"حائط المدينة" يحتفي بديوان "وأقبل التراب"

عبدالرحيم مراشدة يقدم ورقة نقدية بعنوان "الأنساق الثقافية في مدونة (وأقبل التراب) للشاعر عمر أبوالهيجاء".
الرحلة وردت في الأدب بتنوعات مختلفة، ودار عليها كلام كثير
الشاعر اختار مجموعة من المدن التي كان لها الأثر في ذهنية الإنسان العربي 

عمان ـ احتفى "منتدى حائط المدينة" بالتعاون مع "فرع رابطة الكتاب الأردنيين"، في "بيت عرار الثقافي" بتجربة الشاعر عمر أبو الهيجاء الشعرية، بمشاركة الناقد الدكتور عبدالرحيم مراشدة حيث ورقة نقدية حملت عنوان: "الأنساق الثقافية في مدونة  (وأقبل التراب) للشاعر عمر أبوالهيجاء"، وأدار الأمسية الشعرية النقدية الأديب منير أبوالرب، رئيس فرع الرابطة، والباحث عبدالمجيد جرادات وعدد من المثقفين والمهتمين.
واستهل الشاعر أبوالهيجاء الأمسية بقراءات شعرية من ديوانه المحتفى به وقصائد أخرى من ديوانه المعد للنشر "سرد لعائلة القصيدة".
إلى ذلك قدم الدكتور مراشدة دراسته النقدية "الأنساق الثقافية في مدونة (وأقبل التراب) للشاعر عمرأبو الهيجاء"، مستهلا قراءته بالقول: "وأقبل الترابط هذه الجملة الفعلية بوصفها عتبة نصية تسهم نسقيا في اختزال مجمل أفكار تم تبنيها من قبل الشاعر، وفي الوقت نفسه تسهم في بناء خطاب النص بالمعنى الاصطلاحي وبناء وجهات النظر المؤسسة سرديا للمعاني المبثوثة في السياقات الشعرية. تبدو الجملة وكأنها تنطوي على إضمار وإمحاء قصدي وترك هذه التعمية لنشاط وفاعلية القراءة، هذا ما يعزز أهمية النقد الثقافي في البحث عن الطبقات المرجأة والخفية في النص، ومثل هذه القراءة والأساليب جرى الالتفات إليها من قبل كثير من الشعراء الحداثيين، وحفزت النقاد على تعميق الرؤية في دراسة النصوص.
وتساءل مراشدة لماذا الرحلة وما علاقتها بالانساق الثقافية؟ قائلا: لقد وردت الرحلة في الأدب بتنوعات مختلفة، ودار عليها كلام كثير، منها الرحلة الاستكشافية – الجغرافية، كما تعلمون كرحلة ابن بطوطة ورحلة كولومبوس، والرحلة الفلسفية كما نجد عند ابن شهيد والمعري في رسالة الغفران ورحلة العطار في منطق الطير، وتم توظيف سياق وسرديات الرحلة في الأدب لا سيما الرواية مثل مدونة ألف ليلة وليلة. "

