وضوح مغربي في التعاطي مع إعلانات فرنسية مربكة

جزء من حالة الفتور في العلاقات الفرنسية المغربية التي كانت توصف قبل أشهر بـ'أزمة صامتة'، تعود إلى التذبذب في سياسات ماكرون وغياب الوضوح والشفافية في التعاطي مع الشريك المغربي في قضية مغربية الصحراء.

الرباط - تشير الإعلانات الفرنسية الرسمية من أعلى هرم السلطة إلى المسؤولين الحكوميين، إلى حالة من الإرباك الدبلوماسي والسياسي في التعاطي مع عدة ملفات من بينها ملف العلاقة مع المغرب ومن ضمنها التطورات الأخيرة المتعلقة بزلزال الحوز.

وأظهرت الردود الرسمية على ما ورد فيها من تضامن وتعاطف مع المتضررين من الزلزال، افتقارا واضحا للباقة الدبلوماسية وانتهاكا للأعراف والقوانين ذات الصلة.

وفي المقابل كان الردّ المغربي من البداية أكثر وضوحا في تعاطيه مع عروض المساعدات الدولية في مواجهة اثار زلزال الحوز استنادا إلى تقييم واقعي ومنطقي لاحتياجاته وحرصا على أن تكون هناك جدوى من أي مساعدات بعيدا عن المزايدات السياسية والتوظيف السياسي للمآسي الناتجة عن الكارثة الطبيعية.

بعد خروج الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون عن الأعراف الدبلوماسية وتوجهه مباشرة بخطاب للشعب المغربي دون مراعاة للأعراف الدبلوماسية وفي انتهاك أرخى بظلال ثقيلة على العلاقات بين باريس والرباط، خرجت وزيرة الخارجية كاثرين كولونا بإعلان أحادي عن برمجة زيارة ماكرون للمغرب.

إعلان ردت عليه الحكومة المغربية بشكل واضح وباستغراب شديد يشير إلى وجود أزمة تواصل في الدبلوماسية الفرنسية قد تكون نتاج أزمة عامة في السياسات التي يتبعها الرئيس الفرنسي ذاته.

وجزء من حالة الفتور في العلاقات الفرنسية المغربية التي كانت توصف قبل أشهر بـ'أزمة صامتة'، تعود إلى التذبذب في سياسات ماكرون وغياب الوضوح والشفافية في التعاطي مع الشركاء وفي مقدمتهم الشريك المغربي الذي يحظى بثقة واسعة من قبل العديد من الفاعلين الدوليين.

وتعيش فرنسا حالة من الإرباك السياسي يرجح أنها ناجمة عن انحسار نفوذها في منطقة الساحل وغرب إفريقيا بعد أن قررت المجالس العسكرية التي تشكلت في مالي والنيجر وبوركينافاسو والغابون تعليق أو إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع باريس ودعوتها لسحب قواتها وبالفعل بدأت أول خطوة انسحاب من باماكو.

وبالنسبة للمغرب أساءت باريس تقدير الأمر إذ لم تعلن عن موقف واضح من مغربية الصحراء واستمرت في المناورة حتى لا تغضب الجزائر فأضرت بعلاقتها مع الشريك المغربي ولم تكسب في الوقت ذاته ثقة الشريك الجزائري.        

واستغرب مصدر حكومي مغربي تصريح كولونا عن برمجة زيارة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب بدعوة من الملك محمد السادس، مبديا استنكاره لكون الوزير الفرنسية اتّخذت "هذه المبادرة أحادية الجانب ومنحت لنفسها حرية إصدار إعلان غير مُتشاور بشأنه بخصوص استحقاق ثنائي هام".

وشدّد على أن أي زيارة للرئيس الفرنسي إلى المملكة "ليست مُدرجة في جدول الأعمال ولا مُبرمجة".

وتأتي تصريحات كولونا في ظل توتر متصاعد بين البلدين، تحاول باريس التخفيف من وطأته بشتى الطرق، لكن يبدو أنها ارتكبت خطأ دبلوماسيا للمرة الثانية على التوالي خلال أقل من أسبوع، بالإعلان عن زيارة لم يتم الاتفاق بشأنها مع الجهات الرسمية المغربية، لتكون سقطة دبلوماسية من العيار الثقيل باعتبار أنها صدرت عن مسؤولة كبيرة في الحكومة وتسببت بحرج بالغ لبلادها بهذا الإعلان الذي تجاوزت فيه الأعراف الدبلوماسية.

