واشنطن تهدد طهران 'بدفع ثمن' دعمها للحوثيين
واشنطن - وجهت إدارة الرئيس دونالد ترامب تحذيراً صارماً لإيران، محمّلة إياها المسؤولية الكاملة عن دعم جماعة الحوثي في اليمن، في وقت تتعرض فيه الجماعة لضربات أميركية متواصلة. وتُعد هذه التحذيرات مؤشراً واضحاً على أن واشنطن لم تعد تقبل بنفي طهران لأي علاقة بدعم الحوثيين، وتراها مسؤولة عن تهديد أمن الملاحة البحرية ومصالح الولايات المتحدة وقواعدها في المنطقة.
ولا يأتي التحذير الأميركي بمعزل عن مسار التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، بل يُعتبر امتدادًا لسياسة الردع التي تنتهجها إدارة ترامب، سواء عبر الملف النووي، أو عبر مواجهة ترسانة إيران الصاروخية ودعمها المتواصل لوكلاء مسلحين في مناطق الصراع، وفي مقدمتهم الحوثيون. فبينما تتواصل الضربات العسكرية الأميركية ضد الجماعة اليمنية، تؤكد واشنطن أن على طهران تحمّل تبعات سياستها الإقليمية، وأنها "لن تمر دون عقاب".
وقد جاءت التحذيرات الجديدة على لسان وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، الذي أكد أن الولايات المتحدة "ترى وتراقب الدعم الفتاك" الذي تقدمه إيران للحوثيين، رغم محاولة طهران التنصل من مسؤوليتها.
وكتب في منشور حاد على منصة "إكس" "رسالة إلى إيران: نرى دعمكم الفتاك للحوثيين. نعرف تماماً ما الذي تفعلونه. وقد تم تحذيركم. ستدفعون الثمن في الوقت والمكان الذي نختاره." وأضاف لاحقًا، عبر إعادة نشر رسالة للرئيس ترامب، أن الإدارة الأميركية ستعتبر طهران "مسؤولة مباشرة" عن أي هجوم حوثي على المصالح الأميركية أو الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ويبدو أن هذه التحذيرات ليست منعزلة عن سياق أوسع تتبعه واشنطن في التعامل مع إيران، إذ تأتي متزامنة مع تصعيد أميركي على أكثر من جبهة، من بينها ملف طهران النووي، والأنشطة الصاروخية، ودعم الوكلاء في مناطق النزاع الإقليمي. وبينما تستمر جولات المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران، بوساطة سلطنة عُمان، بشأن البرنامج النووي الإيراني، تتبع الإدارة الأميركية سياسة "العصا والجزرة" من خلال الضغط العسكري المتصاعد في الشرق الأوسط.
ففي الأشهر الأخيرة، شنت الولايات المتحدة أكثر من ألف ضربة جوية استهدفت مواقع للحوثيين، في محاولة لكبح الهجمات التي تستهدف الملاحة الدولية، وتحديدًا السفن العابرة في البحر الأحمر. وتقول واشنطن إن هذه الهجمات باتت تشكل تهديدًا مباشرًا ليس فقط للأمن الإقليمي، بل أيضاً للبحرية الأميركية التي تملك قواعد وقوات في منطقة الخليج والمحيط الهندي.
ورغم أن القادة الايرانيون ينفون وجود علاقة مباشرة مع الهجمات الحوثية، إلا أن إدارة ترامب لم تعد تقبل بهذه التصريحات. فواشنطن، استناداً إلى تقارير استخباراتية ومضبوطات عسكرية، تتهم إيران بأنها "الداعم الأول والرئيسي" للحوثيين في مجال التسلح، بما يشمل تزويدهم بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة متطورة.
وكان الجيش الأميركي قد كشف، في السنوات الماضية، عن شحنات أسلحة قادمة من إيران إلى الحوثيين، تم اعتراض بعضها في البحر العربي. وتشير هذه المضبوطات إلى دعم لوجستي مستمر، وممنهج، تقوده شبكات تهريب مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، ما يعزز موقف واشنطن التي تعتبر إيران تهديدًا لأمن قواتها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
ومع تصاعد التوتر، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة. فقد نشرت وزارة الدفاع الأميركية ست قاذفات من طراز "بي-2" في قاعدة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، وهي قاعدة تُستخدم عادةً في العمليات العسكرية بعيدة المدى في الشرق الأوسط. كما دفعت واشنطن بحاملتي طائرات إلى مياه الخليج، ونقلت أنظمة دفاع جوي متقدمة من قواعدها في آسيا إلى قواعدها الإقليمية، كجزء من جاهزية عسكرية متقدمة تحسّبًا لأي تطور مفاجئ.
وفي الوقت ذاته، تواصل واشنطن التلويح بالخيار العسكري، رغم التأكيدات الرسمية بأن المسار الدبلوماسي لا يزال قائماً. وفي مقابلة حديثة مع مجلة تايم، قال ترامب "أعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق مع إيران"، لكنه عاد ليشدد على أن "الجاهزية لعمل عسكري أمر ضروري إذا فشلت الدبلوماسية".
وتسيطر جماعة الحوثي على مناطق واسعة شمال اليمن، وقد كثّفت في الأشهر الأخيرة هجماتها على السفن المارة في البحر الأحمر، متذرعة بأنها تحركات لدعم الفلسطينيين. إلا أن واشنطن ترى في هذه العمليات تصعيدًا خطيرًا يهدد حرية الملاحة الدولية، ويبرر – من وجهة نظرها – استمرار الضربات الجوية ضد الجماعة المدعومة من طهران.
ويرى محللون أن الحملة العسكرية الأميركية ضد الحوثيين لم تعد تقتصر على الردع الفوري، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية أميركية أوسع لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، خصوصًا في ظل بروز الجماعة اليمنية كذراع مسلحة مؤثرة ضمن شبكة وكلاء إيران الإقليميين.
ورغم الانفتاح النسبي في الحوار النووي، إلا أن دعم إيران المتواصل لجماعات مسلحة، وعلى رأسها الحوثيون، يبقي علاقاتها مع واشنطن في دائرة التوتر. فالولايات المتحدة باتت تعتبر أن تهديد أمن الملاحة ومهاجمة القوات الأميركية عبر وكلاء إيران ليس مجرد "تحركات معزولة"، بل هو جزء من سياسة متعمدة تحتاج إلى ردع مباشر.
وتبقى الأيام المقبلة اختبارًا لنوايا طهران، وما إذا كانت مستعدة فعلاً لفك ارتباطها بالوكلاء المسلحين، أو المضي في سياسة "النفي العلني والدعم السري"، وهي سياسة لم تعد تمر دون محاسبة في نظر إدارة ترامب.