هند ناصر تدعو في 'تجلّي' للتمسك بالأمل
يحتضن المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة معرضا تشكيليا للفنانة الأردنية هند ناصر بعنوان "تجلّي" والذي كان من المقرر أن يستمر إلى غاية الخامس عشر من يناير/كانون الثاني الجاري قبل أن يتم تمديده إلى غاية 30 من الشهر نفسه.
وتؤكد أعمال الفنانة التي اختارتها لهذا المعرض على ضرورة وجود "الفن في حياتنا.. فهو يساعد على مواجهة الطاقة السلبية السائدة في عصرنا، ويمكن أن يعزز صحتنا العقلية من خلال توليد التفكير الإيجابي وغرس الأمل"، وفق ما كتبته هند ناصر في تدوينة على حسابها بإنستغرام.
ففي تقديمها لمعرضها، تقول ناصر إنها حاولت إبراز المشاعر والأحاسيس بعمق لتطلق "الطاقة الإيجابية الكامنة في دواخلنا"، مؤكدة أننا بالجمال والتمسك بالأمل "يمكننا مجابهة الواقع السلبي الذي يواجهنا".
ووظفت ناصر اللوحات التي عبرت عن المشاعر والأحاسيس بعمق لتطلق الطاقة الإيجابية الكامنة في داخل الإنسان؛ الإكريليك على الخشب، والقماش، والحبر والإكريليك على الورق، والزيت على القماش والزيت على ورق مقمش.
وتدعو الجداريات المرسومة على القماش كل من يقف أمامها للتفكر في عوالم موازية، مرئية وكامنة في الخلفية على حد سواء، وهو ما تؤكده الفنانة بقولها إن المعنى الحقيقي لأعمالها ينطوي على فكرة أن الإدراك البشري "يمكنه أن يسافر إلى تخوم عوالم كثيرة، وأن يرتحل فيها في الوقت الذي يختاره".
وتمثل التشكيلات التجريدية المعبأة بالرموز والدلالات فوق سطوح الأعمال، نتاج المرحلة الحالية لتجربة هند ناصر غزيرة الإنتاج والمتجددة فيما تقدمه بين معرض وآخر. وهي تمثل مرحلة التأمل العميق لجريان الحياة وتقلباتها، ومرحلة البحث المتأني في هواجس الإنسان وتقاطعاته الفكرية مع ما يحيط به، ومرحلة البحث عن أسئلة حول الأصول والبدايات واللانهائي والحياة والجوهر والعمق.
ورغم أن اللوحات لا تقدم إجابات نهائية على كل ما تطرحه من أسئلة، إلا أنه بالإمكان تلمُّس بعض الإجابات من خلال التفكر في رمز الدائرة الجوهري، فالحياة يحكمها في النهاية قانون الفوضى، ومن خلاله يتجلى انتظامها وتتحقق ديمومتها.
وتبدو الدوائر بطلًا رئيسًا في لوحات ناصر بمعرضها "تجلّي"، إذ سرعان ما تجذب نظرَ المشاهد بينما هي تتناثر في غير اتجاه على الجداريات، محققةً بذلك إدهاشًا بصريًّا.
ويمكن للمتلقي معاينة الدوائر في الجداريات وهي تندفع نحو الأطراف متحررةً من سطوة المركز وسلطته، كما لو أنها شظايا انفجار تركت مكانها لتتوزع بين خطوط وتشكيلات لونية مشرقة وكثيفة، وهنا يمكن عَدّ الدائر رمزًا للحياة والوجود، نقطة يبدأ منها خط الزمن وإليها ينتهي ثم يتكرر.
وتقول الفنانة "قد تكشف أعمالي عن بعض الإجابات، وقد تثير التأمل، أو قد تُعتبر ببساطة إسقاطاتٍ جمالية لحالتي الذهنية. أياً كان الأمر، فهي مجرد محطة أخرى في رحلة الحياة، التي تتغير باستمرار. مثلنا تمامًا".
وتُبرز أعمال ناصر التدفقَ الخارجي المستمر للطبيعة، وانعكاس ذلك الخارج على العالم الإنساني الداخلي، لذا فهي تطرح موضوعات تتجاوز الحدود بين الداخل والخارج، وبهذا فإن تشكيلاتها الرقيقة التي تحيل إلى أزهار السوسنة والخشخاش والزئبق تعتمد على خيال المتلقي للعمل وثقافته، إذ يمكن أن تكون هذه التشكيلات تجسيدًا لمقولة إن الأزهار أولى المخلوقات على الأرض، لهذا فهي تجسد معاني الكمال والجمال، وقد يُنظر للزهرة على أنها المفردة التي تمنح الكون توازنه وجمالياته وتنوعه.
وتبدو جداريات هند ناصر وأعمالها الأخرى التي بلغ عددها 53 لوحة، مفعمة بالألوان التي تنوعت بين القوية والحارة، وبين الدافئة والهادئة، وبالأشكال التي تتجاور فيها الألوان مع الخطوط كما لو أنها معزوفة موسيقية هارمونية تتصاعد بهدوء وانسياب حاملةً المشاهد إلى عوالم يتقاطع فيها الواقع بالخيال، وهذا ما يحقق في النهاية "المعنى الداخلي للحياة والتوازن المطلوب مع المحيط".
فالمتمعن في أعمال ناصر يجد أنها تعبّر عن حوارٍ عقلاني بين المناظر الطبيعية الموجودة في العالم الإنساني الداخلي، وعالم الطبيعة الخارجي، الطبيعة الخارجية التي تحيط بها هي صور عالم الشرق، وبالتالي فإنها تستخدم الألوان الصافية، والألوان الرئيسة غير الممزوجة للتعبير عنها، أما القسم الأكبر من أعمالها التجريدية، والتي تعكس العالم الداخلي، فيسيطر عليها الألوان الداكنة، والإشارات المليئة بالحيوية.
والفنانة التشكيلية هند ناصر (1940) حاصلة على بكالوريوس في التاريخ والسياسة في كلية بيروت للبنات عام 1961 التي تعرف حاليا بالجامعة الأميركية اللبنانية، وبدأت دراسة الفن في استوديو الفنانة الراحلة فخر النساء زيد للفنون في عمان عام 1976، عملت في حقل التعليم، كما أنها أسست المعهد الوطني للموسيقى، والمركز الأردني للحرف التقليدية "ارتيزانا" وغاليري 14. وأقامت الفنانة 23 معرضا فرديا، وشاركت في 55 معرضا جماعيا داخل الأردن وخارجه.