هل يعيد غابرييل أتال علاقة فرنسا والمغرب إلى مربع الأزمة

رئيس الوزراء الجديد قد يستفيد من الدرس السابق ومحاولات بلاده الحثيثة لتحسين العلاقات مع الرباط ورأب الصدع بعد أزمة التأشيرات التي تسبب بها.

باريس – يدفع اختيار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للسياسي الشاب غابرييل أتال ليكون رئيسا للوزراء خلفا لإيليزابيث بورن، إلى التساؤل حول الدور الذي سيقوم به بالنسبة للعلاقات مع المغرب بعد الأزمة التي تسببت فيها تصريحاته في سبتمبر/أيلول من سنة 2021، حين كان ناطقا رسميا باسم الحكومة، وكُلف بإعلان تطبيق قرار خفض التأشيرات للمواطنين المغاربة والجزائريين والتونسيين.

ويثير تعيين أتال التكهنات بأنه قد يعيد العلاقات بين المغرب وفرنسا إلى مربع الأزمة بعد أن لاحت في الافق انفراجة، إذ ساهم بشكل واضح في التأثير سلبا على العلاقات الفرنسية المغاربية، حين أعلن تقليص التأشيرات إلى النصف بالنسبة لمواطني المغرب والجزائر، وبنسبة 30 في المئة بالنسبة لتونس التي ينتمي إليها والده بسبب "عدم تعاون" حكومات تلك الدول في ملف ترحيل المهاجرين غير المرغوب فيهم من طرف فرنسا.

وما عقَّد الأمر أكثر، هي التصريحات العلنية لأتال التي وصف فيها القرار حينها بـ"الصارم وغير المسبوق والضروري، لكون تلك الدول ترفض استعادة مواطنيها الذين ترفض فرنسا استقبالهم"، وأضاف بأن مواقف الدول الثلاث "تبطئ فعالية" عمليات الترحيل من الأراضي الفرنسية عند صدور قرارات في هذا الصدد. وتابع "حصل حوار ثم وجهت تهديدات. اليوم ننفذ التهديد".

ليرد عليه وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بالقول إن هذا الأمر "غير مبرر" وأن حججه "غير حقيقية"، مشددا على أن الرباط "لن تغير قوانينها" إرضاء للحكومة الفرنسية.

على رئيس الوزراء الشاب من موقعه الجديد العمل على المضي قدما في تحسين العلاقات الثنائية، آخذا بالاعتبار أن فرنسا تعيش بشكل عام علاقات متشجنة مع عدد من مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وهي بحاجة إلى علاقة وطيدة مع المغرب.

وكانت تلك التصريحات فاتحة أزمة غير مسبوقة بين الرباط وباريس استمرت لسنتين، ولم تنجح حتى زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إلى المملكة في ديسمبر/كانون الأول من سنة 2022، في طيها رغم إعلانها اعتماد الإجراءات الضرورية لإعادة الوضع الطبيعي بخصوص قضية التأشيرات، واتخاذ قرار إعادة النشاط القنصلي العادي على أن تشرع السلطات الإدارية عملها كما في السابق.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2023، وخلال مشاركته في برنامج إذاعي عبر "راديو 2M، أعلن السفير الفرنسي بالرباط، كريستوف لوكورتيي أن بلاده رفعت جميع القيود التي سبق أن فرضتها على إصدار التأشيرات لصالح المواطنين المغربة لطي هذا الملف بشكل نهائي، لكنه أبدى أسفه على هذا القرار الذي قال إنه كان "خسارة" لبلاده باعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون، وأضر كثيرا بصورتها، وأوضح أن علاقة وطيدة مثل تلك التي تجمع بين باريس والرباط لا تتم إدارتها عبر الإحصائيات فقط.

واعتبر لوكورتيي حينها أن "للقلب قواعد لا يدركها العقل"، والقرار الفرنسي بخصوص التأشيرات "مس القلب"، مبديا اقتناعه بأن الأمور ستعود إلى مجاريها مع مرور الزمن، لأنه كفيل "بمحو كل تلك الفوضى والإهانات" مشددا على أن بلاده قررت منح التأشيرة لجميع الأشخاص الذين يتقدمون للحصول عليها إلى ما استوفوا الشروط المطلوبة دون أي قيود مسبقة.

وللإشارة فإن ماكرون باختياره لأتال رئيسا للحكومة، عين لأول مرة في هذا المنصب شخصا من ذوي الميول الجنسية المثلية كان على علاقة مع عضو البرلمان الأوروبي ستيفان سيجورني رئيس مجموعة "رينيو" الذي كان مهندس قرار المؤسسة التشريعية الأوروبية بإدانة المغرب بخصوص قضايا تتعلق بحرية الصحافة.

وسيجورني اسم مقرب كثيرا من ماكرون، وهو جزء من الأغلبية الداعمة لهذا الأخيرة، وكان المحرك الرئيس للحملة التي استهدفت الرباط داخل البرلمان الأوروبي، بخصوص مزاعم التجسس عبر برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، التي سبق للرباط أن نفتها رسميا، وكان من بين أسباب الفراغ الدبلوماسي الطويلة في سفارة المغرب في باريس، كعنوان على أزمة غير مسبوقة بين البلدين.

وأثار تعيين أتال جدلا واسعا داخل الحكومة الفرنسية نفسها، فقبل أسابيع عبرت مستشارة حكومية عن استغرابها لهذا الحماس لـ"رجل السلطة" هذا الذي يثير سخرية حتى بين مؤيديه بسبب "اعتداده بتفوقه". واعتبرت زعيمة كتلة اليسار الراديكالي ماتيلد بانو أنه "ماكرون جونيور متخصص بالغطرسة والازدراء".

وهناك وجهة نظر أخرى تقول أنه ربما يكون رئيس الوزراء الجديد قد استفاد من الدرس السابق ومحاولات بلاده الحثيثة لتحسين العلاقات مع المغرب نظرا لأهميته وموقعه الاستراتيجي في المنطقة، لاسيما أنه يعتبر أول شريك تجاري لفرنسا في أفريقيا، ويقوم بتأمين منفذ إلى أفريقيا جنوب الصحراء حيث يمارس بصورة ناشطة "القوة الناعمة" اقتصاديا منذ 2010.

ويقول محللون أن أتال من موقعه الجديد عليه العمل على المضي قدما لتحسين العلاقات الثنائية بين بلاده والمغرب، مع الأخذ بالاعتبار أن فرنسا تعيش بشكل عام علاقات متشجنة مع عدد من مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وهي بأمس الحاجة إلى علاقة وطيدة مستقرة مع المغرب.