
تعديل وزاري في العراق على أمل احتواء غضب المحتجين
بغداد - بعد إصداره أوامر باستخدام العنف المفرط لقمع الاحتجاجات، كشف رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي السبت عن إجراء تعديل وزاري مهم، سعيا لامتصاص غضب المتظاهرين.
وأكد عبدالمهدي في بيان أن هناك حزما جديدة من الإصلاحات، منها اعتماد جدول لتخفيض رواتب كبار المسؤولين إلى النصف، وكذلك "تعديلات في سلم الرواتب لإنصاف الشرائح الدنيا وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية ولتطبيق نظام التعويضات الاجتماعية التي من شأنها أن لا تترك عراقياً تحت مستوى خط الفقر، وتطبيق الضمان الاجتماعي وحقوق العمل والتقاعد ليتساوى العاملون في القطاع الخاص مع القطاع العام."
وقال إنه "سيواصل التحقيق بقضايا "الشهداء" والجرحى بالتظاهرات ومحاكمة المتورطين جنائيا.
ويسعى رئيس الوزراء إلى تهدئة غضب الشارع العراقي المتأزم بعشرات القتلى ومئات الجرحى بأوامر من السلطة العراقي، فيما يبدو أن مثل هذه التعديلات لن تمتص غضب الشارع الذي يصر على رحيل الطبقة السياسية بأكملها.
ويرى محللون أن رحيل الطبقة السياسية في العراق هو الحل، خاصة وأن الأزمة تعقدت بسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى جراء حملات العنف التي تنتهجها قوات الأمن في العراق.
ولا يمكن أن تخمد صياغة جديدة للعملية السياسية غضب المتظاهرين بعد مقتل نحو 300 عراقي ساحات الاحتجاجات.

ويحاول رئيس الوزراء أيضا تبرير قمع السلطة في العراق للمتظاهرين عبر خلق ذرائع لصرف الأنظار عن مسؤوليته الرئيسية تجاه تأزم الوضع في العراق وارتفاع عدد القتلى والجرحى منذ انطلاق الاحتجاجات قبل ستة أسبابيع.
وقال عبدالمهدي أن السلطات "مرغمة أحيانا" على تقييد خدمة الانترنت عندما ترى أنها "تستخدم للترويج للعنف والكراهية"، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات المقيدة ستبقى محدودة ومؤقتة إلى أدنى حد ممكن.
وتابع "الانترنت حقيقة معاصرة وحق للجميع، ووسيلة لاستنطاق الأصوات المكبوتة والآراء الحرة وأن السلطات دفاعاً عن حقوق المجموع مرغمة أحيانا لتقييدها، عندما ترى أنه يستخدم للترويج للعنف والكراهية والتآمر على الوطن وتعطيل الحياة العامة التي هي أيضا حق لكافة المواطنين".
ولفت إلى أنه سيتم منع أي سلاح خارج الدولة، وسيتم كذلك اعتبار أي كيان مسلح يعمل خارج سيطرة الدولة غير قانوني وتتم محاربته.
وشدد على "محاربة الفساد وملاحقة تضخم ثروات المسؤولين وإحالة كل من يجب إحالته إلى المحكمة المركزية العليا لمحاربة الفساد."
ووصف المظاهرات التي تشهدها بلاده بأنها "ليست انقلاباً من فوق يحمل مصالح خاصة، بل هي موجة عارمة من أعماق وعي شعبنا ومن حركته الشبابية الصاعدة بكل ما تحمله من آمال ومصالح".
واعتبر رئيس الوزراء المظاهرات من أهم الأحداث التي تشهدها البلاد بعد عام 2003 ، وأنها حركة بدأت منتصرة ولن تنتهي لأنها ستبقى منتصرة بما حققته بسرعة قياسية من تدافعات ستقود إلى إصلاحات كبرى في العراق.
وأشار إلى أن التظاهرات ستساعد في الضغط على القوى السياسية والحكومة والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لتصحيح المسارات وقبول التغييرات، مبينا أن "الحكومة والسلطات القضائية ستواصل التحقيق في قضايا الشهداء والجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية ولن تبقي معتقلاً من المتظاهرين وستقدم للمحاكمة من تثبت عليه جرائم جنائية ومن أي طرف كان، وستلاحق كل من يعتدي أو يختطف أو يعتقل خارج إطار القانون والسلطات القضائية".
ولفت أيضا إلى أن "هناك مطالبات شعبية بتغييرات وزارية شاملة أو جزئية للخروج من نظام المحاصصة ولجعل مؤسساتنا أكثر شبابية وكفاءة وشفافية"، مؤكدا أنه سيجري "تعديلا وزاريا مهماً يبتعد عن المحاصصة بعد أن شهدت مرحلة ما بعد 2003 احتكار أحزاب تتحاصص السلطة، وتمنع عبر النظم الانتخابية المصممة تصميماً خاصاً، ووسائل التخويف والبيع والشراء، تداولاً حقيقياً للسلطة يجدد من الشباب عمر الدولة.
وشدد على أن هناك خطوات عديدة لإصلاح النظام الانتخابي، والمفوضية سيتم طرحها خلال الأيام القليلة القادمة وأن أهم عامل قد ساعد وسيساعد، هو قبول القوى السياسية لتصحيح هذه المسارات نتيجة الضغط الجماهيري لتحقيق ذلك.

وفي هذا الإطار تستمر قوات الأمن العراقية بأوامر من الحكومة في بغداد، في اعتماد منطق القوة مع المتظاهرين متجاهلة الدعوات الدولية بضرورة إنهاء العنف المفرط الذي تسبب في سقوط عشرات القتلى.
كما وقعت الحكومة العراقية في مأزق سياسي خطير يدعم حظوظ رحيلها، حيث تآمرت مع إيران على قتل أبناءها تمسكا بالسلطة وتجاهلت مطالب المحتجين المنددين بالتدخل الإيراني في شؤون بلادهم.
فقد كشفت أحدث تحقيقات منظمة العفو الدولية (امنستي) أمس الجمعة إلى أن القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية التي استخدمتها قوات الأمن العراقية ضد المحتجين وتسببت في إصابات قاتلة و"شنيعة"، إيرانية الصنع وأن مصدرها منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية.
وفي خضم هذه المستجدات يتبدد حلم الحكومة العراقية في البقاء في سدة الحكم، في ظل إصرار الحراك الشعبي على رحيل كل أطياف النظام السياسي.
في المقابل تصر الحكومة على بقاءها حتى وإن تحقق ذلك باستخدام القوة، وهو ما تعتمده القوات العراقية يوميا لتفريق المتظاهرين المطالبين بـ"إسقاط النظام".