واشنطن ترفض الحكم بالسجن على موظف بقنصليتها في إسطنبول
إسطنبول - أعربت الولايات المتحدة عن "خيبة أملها" بعدما حكمت محكمة في إسطنبول على موظف تركي في القنصلية الأميركية في تركيا بالسجن "بدون أي دليل موثوق"، في خطوة تشير إلى عودة التوتر في العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
وقالت السفارة الأميركية في بيان اليوم الخميس إن "المسؤولين الأميركيين تابعوا عن كثب جميع جلسات الاستماع خلال محاكمة متين توبوز في إسطنبول. لقد خاب أملنا كثيرا إثر القرار الصادر اليوم. لم نر أي دليل موثوق يدعم هذا الحكم ونأمل في إبطاله سريعا".
وأفادت وكالة الأناضول الرسمية في وقت سابق اليوم الخميس أن محكمة تركية قضت بسجن الموظف بالقنصلية الأميركية متين توبوز 8 سنوات و 9 أشهر بتهمة مساعدة تنظيم إرهابي مسلح" دون ذكر تفاصيل.
وأدين توبوز بتهمة مساعدة جماعة الداعية فتح الله غولن الذي تعتبره تركيا "العقل المدبر" لمحاولة الانقلاب عام 2016، وهي تهمة ينفيها.
وتم اعتقال توبوز وهو مترجم تركي يعمل في إدارة مكافحة المخدرات في القنصلية الأميركية في اسطنبول، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2017 وأثار توقيفه أزمة دبلوماسية بين واشنطن وأنقرة اللتين علقتا بشكل متبادل ولأشهر عدة، معظم خدمات إصدار التأشيرات، قبل التراجع عن ذلك.
وخلال جلسة أواخر العام الماضي، واصل توبوز رفض الاتهامات الموجهة له. وقال للمحكمة “لا يوجد أدنى دليل يمكن أن يقنع أي شخص عاقل بأنني حاولت الإطاحة بجمهورية تركيا” وفق ما نقلته عنه وسائل إعلام أميركية.
وأضاف توبوز “أجهل ما يمكن لي وللمحامين فعله أيضا لإثبات براءتي”، مؤكدا أن الاتصالات التي تقول السلطات التركية إنه أجراها مع أنصار لغولن تندرج في إطار عمله وأنه كان "يطبق "أوامر" مسؤولين في القنصلية.
وفي آذار/مارس أسقط المدعي العام تهمة التجسس عن توبوز وطالب بعقوبة بالسجن 15 عاما.
ويأتي تثبيت التهم وإدانة الموظف التركي العامل ضمن الدبلوماسيين الأميركيين في وقت تسعى تركيا لتحسين علاقاتها مع واشنطن التي تدهورت في 2016 بسبب الخلافات حول ملف سوريا واعتقال موظفين في القنصلية الأميركية بينهم توبوز.
واتُهم توبوز بالصلة بمسؤولين قادوا تحقيقا بشأن الفساد في 2013 ثم زعمت أنقرة لاحقا أنهم أعضاء في شبكة متهمة بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشل في 2016 والتي تم بسببها سجن حوالي 80 ألفا وفصل نحو 150 ألفا من موظفي الدولة ومن الجيش وغيرهم لازالوا ينتظرون محاكمتهم فيما وجهت لأغلبهم تهم "الإرهاب".
وباتت تركيا اليوم من أكثر بلدان العالم التي تشن حملات اعتقال بحق أتراك، تحت ذريعة الاشتباه في صلاتهم بجماعات إرهابية، حيث طالت حملات القمع التي تلت محاولة الانقلاب الفاشل الصحفيين والنشطاء والمعارضين والسياسيين وكل من ينتقد سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان.
ويقول مراقبون إن تحريك القضاء التركي لقضية توبوز في هذه الفترة يشير إلى ابتزاز تحاول حكومة العدالة والتنمية ممارسته للضغط على واشنطن في عدة ملفات يحتاج فيها أردوغان الدعم مثل التدخل العسكري في ليبيا وغيرها.

