شبح سوريا الذي يخيف الليبيين
ما الذي ينقص ليبيا لكي تكون سوريا ثانية؟ يكاد المشهد يذكر بما سبقه. هناك مرتزقة أجانب يقاتلون من أجل قضية لا علاقة لليبيا بها وهم لا يدينون بأي نوع من الولاء الوطني، إضافة إلى أنهم يدركون جيدا أن بقاءهم على تلك الأرض سيظل مؤقتا، فهم في كل الأحوال ضيوف غير مرغوب فيهم.
إنهم مجرد مرتزقة في شركات أمنية ترفع شعارات دينية متطرفة، غير أن تلك الشركات هي في حقيقة ما تقوم به انما تتاجر بالبشر وتستأجرهم من أجل القيام بعمليات عسكرية لا يعرفون عنها شيئا قبل انخراطهم فيها.
ذلك ما حدث سوريا عبر العشر سنوات الماضية. منذ البدء تكفلت تركيا بتجنيد السوريين المقيمن على أراضيها واستقبال حشود من المقاتلين الأجانب وقامت بتدريبهم والزج بهم في القتال تحت مسميات مختلفة حتى بلغ عدد الجماعات المقاتلة أكثر من أربعمئة جماعة.
عن طريق تلك الجماعات أشعلت تركيا نار الحرب في سوريا.
لم تكن تلك الجماعات تعرف شيئا عن الولاء الوطني. بعد سنوات سيتضح أن الأموال التي ضُخت من أجل تلك الجماعات كان في إمكانها أن تبني عشرة دول بحجم سوريا غير أنها لم تجمع فصائل المرتزقة نحن لواء قضية ما.
كان دور تركيا واضحا في تدمير سوريا. كان ذلك التدمير مقصودا لذاته. فإذا كان النظام هو العدو المعلن فإن معارضته السياسية كانت هي العدو الخفي. لقد قضت تركيا كونها رأس حربة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على المعارضة التي كانت متعددة الأطياف وتنادي بقيام دولة مدنية تكون المواطنة عمودها الفقري.
كان لزاما على المعارضة السورية أن تستسلم لقيادة جماعة الإخوان المسلمين ما دامت تعتمد على تمويل يصل إليها عن طريق تركيا. وهو ما حدث حين أزيحت القيادة المدنية للمعارضة وحل محلها الإخوان.
تركيا تلعب الدور نفسه في ليبيا.
المرتزقة السوريون يصلون إلى البر الليبي تحت مسميات تفصح عن ارتباطها بالاخوان المسلمين فيما تكتظ طرابلس بمقاتلي التنظيمات التي يتزعمها أعضاء سابقون في تنظيم القاعدة.
كانت تلك التنظيمات قد تقاتلت في ما بينهما في أوقات سابقة وكانت طرابلس ساحة حرب لها. وليست حكومة الوفاق سوى غطاء رسمي لها.
هناك اليوم عدو مشترك يجمع بينها وبين جماعات المرتزقة التي زج بها اردوغان في الحرب.ذلك العدو هو الجيش الليبي. ولكنها ستعود إلى القتال في ما بينها ما أن يضعف أثر عدوها المشترك.
لن يتمكن اردوغان من ضبط الإيقاع.
ذلك ما حدث في سوريا بالضبط في وقت سابق.
لذلك سيكون الأمل ضعيفا في أن تتخطى ليبيا عقدة السقوط في الفخ السوري.
لقد تأخر المجتمع الدولي في منع تركيا من لعب دور شيطاني في المسألة الليبية بالرغم من أن قرار مجلس الأمن كان واضحا في منع التدخل عن طريق المرتزقة في الحرب الليبية.
اخترقت تركيا ذلك القرار وصمت العالم.
ولكن هل يرغب اردوغان حقا في تدمير ليبيا من خلال الحاقها بالمصير السوري أم أن دوره لا يتعدى العمل على أن تستمر الحرب في ليبيا بغض النظر عن الثمن الذي يمكن أن يدفعه الليبيون؟
هناك حقيقة غير خافية على أحد يمكن تلخصيها بحاجة جماعة الإخوان إلى قاعدة ينطلقون منها بعد أن فشلت محاولاتهم في مصر وسوريا وتونس. قاعدة يتمكنون من خلالها أن يجمعوا شتاتهم وتكون لهم منطلقا للبدء في جولة صراع جديدة مع المجتمعات العربية المحيطة.
ولم يكن أمامهم سوى ليبيا التي كانت ميليشاتهم قد سبقتهم إليها. لذلك كانت استغاثة السراج باردوغان معدة سلفا بما يعني أن كل شيء قد تم إعداده في سياق مخطط إخواني، لم يراع واضعوه طبيعة المجتمع الليبي وخصوصية الأطراف المتخاصمة فيه.
لذلك سيكون دخول عنصر غريب عن الصراع بمثابة تفجير عبثي، لا أحد في إمكانه أن يتوقع عواقبه الوخيمة.
لن يكون الليبيون راضين عن أنفسهم بسبب ذلك العامل الخارجي. لذلك فإن أي حوار سياسي يقوم بينهم لابد أن يكون ملغوما بالريبة. وهو ما سيدفع باردوغان ممثلا للإخوان إلى دفع الأزمة إلى موقع، يكون فيه الحوار السياسي مستحيلا. وهو ما فعله في سوريا.