يتذكرون تضحياتهم التي تم محوها من الذاكرة. كانت هناك حرب دفع لبنان ثمنها من غير أن تكون حربه وها هو مشعل نار تلك الحرب يحتفل بانتصاره من غير أن يلتفت إلى ضحيته.