وقف الحرب أو عزل إسرائيل عالميا
أخطأ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حين اعتقد أن حربه على غزة وأهلها يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية بغطاء دولي بدا له متماسكا ومتمسكا بكل ما يمكن أن يعيد إلى الدولة العبرية اعتبارها بعد ضربة "طوفان الأقصى" الموجعة التي وجهتها حركة حماس يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023. فما اعتقد أنه سيدوم اتضح أنه مرتبط بمستوى من القتل وضعه العقل السياسي الغربي حدا لنهاية المجزرة. سلوك شرير ينمّ عن فهم لاإنساني للصراع في المنطقة، يضع إسرائيل ومصالحها وحقها في البقاء فوق أيّ اعتبار أخلاقي.
وفي ذلك السياق انتظر الغرب باعتباره القوة الضاربة الأكثر تأثيرا في العالم في الحرب كما في الإعلام أن يشبع نتنياهو رغبته في الانتقام غير أن حرب الإبادة استمرت كما لو أنها مطلوبة لذاتها. واتضح أن معناها لا يكمن في حق الرد على ما فعلته حركة حماس التي عرضت غير مرة تخليها عن حكم غزة مقابل إيقاف الحرب.
صار واضحا أن نتنياهو وجد في مغامرة حماس التي يعتقد البعض أنها كانت من تخطيط إيران فرصة أولا للهروب من المشكلات القانونية التي كان يواجهها في الداخل من خلال توجيه الأنظار إلى العدوّ الخارجي الدائم وثانيا لإيهام الإسرائيليين، المتطرفين دينيا منهم بالذات، بأنه النبي الجديد الذي أهّله القدر للانتقام من الآخرين الذين يريدون بهم السوء والثأر لضحاياهم.
مزيج من المصلحة السياسية والنفاق الديني هو ما دفع نتنياهو وصقوره إلى استغلال صمت العالم المريب في تنفيذ المخطط الجاهز في عقل كل إسرائيلي بسبب التربية والهادف إلى التخلص من العرب من خلال قتلهم أو تهجيرهم أو تجويعهم وإجبارهم على الرحيل طوعا. وعلى الرغم من جهود الوساطة التي بذلتها أطراف عربية وعالمية من أجل التوصل إلى حل يخرج من خلاله نتنياهو من منطقة الحظر التي صنعها قرار المحكمة الجنائية الدولية بإدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فإنه ظل مطمئنا إلى أن العالم الذي تعاطف مع إسرائيل حين تعرضت لضربة حماس سيظل ساقطا في فخ صدمته من غير أن يعي ما يجري من حوله.
صحيح أن العالم تأخر كثيرا، وهو تأخر مقصود ومبنيّ على إستراتيجية عمل معروفة تقوم أصلا على محاباة إسرائيل في كل ما تفعل، غير أن صحوته من الوهم الإسرائيلي كانت ضرورية لا بالنسبة إلى شعب غزة بل بالنسبة إلى شعوبه، فاستمرار حرب نتنياهو في غزة إضافة إلى أنها تحولت إلى حرب إبادة لشعب مقيم على أرضه، فإنها صارت تهدد السلم العالمي وقد تتحول إلى سبب لولادة جيل جديد من الإرهابيين الذين هم على يقين من أن العالم كله مسؤول عن قتل مئات الآلاف من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يقيمون على الأرض التي جعلت منها إسرائيل موقعا لرغبتها في الانتقام من عدوّها.
صحا العالم على غزة مدمرة بعد مئات الألوف من القتلى والجرحى والمعاقين والأرامل والأطفال المشردين. لذلك كانت ردود أفعاله متشددة ومتوترة ورافضة للحلول الوسطية. وقف الحرب هو المطلب الأساس والوحيد. من غيره فإن إسرائيل ستتعرض للعزل وهو ما لا يمكن أن تطيقه الدولة العبرية وهي التي نما اقتصادها في الحاضنة الأوروبية في ظل تمويل أميركي غير محدود.
حين صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الوضع في غزة لا يُحتمل فإن تصريحه جاء بعد مواقف متشددة اتخذتها دول أوروبية، كانت قد ساهمت قبل أكثر من سنة ونصف السنة في دعم حملة نتنياهو وفتحت مخازن أسلحتها له. ربما يكون الموقف البريطاني هو المفاجأة التي لم يتوقعها نتنياهو والإسرائيليون المؤيدون له غير أن ذلك الموقف لم يكن مفاجئا في ظل الحقيقة التي تفيد بأن لندن هي العاصمة الأوروبية الوحيدة التي شهدت تظاهرات مليونية للتنديد بحرب نتنياهو في غزة. إضافة إلى أن بريطانيا تعرف كيف يمكن أن تقيس خطواتها منسجمة مع الإيقاع الأميركي. لقد اختلف ذلك الإيقاع مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
غير أن الأهم من ذلك أن الاتحاد الأوروبي بكل دوله صار صريحا في مطلبه. إما وقف الحرب في غزة أو عزل إسرائيل وحرمانها من كل امتيازاتها. وهي امتيازات لا تتمتع بها أيّ دولة في العالم. لقد انتهى عصر الطفل المدلل وصار على إسرائيل أن تفكر بلغة البالغين.