ويبدو أن محاولات التقرب الفرنسية من المغرب لا تلقى صدى رحبا في الرباط التي تريد من باريس أكثر من الكلمات الدبلوماسية والمواقف الضبابية، بل إعلان واضح وصريح تجاه قضية الصحراء المغربية المشروعة.

وذكرت كولونا الجمعة، خلال مقابلة أجرتها معها القناة الإخبارية الفرنسية "إل.سي.آي"، أن ماكرون تلقى دعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس لإجراء زيارة دولة إلى المغرب.

وقالت إن "ملك المغرب جدّد دعوته لرئيس الجمهورية قبل فترة قصيرة، هذا الصيف حين تحادثا"، مضيفة "الرئيس مدعو، يبقى علينا تحديد المواعيد التي لم تحدد بعد".

وعادت التوترات إلى الواجهة هذا الأسبوع على أثر الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في وسط المغرب وأوقع نحو ثلاثة آلاف قتيل، حيث عرضت باريس مساعدتها في جهود الإنقاذ، غير أن الرباط لم تقبل المساعدة إلا من أربع دول هي بريطانيا وإسبانيا وقطر والإمارات، وهو ما فهم منه رفض باقي العروض بما فيها من فرنسا.

وأثار موقف الرباط من المساعدات الفرنسية جدلا كبيرا، ما دفع الرئيس ماكرون إلى نشر كلمة مصورة عبر منصة "إكس" موجهة إلى المغاربة.

ورغم إقراره في كلمته بأن تنظيم المساعدات هو قرار سيادي للملك محمد السادس والحكومة المغربية، فإن توجهه بالخطاب مباشرة إلى الشعب المغربي أثار موجة استياء واسعة في الأوساط المغربية التي اعتبرته "حنينا إلى الحقبة الاستعمارية".

والعلاقات بين المغرب وفرنسا، دولة الاستعمار السابقة التي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة، متوترة منذ أن حاول ماكرون التقارب مع الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021.

كما أن صبر الرباط بدأ ينفد لأن باريس لا تبدو مستعدة لتغيير موقفها من ملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تعين الرباط سفيرا جديدا لدى باريس، خلفا للسفير محمد بنشعبون الذي عينه العاهل المغربي على رأس "صندوق محمد السادس للاستثمار".

وينتقد المغرب فرنسا لعدم انضمامها إلى موقف الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين اعترفتا بمغربية الصحراء وهو أمر من الثوابت الوطنية غير القابلة للمزايدة أو المساومة إضافة أزمة التأشيرات للمغاربة.

ويتحدث المغاربة عن قلق فرنسا من توسع الشركات المغربية في القارة الإفريقية وكيف أصبحت تنافس نظيرتها الفرنسية التي لا تقبل المنافسة من دولة كانت مستعمرة من مستعمراتها.

وقالت كولونا إن "العلاقات بين فرنسا والمغرب قديمة العهد وتطبعها باعتقادي صداقة عميقة بين الشعبين". وأبدت أملها بان تتيح زيارة للرئيس "لبلدينا الارتقاء إلى مستوى تطلعاتهما".

كما قامت الوزيرة الفرنسية بزيارة إلى العاصمة المغربية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهي الزيارة التي كان هدفها السعي لتجاوز القضايا الخلافية التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين، بحسب تطور الأحداث لاحقا.

 وكان ماكرون قد اعترف، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب خطابه حول العلاقات بين فرنسا وأفريقيا في 27 فبراير/شباط الماضي، بوجود مشاكل بين المغرب وفرنسا، لكنه استدرك بالقول إن علاقاته الشخصية مع الملك محمد السادس "ودية" وإنها "ستبقى كذلك".

لكن مسؤولا في الحكومة المغربية أكد في حديث مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية أواخر فبراير/شباط الماضي، أن العلاقات بين البلدين "ليست ودية ولا جيدة، لا بين الحكومتين ولا بين القصر والإليزيه".