نعم لقد خان الإخوان الثورة وغدروا بالشعب

الإخوان بلغوا الطعم عندما وصلوا إلى غايتهم بالسيطرة على البرلمان ثم اللجنة الدستورية ثم رئاسة الجمهورية ولذلك في تجربتهم الثانية مع الجيش بعد تولي مرسي الحكم، كانوا مستيقنين أن اللعب مع العسكر هو أقصر الطرق لحكم مصر وأنه ليس مخاطرة، وأنهم رجال تلك اللعبة وخبراؤها وأن المجلس العسكري الذي فتح لهم الطريق إلى كرسي الرئاسة في 2012 وسلمه لهم لن ينازعهم فيه في 2013 طالما أنهم يلاعبونهم بالغزل السياسي والترقيات والمكافآت.

  بقلم: جمال سلطان

منذ لحظة تنحى مبارك واليقين بانتهاء نظامه وقد عقد الإخوان الصفقات معلنة ومخفية مع المجلس العسكري، واللقاءات لا تنقطع، واعتبر الإخوان أن مرحلة "ميدان التحرير" قد انتهت، وأنه آن الأوان لقطف الثمار، بالتركيز على إنجاز انتخابات برلمانية ورئاسية، استنادًا لخبرتهم في إدارة الانتخابات وقلة خبرة القوى السياسية الجديدة، ولذلك كان لهم موقف سلبي دائم من كل الحراكات الثورية في تلك الفترة، ودافعوا دائمًا عن المجلس العسكري، وعن الجيش بصورة فيها الكثير من النفاق السياسي الصريح والزائد عن الحد، وهاجموا كل المليونات التي خرجت ضد المجس العسكري ونددوا بها واعتبروها أعمالاً تخريبية وأن من يقومون بها بلطجية وأبناء شوارع، هؤلاء الذين يعطونا اليوم درسًا أخلاقيًا عن الولاء "للعسكر"، كان "العسكر" طيبين ومذاقهم حلو عندما كانوا يلعبون معهم، وينسقون لمصالحهم معهم ويطمعون في كرمهم، اليوم أصبح "العسكر" تهمة وسبة!، وكانت قناتهم الفضائية وصحيفتهم تتغزلان في المجلس العسكري بانتظام، ولا ينتقدون إلا نادرًا وبلطف لذر الرماد في العيون، كما كانوا دائمًا يتعمدون في الميادين إعلاء الهتافات المتغزلة في المشير "يا مشير أنت الأمير" ردًا على هتافات شباب الثورة التي كانت تنتقد حكم "العسكر" وقتها .

بلع الإخوان الطعم عندما وصلوا إلى غايتهم بالسيطرة على البرلمان ثم اللجنة الدستورية ثم رئاسة الجمهورية، ولذلك في تجربتهم الثانية مع الجيش بعد تولي مرسي الحكم، كانوا مستيقنين أن "اللعب" مع "العسكر" هو أقصر الطرق لحكم مصر وأنه ليس مخاطرة، وأنهم رجال تلك "اللعبة" وخبراؤها، وأن المجلس العسكري الذي فتح لهم الطريق إلى كرسي الرئاسة في 2012 وسلمه لهم، لن ينازعهم فيه في 2013، طالما أنهم "يلاعبونهم" بالغزل السياسي والترقيات والمكافآت، ولذلك تغزلوا كثيرًا في السيسي قائد الجيش ومنحوه الترقية مرتين في ستة أشهر فقط، من رتبة لواء إلى فريق ثم إلى فريق أول، كما كان مرسي دائمًا يتحدث عن "رجال من ذهب" في الجيش.

