"همس الأبواب" توهج سردي متماسك وثقافة إبستمولوجية
هذه الرواية التي تسنى لي قراءتها، وقد تركت نفسي على سجيتها تمضي سهواً رهواً، وجُلت في صفحاتها البالغة 295 صفحة، تنم على توهج سردي متماسك، ومنسجم مع أحداثها المتشابكة.
الحبكة وبناء الرواية
تمتعت الرواية بحبكة سلسة، وارتبطت أحداثها ببطلة الرواية مارجريت، التي صالت وجالت بطولتها في أربعة عشر فصلاً، بدأت الكاتبة في بناء الشخصيات بناءً فيه حرفية، وأهم تلك الشخصيات هي بطلة الرواية مارجريت، التي ألبستها الكاتبة لباساً خارقاً يخص علم ما وراء النفس، وهذه الفكرة هي النواة التي استندت عليها الكاتبة في تسطير الأحداث في قالب سردي متوهج ، وكانت فكرة الباراسيكولوجي تنم على ثقافة الكاتبة الابستمولوجية.
كانت مارجريت ابنة لأم روسية تدعى نتاشا، حاولت التخلص من ابنتها الرضيعة في ظروف نفسية معقدة، لكن مارجريت أنقذتها عمتها نرجس شقيقة والدها المتوفي.
المكان الروائي
اتخذت الكاتبة مكاناً فخماً، وهو القصر الباذخ المترامي الأطراف، وفيه حديقة واسعة وأحراش، ومقبرة صغيرة تابعة للقصر، ويسكنها حانوتي عجوز مريب في حديثه وتصرفاته، وفي القصر يعيش رمزي وزوجته نرجس، وابنة أخيها مارجريت، البالغة من العمر خمسة أعوام، وقد صورت الكاتبة القصر تصويراً سينمائياً مرعباً.
فكرة الرواية
بنت الكاتبة روايتها على ظاهرة علمية تخص علم ما وراء النفس، وهي فكرة تحسب للكاتبة، وإن كانت الفكرة مسبوقة ومتواجدة في الواقع، وهذه الفكرة هي ظاهرة الباراسيكولوجي، استطاعت الكاتبة أن توظف هذه الفكرة في بطلة روايتها مارجريت، وجعلت القارئ ينظر بدهشة لتحركات مارجريت في أحداث الرواية، المنثورة بنظام متسق في أربعة عشر فصلاً، ربما تكون هناك أعمال اتكأت عليها الكاتبة في جلب فكرتها، وأخص منها الفيلم الأميركي "ذا فيوتشر"، والتحليل النفسي للدراما النفسية، ولكن هل فكرة البارا سيكولوجي لها أساس في الواقع؟
تشير الدراسات العلمية إلى أن البارا سيكولوجي لها وجود في الواقع، ولها علماء أوضحوا وجود تلك الظاهرة، وقد كتب الدكتور ألفريد شتلتر كتاباً مشهوراً، تناول فيه هذه الظاهرة، وكتابه هو الموسوم بـ "البارا سيكولوجي والطب"، وأظهر فيه أيضاً الطب الخارق وهو المعروف بـ "البارا ميدتسن" وللدكتورة نادين إيهاب كتاب بعنوان "أفلام الدراما النفسية والبارا سيكولوجي"، على هذه الفكرة النفسية اتكأت الكاتبة في نسج خيوط روايتها، ومع ذلك كانت الرواية تتمتع بالإثارة والتشويق وهذا يدل على سعة ثقافة الكاتبة الابستمولوجية.
الأحداث في قالب روائي
كانت أحداث الرواية مثيرة، وقد استطاعت الكاتبة الإمساك بخيط السرد، مما جعل ذلك التماسك يقاوم التجاعيد والهفوات، وكانت اللغة بسيطة تخلو من التكلف، وإن ظهرت بعض الأخطاء اللغوية، التي سأذكرها لاحقاً، ونأتي على التحليق في فصول الرواية، كانت مارجريت ابنة لأم روسية تدعى نتاشا، وحاولت التخلص من ابنتها الرضيعة في ظروف نفسية معقدة، لكن مارجريت أنقذتها عمتها نرجس شقيقة والدها المتوفي، وعند بلوغ مارجريت خمسة أعوام كانت ترتاد مدرسة خاصة، وفي يوم من أيام المدرسة كانت الحافلة تقف أمام المدرسة، وهي تستعد لنقل التلاميذ إلى منازلهم، وعندما صعدت مارجريت واتخذت مكانها في الحافلة، فاجأها صداع وبدأت تهذي بصوت مخيف "الحافلة تشتعل"، ورأت أيضاً جثثا متفحمة لبعض الفتيات، وهناك قفزت من الحافلة مذعورة، حاولت المدرسات أعادتها إلى الحافلة، ولكن مارجريت نقلت إلى مكتب المديرة، تحركت الحافلة، وصدقت البارا سيكولوجي التي لبست مارجريت، ولكن ذلك الاستبصار أثار المديرة، التي وبخت مارجريت ونعتتها بالشيطانة، وبعد مضي برهة من الوقت وجدت المديرة معلقة في مشنقة داخل مكتبها، نرجس بعد أن سمعت حكاية مارجريت، وعدتها أن تأخذها إلى أميركا لعرضها على كبار أطباء علم ما وراء النفس، ولكن رمزي في صراع مع نرجس، أسقطها بعيار ناري أرداها قتيلة، ومارجريت تنظر من خلف الستار، تراكمت حالة مارجريت النفسية، وعند بلوغها الثانية عشرة حاول رمزي الاعتداء عليها، ولكنها نجت منه.