ولا تبدو قضية الموظف في القنصلية الأميركية بمعزل عن تصريحات أخرى لمسؤولين في حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التي عبرت اليوم الخميس عن استيائها وغضبها من تقرير الحريات الدينية الذي تصدره الحكومة الأميركية ويشمل جميع بلدان العالم تقريبا.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مقابلة على قناة "ان تي في" التركية نقلتها وكالة الأناضول الرسمية "لا يحق لأحد محاسبة تركيا، وخاصة الولايات المتحدة فإن محاسبتها لتركيا هو انشغال بما لا فائدة منه".
وتابع "نرى العنصرية في الولايات المتحدة في ذروتها، وهناك عداء للإسلام، وكراهية تجاه الأجانب في الآونة الأخيرة".
من جانبه أوضح المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، الخميس، أن تقرير الحريات الدينية الدولية الخاص بالعام 2019، والذي نشرته الخارجية الأميركية يحتوي مجددا مزاعم لا مصادر لها، وإدعاءات بعيدة عن الموضوعية.
وقالت الأناضول "إنه كان من اللافت أن التقرير (الأميركي) لم يخصص أية مساحة لعرض وجهة نظر واشنطن بخصوص منظمة فتح الله غولن، وذلك على عكس السنوات السابقة".
ومرت العلاقات الأميركية التركية بموجات فتور وتوتر حيث استخدمت أنقرة في السابق قضية القس الأميركي أندرو برونسون الذي احتجزته السلطات التركية لفترة بتهمة الإرهاب على إثر عملية الانقلاب الفاشل أيضا، وذلك لابتزاز واشنطن لكن العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على تركيا، أجبرت أردوغان على الرضوخ للتهديدات الأميركية واطلاق سراحه في 2018.
كما توترت العلاقات بين واشنطن وحليفتها في الناتو على خلفية قضايا أخرى منها ملف قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المسلحون الأكراد عمودها الفقري والتي شكّلت رأس الحربة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وكانت الولايات المتحدة تدعمها بقوة ما أثار حفيظة تركيا.
بالإضافة إلى ذلك يمثل ملف منظومة الصواريخ الروسية اس 400 التي تسلمت أنقرة أجزاء منها في المدة الأخيرة، وأيضا اعتراف الكونغرس الأميركي بارتكاب الإمبراطورية العثمانية إبادة جماعية بحق الأرمن العام الماضي، مواضيع خلافية تزيد التوتر بين البلدين من فترة لأخرى.
وتسعى تركيا حاليا نحو دفع واشنطن لمساندة تدخلها العسكري في ليبيا، وقد جاء ذلك على لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو الذي قال في مقابلة مع محطة "إن.تي.في" التلفزيونية اليوم الخميس إنه ينبغي للولايات المتحدة أن تلعب دورا أنشط في ليبيا.
وقال جاويش أوغلو معلّقاً على الانتقادات التي توجّه لبلاده جرّاء تدخّلها في ليبيا إن "الدعوة لوقف إطلاق النار أو البيان المشترك بشأن ليبيا ولدا ميتين بالنسبة لنا"، في إشارة للمبادرة المصرية التي أعلن دونالد ترامب دعمها أمس الإربعاء في اتصال مع الرئيس المضري عبدالفتاح السيسي.
وتابع جاويش أوغلو أن مشاركة الولايات المتحدة، العضو في حلف شمال الأطلسي، مهم لحماية مصالح الحلف، مضيفا أن مسؤولين أتراكا وأميركيين سيناقشون الخطوات المحتملة وفقا لما اتفق عليه أردوغان وترامب خلال اتصال هاتفي يوم الاثنين.
وأضاف "لسبب ما لا تلعب الولايات المتحدة دورا نشطا في ليبيا ربما بسبب صدمات سابقة".
ووصف أردوغان العلاقات الأمريكية التركية بأنها "قد تبدأ حقبة جديدة" بعد مكالمة هاتفية مع ترامب هذا الأسبوع.
ورحب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأربعاء باستئناف المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة في ليبيا، وحث على إجراء مفاوضات سريعة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في موقف أيميركي يبدو انه أزعج تركيا.