 كما وصل الإسفاف والنفاق السياسي وانتهازيته إلى وصف الشرطة نفسها بأنها كانت "في القلب من ثورة يناير"، رغم أن الثورة قامت أساسًا ضد هذا الجهاز، ورفض مرسي وجماعته بإصرار محاكمة أي جندي أو ضابط على أي وقائع كبيرة جرت في أحداث الثورة، الإخوان اعتبروا ثورة يناير مجرد جسر أوصلهم لغايتهم، وطووا مرحلته سريعًا خاصة بعد استيلائهم "المتوهم" على مفاتيح القرار والسلطة والشرعية، البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، وأداروا ظهرهم للشعب والمعارضة والمجتمع المدني والجميع، ووجهوا وجوههم شطر "قوة السلاح"، في الجيش والشرطة لكي يتحالفوا معهم ويتقاسموا معهم غنائم الثورة حسب تفكيرهم الجنوني، ولذلك خسروا بسهولة كل قوى الثورة والأحزاب والائتلافات الثورية ورموز يناير بالكامل، دون أن تهتز لهم شعرة سياسية ودون أن يهتموا بذلك ولا يقلقهم، بل كانوا يتعاملون مع الجميع بعجرفة وكبر أثارا المرارة في نفوس كثير ممن كانوا يحسنون الظن بهم أيام "استضعافهم"، لأن رهانهم أنهم إذا ربحوا الجيش فقد ربحوا كل شيء، وهذا هو الأهم في حساباتهم الانتهازية التي كانت في الحقيقة مقتلهم بعد ذلك.

ظل الإخوان على ثقة تامة بأن الجيش يدعمهم ويدعم محمد مرسي وينحاز إليهم تحت وهم "الشرعية" التي لم يحترموا أي قاعدة سياسية من قواعدها، واعتبروا أن شرعية الصندوق محت شرعية الثورة، ورغم كل الإنذارات التي قدمت، وخاصة في الأيام العشرة الأخيرة، قبل 30 يونيو، إلا أنهم كانوا غارقين في ضلالهم المبين وأحلامهم التعسة، وعندما نزل الجيش في الشوارع والميادين فرحوا به، وزفوا البشرى للمصريين، لأنهم تصوروا أن الجيش نزل لدعمهم وحمايتهم من غضب الناس، ونشرت صحيفتهم صور المدرعات في الشوارع تحت العنوان الحالم "الجيش يحمي الشرعية" وبعدها بثلاثة أيام انتهى كل شيء، والطريف جدًا أنهم يحاكمون معارضيهم حتى الآن بدعوى أنهم لم يفهموا أن هناك ترتيبات للإطاحة بمرسي، فإذا كنت أنت الأعمى لم تر شيئًا حتى صباح يوم 3 يوليو، وظللت ـ كما نشرت مواقعكم ـ تفاوضون على صفقة الفرصة الأخيرة في الغرف المغلقة، فكيف تحاسب غيرك اليوم على أنه لم ير ما لم تره أنت نفسك وقتها، كيف تنظر إلى القشة في عين معارضيك ولا ترى الشجرة في عينك، إنه الضلال السياسي الذي يصعب أن تجد له تفسيرًا فضلاً عن علاج .

أذكر في أواخر شهر إبريل أو أوائل مايو طلب مني أحد مستشاري مرسي اللقاء بعد أن انزعجت الجماعة من المقالات النقدية التي كنت أكتبها ضد سلوكهم السياسي وإقصائيتهم والخطورة الشديدة التي يعرضون البلد لها في تلك الأوقات وهم باردون وواثقون من أن الأمور تحت السيطرة، قال لي عبر الهاتف إن هناك أمورًا لا تعرفها، تعال نشرب فنجانًا من القهوة وأعرفك، ولما التقيت به في مبنى المستشارية في معسكر الحرس الجمهوري بمصر الجديدة، وجدته منتشيًا بأبهة السلطة، ومتحدثًا عن سيطرتهم على الدولة ومؤسساتها، وعندما أتى على ذكر الجيش حرك طرف جاكت بدلته الأنيقة وأشار إلى جيبها الداخلي، للتأكيد على أنه في جيبهم! يومها قلت له بوضوح كامل، يا دكتور... هذا وقت لا يسمح بالمجاملة، وأنا أؤكد لك أن الدكتور مرسي سيسقط في 30 يونيو المقبل، سخر من كلامي وقال إنني متشائم أكثر من اللازم، وأنهم يعرفون ماذا يفعلون، فقلت له إن الأمر لا صلة له بتشاؤم وتفاؤل، ليست حالة نفسية، بل قراءة للواقع الذي يتشكل بوضوح الآن.

كان كل شيء يوحي تمامًا بما يرتب له في 30 يونيو، الجميع يرونه، إلا هم، كانوا يسيرون كالعميان خلف شيء مجهول حتى الآن، وثقوا فيه ثقة عمياء، ويتحاشون تمامًا أن يحكوا شيئًا عنه ولا يقتربون منه، كأنه السر المقدس، لأن في الكشف عنه مفتاح فهم كل شيء، كل ما جرى في الظلام.. وللحديث بقية.