نظام المحاصصة باق في عراق من غير خدمات

العدوان اللدودان، الولايات المتحدة وإيران لا يملكان خطوطا مشتركة إلا في المسألة العراقية. من سوء حظ العراقيين.

كان نظام المحاصصة الطائفية والعرقية اقتراحا عراقيا تقدمت به المعارضة السابقة وفرضته الولايات المتحدة حين احتلت العراق مبدأ حكم على ما يُسمى مجازا بالنظام السياسي في العراق.

أراد المعارضون السابقون أن يضمنوا وجودهم في السلطة المقبلة تحت الاحتلال وبعده فلم يجدوا سوى المحاصصة خيارا بذريعة ضمان تمثيل المكونات العراقية كلها.

كانت فكرة التمثيل محصورة بالجانب السياسي. لم يكن لدى أي طرف من أطراف المعارضة السابقة، الشيعية والسنية والكردية، مشروع يتعلق بالخدمات التي يعرف الجميع أن العراق بات خاليا منها.

وبالرغم من أن الأحزاب التي حظيت برعاية المحتل قد استقر بها الحال في السلطة منذ أكثر من اثني عشر عاما فإنها لم تلتفت إلى مسألة الخدمات التي يحتاجها المجتمع.

لهذا كانت المدن العراقية، كلها من غير استثناء تعاني من غياب الخدمات.

وكما يبدو فإن الطبقة السياسية الحاكمة بما تملك من ذيول تابعة لها في المجتمع قد وجدت في الأوضاع الأمنية المتفجرة وغير المستقرة مسوغا لاستمرار اهمالها للخدمات الأساسية.

كانت تلك الأوضاع الأمنية السيئة لا تسمح بإنشاء محطات كهرباء ثابتة ومعامل لتصفية المياه وشبكات للري. ليس هناك ما يسمح من الوقت لدى حكام العراق لبناء المستشفيات والمدارس. أقيم الكثير من الأرصفة والجدران العازلة ونقاط السيطرات الثابتة من غير أن تُعبد الشوارع. هناك الكثير من الجسور الوهمية التي صار العراقيون يعبرون عليها حالمين. اما المشاريع السكنية التي لم تنبعث من الأرض وظلت أساساتها تذكر بها فهي لا تعد ولا تحصى.

لقد برع سياسيو المحاصصة في تأليف مسرحية، يطحن المكونان الشيعي والسني فيهما بعضهما الآخر. فيما اعتزل المكون الكردي في اقليمه الذي سطا على حصته من الثروة العراقية زعماء الأحزاب الذين قرروا منذ أن كانوا معارضين أن يكون نصيب الأكراد من حقهم.

وبالرغم من الحديث المتكرر عن كيانات سياسية عابرة للطائفية فإن سياسيي الطوائف ما زالوا يديرون العملية السياسية بقوة تمثيلهم للمكون الاجتماعي الذي وهبهم شرعية تمثيله.

الغريب في تلك الشرعية المنتحلة إنها ظلت حكرا لأشخاص بعينهم، هم ذاتهم الذين وضعهم المحتل الأميركي في صدارة نظام المحاصصة. وإذا ما كان الكثيرون من داخل العملية السياسية قد اعترفوا علنا أن ذلك النظام هو المسؤول عن استمرار الفساد المالي فإن الشعب الذي وهب شرعية تمثيله لأولئك الأشخاص لا يقوى على الإطاحة بهم وذلك من خلال سحب تلك الشرعية المنتحلة.

هناك قوة أكبر من أن يقوى العراقيون على التصدي لها هي التي يستمد منها السياسيون القدرة على البقاء في الحكم. ليست المرجعية الدينية هي تلك القوة كما يزعم السياسيون. فتلك المرجعية، التي اكتسبت هي الأخرى مكانتها في الحياة السياسية من إرادة المحتل، لا تملك القدرة على أن تُقيل محافظ النجف، المدينة التي تقيم فيها من منصبه.

الغليان الشعبي الذي تجسد من خلال الاحتجاجات الشعبية انتقل من التعبير عن رفض السياسات القائمة إلى رفض الأشخاص الذين يقفون وراء تلك السياسات غير أن المرجعية أبقت على الخيط الذي يصل بينها وبين الطبقة السياسية حين عبرت عن تضامنها مع المحتجين في المطالبة بالخدمات، وهو ما يعني أن المرجعية هي أضعف من أن تتصدى للسياسيين.

ففي حقيقة ما يجري في العراق فإن الطبقة السياسية التي حظيت برضا المحتل الأميركي لا تزال تحظى بحمايته وإن حدث ذلك مظهريا عن طريق إيران.

العدوان اللدودان، الولايات المتحدة وإيران لا يملكان خطوطا مشتركة إلا في المسألة العراقية. وذلك من سوء حظ العراقيين.

وليس هناك ما يحظى بإجماعهما مثل نظام المحاصصة الذي هو قاعدة الفساد المالي والإداري في العراق.

لذلك فإن الحراك الشعبي المطالب بالخدمات سيصطدم بجدار نظام المحاصصة الذي أقيم أصلا من أجل أن لا يغادر العراق منطقة التجاذب الطائفي ويشق طريقه نحو قيام دولة، تخدم مواطنيها.