تأتي مارجريت العشرينية بشخصية جريئة، وظهر جمالها، ولكنها كانت مريبة، ومدمنة على التدخين وتعاطي الكحول، وكانت تعيش في ذلك القصر المخيف، وظهر في حياتها بهاء وأخوه الدكتور نزار، وصديق طفولتها مازن، وهم الآن يعيشون معها، وسيطر الشك على بهاء، ويعتقد أنها من قتلت عمه، ولكن الغموض ساد جدران القصر، وكانت الجرائم تتلاحق تباعاً، كانت مارجريت على علاقة بجاسر وهو من عائلة متنفذة لها علاقة بعصابات المافيا.
الكاتبة جلت صراع مارجريت مع تلك الأهوال التي واجهتها، وجعلت منها شخصية قوية حادة الذكاء.
ظهر هاني الضابط صديق بهاء، وظلا يدوران في حَلْقة مفرغة وهما يحاولان الإيقاع بمارجريت، ولكن دون جدوى استطاعت أن تثبت غيابها عن مسرح الجريمة، التي قتل فيها رمزي.
في مشهد تصويري بديع أرسلت الكاتبة بطلتها مارجريت إلى الطريق الصحراوي للفيوم، وهناك اعتدى عليها ثلاثة من اللصوص واغتصبوها، لكن بعد أيام استطاع صديقها جاسر أن يأتي بالمغتصبين وعرضهم على مارجريت، ولكنها أنكرت معرفتهم، وبعد أيام وجدوا الأشخاص الثلاثة في الطريق الصحراوي ذاته قتلى، وعلى أجسادهم علامات مميزة، كتلك العلامات التي وجدت في قتلى القصر رمزي والعجوز حانوتي مقبرة القصر.
الرواية كما أسلفت متعددة الأحداث، وختمت الكاتبة روايتها، بمقتل الضابط هاني في مكتبه، وهنا عقدت مارجريت في الفصل الأخير صفقة مع بهاء، وكشفت له الأوراق التي تدين عمه رمزي، وكذلك صديقها جاسر المسؤول عن قتل الضابط هاني، واتفقت مع بهاء على منحها ثروتها من عمتها، والسفر إلى أميركا هروباً من جاسر وسطوته، أخذ بهاء الأوراق والتسجيلات الصوتية، وغادرت مارجريت إلى الولايات المتحدة، وفي ليلة كان بهاء يقلب الأوراق والوثائق، وفجأة رأى ظلاً في رواق القصر اقترب منه ذلك الظل، فكانت المفاجأة مارجريت بعينين لامعتين، وأغمي على بهاء.
الكاتبة آثرت أن تختم روايتها بمأساة سام صديق مارجريت، هناك في أميركا كان سام يقود سيارته مسرعاً، وهو ثمل اعترضته الشرطة وزجت به في السجن، وهناك فقد رجولته، حيثُ اعتدى عليه ثلاثة من الشواذ، وهذا تمثيل للانحلال، والمرض النفسي الذي يعتري الشواذ.
أخطاء لغوية
لا يخلو أي عمل من أخطاء ربما نتيجة التسرع، أو التساهل في المراجعة قبل إيداع العمل في المطبعة، على العموم بلغت الأغلاط حوالي 34 غلطة، وهناك الكثير من التصحيفات، أما الأغلاط اللغوية فكانت في الفعل المضارع المسبوق بحرف جزم مثلاً : لم يجدي وصحته لم يجدِ، لم تفعلي وصحته لم تفعلِ.
هذا ما تنسى لي رؤيته، وننتظر الكاتبة في عمل قادم أكمل وأجود.