هيا صالح ترصد في 'جرعة زائدة' طريق الإدمان
رفاق السوء.. الخوف من المجتمع.. الإنترنت.. غياب دور الأسرة، كلها عوامل تؤدي إلى انجراف الإنسان إلى طريق ليس منه عودة، إنه طريق الإدمان، وقد تضافرت جميعا على "مجدي" –بطل رواية "جرعة زائدة" للكاتبة الأردنية هيا صالح- فألقته صريع المخدرات، إذ وجد ما يريده، لكنه لم يجد ما يحتاج إليه، فقد أغرقه أبَواه بالمال ووسائل الترفيه، لكنهما لم يُشبِعا لديه الحاجة إلى الأمان النفسي والدفء الأسري، لذلك فقد كان فريسة سهلة للإدمان الذي كان صديقُه سببا جوهريّا في توريطه به.
نقرأ في الرواية الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون": "في الثانوية أيضا تعلَّمتُ تدخين السجائر من رفاقي في المدرسة. أصبحنا نُدَخِّنُ في الحمَّامات أو في طريق عودتنا إلى البيت. ورغم معرفتي أن التدخين يضرُّ بمستقبلي بوصفي لاعبَ كرة قَدَم، فإنَّني لم أتوقَّفْ، بل إنني لم أفكِّرْ في التوقُّف أصلاً، خشيتُ أن يصفني الأصدقاء بالجُبن وأن ينظروا إليَّ على أنني ما زلتُ طفلاً".
لكن الفتى "مجدي" مع ذلك لم يفقد الجانب الإنساني في شخصيته، وعندما تعرَّضت "حنان" للإصابة، وهي فتاة بسيطة تساعد أمها في جمع القمامة، هرول لنجدتها استجابةً للنداء الإنساني. نقرأ:
"وبينما أنا غارق في التفكير، سمعتُ صوتَ حنان تصرخ، خرجتُ من المستودع راكضا باتجاهها، كانت قد أوقعتْ طوبةً على قدمها، فشعرتُ بالتعاطف معها، اصطحبتُها إلى الداخل وطلبتُ منها أن تجلس على الأريكة، مسحتُ الجرحَ بالماء، وأخرجتُ من حقيبتي لاصقا ولففتُه حولَ إصبعها المصابة".
فرغم سقوط "مجدي" بين براثن المخدر، فإنه أبدا لم ينجح في تخدير ضميره، ذلك الذي كان سببا أساسيّا في قرار عودته إلى الحياة والإقلاع عن المخدرات إلى الأبد:
"عدتُ وارتميت على الأريكة، كنتُ مثلها متهالكا، أغمضت عينيَّ وأنا أتساءل: كيف دخلت إلى هذا النفق؟! كيف عبرتُ بابَ هذا العالم الأسود؟! كنتُ لاعبا جيِّدا في فريق المدرسة لكرة القدم، واستطعتُ انتزاعَ كأس الموسم للصفوف الثانوية، وبدأ الأستاذ نبيل إعدادي لمباراة اختيار اللاعبين لنادي الشباب الوطني لكرة القدم، فأصبحَ الطلاب ينظرون إليَّ على أنني نجم الكرة بلا منافس.
في اليوم التالي عاتبتُ طارق لأنَّ الحبَّة التي قدَّمها لي خلخلتْ جسدي، فقال:
- الحقُّ عليَّ.. لولا تلك الحبَّة السحرية ما كانوا اختاروك في النادي رغم خسارة فريقكَ.
- لكنني تعبتُ بعدَها. تعبتُ كثيرا.
- هذا لأنَّها المرة الأولى، جرِّبها مرَّة أخرى وستكون بقوَّة عَشَرة أحصنة".
كان هذا هو باب الدخول إلى دوامة المخدرات، والسقوط في بئر الإدمان، لكنها لم تكن نهاية العالم، فكل إنسان يمكنه الوقوف مجدَّدا بعد كل سقوط قد يتعرض له في حياته، وقد كان بطل الرواية محظوظا، سواء بـ"حنان" وأمها، وهما بارقة الأمل التي كانت سببا رئيسا ومعينا حقيقيّا في إفاقته وقراره بعلاج نفسه من الإدمان، وكذلك بأسرته التي أكملت المسيرة معه.
وإن كان "طارق" هو الباب الذي دخل منه البطل إلى عالم الإدمان، فإن رسالة أبيه هي بوابة الخروج:
"ولدي مجدي.. أعرف أنكَ لست وحدكَ المُلام على ما حدث.. كلنا مدمنون مثلك بطريقة أو بأخرى.. أنا مدمن على العمل المنهِك، وأمك على تلك الشاشة وبرامج الطهي، وياسمين على الأجهزةالذكية، وأنت... أرجوك أن تعود إلى البيت لنستطيع حلَّ مشاكلنا كعائلة مُحبَّة".
يُذكر أن هيا صالح صدر لها في الرواية الموجّهة للفتيان: "يوميات راجح الناجح"، و"الفستان الأزرق المطرّز"، و"شقائق النعمان"، و"تراب مضيء". وفي الرواية للكبار: "جسر بضفة وحيدة"، و"لون آخر للغروب". وفي النقد: "الخروج إلى الذات"، و"سرد الحياة"، و"المرجع وظلاله"، و"أبواب الذاكرة"، و"المسافة صفر". وفي الكتب الأدبية الموجّهة للأطفال: "مختلفان.. متشابهان"، و"فراشة فراشة.. ماذا تسمعين"، و"لم أعد أشعر بالملل"، و"أكبر كرة صوف في العالم"، و"سحلب يخطط لمقلب"، و"عدنان وطبق رمضان"، و"لا أخربش.. أنا أرسم"، و"لماذا أحب القراءة"، و"شامة الصغيرة في ورطة كبيرة"، و"لوحة طارق"، و"من حقّي أن"، و"عالَم صغير"، و"سيرة حياة ورقة"، و"لماذا تطارد الكلابُ القطط؟"، و"سلة العنب"، و"سلمى واليرقات"، و"كعكة الفاكهة".
فازت بجائزة اتصالات لكتاب العام لليافعين 2020، وجائزة كتارا للرواية العربية 2018، وجائزة الدولة الأردنية التشجيعية لأدب الطفل 2017، وجائزة ناصر الدين الأسد للدراسات النقدية 2016، وجائزة أفضل كتاب عربي للطفل/ الشارقة 2013، وجائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة ناجي نعمان للثقافة/ بيروت 2013، والجائزة الثالثة في مسابقة النص المسرحي الموجّه للطفل/ الهيئة العربية للمسرح 2013. كما فازت مسرحية "في يدي نجمة" (النص من تأليفها) بجائزة أفضل عرض متكامل من مهرجان الإبداع الطفولي الذي نظمته وزارة الثقافة الأردنية 2016، وفازت حلقة برنامج "مجلة السنابل" الذي أعدّته للأطفال وبثّته الإذاعة الأردنية، بالجائزة الذهبية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون/ تونس 2009.