يا رفاق درب هيثم الزبيدي، اشحذوا الهمم

لم يكن الراحل يحب الكتابة الباهتة، ولا العناوين المعلبة، ولا السطور التي لا تقول شيئًا. كان يبحث دائمًا عن المقال الذي يدهش، عن الفكرة التي تُحدث فرقًا، عن الرأي الذي يصنع نقاشًا

في لحظة فارقة، خيم الصمت على القلوب، وغابت ابتسامته التي كانت تشع حماسًا بين أروقة التحرير. رحل الدكتورهيثم الزبيدي رئيس مجلس إدارة العرب ومؤسس موقع ميدل ايست اونلاين الذي يعد من اول المواقع الإخبارية الجامعة، جسدًا، لكنه ترك وراءه إرثًا من العمل والشغف، من الصدق والانتماء، من المهنية التي لا تعرف المجاملة، ومن الإبداع الذي لا يقبل التكرار ولا الاستنساخ.

كان د.هيثم الزبيدي مدرسة في الصحافة، لا بمواعظه ولا بشعاراته، وإنما بفعله اليومي. كان يبدأ يومه في الصباح الباكر، قبل أن تفتح العيون أبوابها على النهار، يعمل بلا كلل، يسابق الوقت لا لمجرد الإنجاز، لأن العمل عنده عبادة، وقيمة، ورسالة. رأيتموه جميعًا كيف واصل العطاء حتى وهو يقاوم المرض، كيف كانت ألمه تتضاءل أمام فكرة صحفية جديدة، أو مقال متميز، أو عنوان لا يشبه غيره. كان يضع العمل في مقدمة أولوياته، لأنه يؤمن به، وكان يعيش من أجله. لم يعرف في حياته الخط الفاصل بين الخاص والعام، فالصحيفة كانت بيته، والفريق عائلته، والمهنة روحه.

فيا فريق التحرير، ويا كتّاب الرأي، ويا من حملتم معه مسؤولية الكلمة، لا تدعوا وفاته تكون نهاية لروحه الصحفية، اجعلوها بداية لمرحلة جديدة، تُبنى فيها المعاني التي عاش من أجلها. لا تتراجعوا، لا تبرروا الصمت، لا تسمحوا للفراغ أن يحتل المساحات التي كان يملأها بالحضور والأفكار وحس الدعابة. اشحدوا الهمم، وحركوا أقلامكم، وأخرجوا من الركود، وانفضوا عن الأوراق غبار التكرار. لا تكتبوا فقط ما يُقال، وانما قولوا ما لا يُقال، ولا تكرروا ما تنقله الوكالات، بل حللوا، وابتكروا، واجتهدوا. هذه هي الكتابة التي كان يحبها د.هيثم، الكتابة التي تسير عكس التيار، التي تنبش في العمق، وتطرح الأسئلة الصعبة، وتخاطب القارئ بعقل وضمير. لم يكن الراحل يحب الكتابة الباهتة، ولا العناوين المعلبة، ولا السطور التي لا تقول شيئًا. كان يبحث دائمًا عن المقال الذي يدهش، عن الفكرة التي تُحدث فرقًا، عن الرأي الذي يصنع نقاشًا. كان يؤمن أن كل جملة يجب أن تكون لها روح، وكل كلمة يجب أن تُوزن بميزان المصداقية والعمق.

يا زملاء وتلاميذ د هيثم الزبيدي، إننا لا نكتب من باب الحنين، وانما الأمانة، ومن باب المسؤولية. فالراحل، وإن غاب عن المكتب، لم يغِب عن الذاكرة، ولم تفارق روحه المكان. كل زاوية هنا، كل مكتب، كل ملف، يحمل بصمته. فكيف نقبل أن نخفت النور بعده؟ كيف نقف مكتوفي الأيدي وهو الذي ظل يتحرك حتى في أقسى اللحظات؟

 اشحدوا الهمم، فاليوم نحن أمام تحدٍ كبير: أن نستمر، وأن نحافظ على المستوى، وان نرتفع به أكثر. أن نثبت للعالم أن فريق  د هيثم الزبيدي لا يعرف التراجع، وأن روح القائد لا تموت، انها تنتقل إلى كل فرد منّا. اعملوا كما كان يعمل. اكتبوا كما كان يحب أن تُكتب المقالات. ابحثوا عن الحقيقة كما كان يُصرّ على الوصول إليها، ولو بين السطور، ولو في أصعب الظروف. واعلموا جيدًا... والله إن روح الراحل معنا، تراقب، وتبتسم، وتنتظر أن ترى أقلامكم تضيء الطريق من جديد.

كان د. هيثم الزبيدي يحب المقالات التي تُولد من رحم فكرة خالصة لصاحبها، تلك التي لا تشبه غيرها، ولا تستند إلى وكالة أنباء، ولا تُعيد تدوير ما قيل ألف مرة. وكان يؤمن بأن النسخ واللصق يُطفئان روح المقال، وأن إعادة الصياغة ليست إبداعًا، وانما هروب من مواجهة العقل بالقلم. فالمقال الذي كان يسعده هو ذاك الذي يحمل بصمة كاتبه، روحه، وتعبه، ورؤيته. فالأفكار عنده رحمه الله موقفًا يُقال بصدق ويعبّر عن كاتبه، ويحاكي مجاله دون أن يفقد ذاته. لهذا كان يرى أن القلم الحقيقي هو ذاك الذي يحدث فرقًا، الذي تُسمع كلمته لأنها نابعة من وجدانٍ حيّ وعقلٍ متيقظ.

فيا رفاق د. هيثم الزبيدي، اشحذوا أقلامكم... فاليوم دنيا، وغذا الآخرة، وعند الله سنلتقي جميعا.