Poetry
غرباءُ تجرُّنا الريحُ إلى مسعاها

ولفت د. مراشدة أن الشاعر اختار مجموعة من المدن التي كان لها الأثر في ذهنية الإنسان العربي والمسلم عبر تاريخه وثقافته وذاكرته الجمعية وغير الجمعية. فإذا كان غسان كنفاني في ثقوب الخزان لا يقوم هو بالرحلة، فقد قام نيابة عنه الشخصيات التي استدعاها وابتكرها لروايته، وكان العبور المميت الذي نعلم، حيث أوردت الرحلة الغسانية (نسبة إلى غسان كنفاني) إن جاز التعبير الى استظهار مأساوية الحدث العظيم من نتاج النكسة والنكبة وقد التفت إلى التشرد والاغتراب والحنين والغربة والجوع وصولا للموت، أما عمر الشاعر فقد قام هو بالرحلة جسدا وروحا وفكرا، وبدأ بالعبور الذي لطالما تمناه وتحقق له عبر المعبر في القصيدة الأولى.
مؤكدا بأن الشاعر أبوالهيجاء لم يقم  بسرد مباشر، ولا بقصة عابرة، وإنما قدم شعرية كثيفة رامزة تحيك نسيج نص رحلي شعري إبداعي تشبع بالمضامين الفنية والفكرية، ومن هنا  كانت الانزياحات اللغوية والأسلوبية ناجحة. فقد تكررت في القصيدة كثيرا  كلمات مفتاحية ومركزية تشكل بؤرا قرائية، أو قوى عمل لتفكيك النص بتعبير دريدا، وهي (المعبر، الأرض، التراب – طين الأم) إلى أن يصل للقول بجملة لها ما لها من ترهين الزمان والمكان عند نقطة حارقة تثير المشاعر والعواطف والذاكرة، عند قوله هنا فلسطين بعد فراغ طويل وشرطة، كما لو أن الشاعر يدعو المتلقي للتأمل والوقوف والتفكر عميقا.
وبيّن د. مراشدة بأن الشاعر استدعى ثيمة أساسية يعرفها المؤرخون وعلماء التراث والحفريات، ويعرفها أصحاب الديانات، جميعا ألا وهي الوجود الأول للكنعانيين وحضارتهم في أرض فلسطين بوصفهم الشعب الأول الذي تمدد على هذه الأرض المقدسة وأنشأ حضارة راقية تعترف بها حضارات العالم، كل ذلك ينشأ من السياق  (وأنا الولد الكنعاني أضم إلى الصدر خواطر الأهل، في كتاب الطير وأقول من يقرأ وجهي...) اختيار الاسم الولد إشارة ذكية إلى أن هذا الشعب منذ الوجود الأول والنشأة الأولى المتناسبة مع لفظة الولد الكنعاني سليل الكنعانيين من جيل إلى جيل هو صاحب المكان والأرض والسماء والوجود لكل ما يتعلق بالأرض المقدسة، وهذا يتنامى مع التفكير بالمدن التي زارها الشاعر/ المتمثل بشخصية في النص وعلى رأسها القدس بالطبع، التي وردت في نصوص المدونة.
وخلص إلى القول: يبقى عمر أبوالهيجاء بحق شاعرا يعي منتجه النصي، ويستثمر من منابع وروافد عدة في سبيل إنشاء استراتيجية لخطابه في محاولة للتجاوز والتخطي للسائد عبر التجريب، من حيث الكتابة العابرة للثقافة المحلية والعربية والإنسانية، وهذا يحسب له، وبظني ستبقى مثل هذه النصوص علامة فارقة على الشعرية المتحولة والمتجددة باستمرار، وتستدعي وتحفز المتلقين، لا سيما النقاد للنظر في مثل هذه النصوص. 
ومما قرأ الشاعر أبو الهيجاء: قصيدة "حِكمةُ الطيـران" التي أهداها للشاعر والفنان عليان قاسم,
(قبلَ أكثرَ من سفرٍ/
أضعنا الطريقَ..
هي رحلةٌ للغريبِ
لمْ نَعرف بعدُ وقودَ المحطاتِ
كُنا غائبينَ عن البيتِ
نمرُّ مُسرِعِينَ نحو الميجنا
نمرُّ مرضى على الشواهدِ
يأخذنا على مهلٍ الغامضُ
في صُرةِ الليلِ والنهارِ
أصواتٌ تُفرّغُ في كومةِ الوجوهِ حُرقتها
ونميلُ قليلاً إلى تأويلِ اللحظةِ الباردةِ
نهربُ أو لا نَهربُ
تلكَ حرارةُ الحزنِ
أن نصلَ أو لا نصلَ
هذا انفرادُنا في اكتشافِ البعيدِ
قبلَ أكثرَ من سفرٍ/
وعلى غفلةٍ مِنَ الحربِ
كُنا نَبري الأيام
نَعْجنها بالحبِّ
نُطهرها بماءِ التعاويذِ

شعر
عمر أبوالهيجاء

نَركضُ مثلَ سحابةٍ نحو الترابِ
كُنا نُعلِمُ الأرضَ العطشى الطمأنينةَ
نسلُك طريقا مُعبدا بالتراتيلِ
نطوفُ كل أساطيرِ الماءِ
نُسمي الأشياءَ والبلادَ
نُسميها ونمضي لمصيرٍ أكثرَ بياضاً
نُحاورُ النومِ
الشراشف
مخداتِ الأحلامِ
وسائدَ الحجارةِ
الستائرَ
حديقةَ البيتِ
ونُمعنُ كثيراً بالبكاءِ
لا .. أحدٌ ناج من الرحلةِ
خُذ ما تشاءُ أيُّها الموتُ
ذاكرةَ الأصابعِ
بريقَ العيونِ لحظةَ الكلامِ
خُذ خُضرةَ الأيامِ
خُذ ما تريدُ
لا تَقْترِح علينا وصايا للطينِ
كُن خَفيفا
مثلَ رايةٍ بيضاءَ في متحفِ الحياةِ
قبلَ أكثرَ من سفرٍ/
كُنا نمدُّ أعضاءَ البدنِ
مثلَ سجادةٍ على الرصيفِ
نقرأُ أجنحةَ العصافيرِ في مهدِ الشجرِ
ندخلُ بابَ التَوَحُدِ
بابٌ مثقلٌ بالتهاليلِ
ومثقلٌ بسيفِ الرياحِ
قبلَ أقلَّ من حلمٍ في مُختبرِ الليلِ
تَركنا أخبارَ الخليقةِ
تَعِج بالغبارِ في مجرى الأنفاسِ
والكأسُ فارغةٌ من رحيقِ العُشاق
أيُّ رحلةٍ يا ألله؟
والليلُ واقفٌ
مثلَ ذئبٍ مريضٍ بالدم
ذئب ٌواقفٌ
لا ينامُ
كُنا نَحملُ خَرائِطَ التَعبِ
ونَنشدُ الحياةَ
كُنا نؤثثُ الشوارعَ بالركضِ
نُؤثِثُها لغةَ الشيطنةِ
كلُّ هذا كانَ
قبلَ أقلَ بقليلٍ كانْ
قبلَ رحلةٍ
أو رقصةٍ في الدروبِ
قبلَ أكثرَ من سفرٍ/
كُنا نرفعُ للهواءِ أعمدةً للمنشدينَ
نعبرُ مضائقَ الليلِ
نقصُّ سرداً أرخى ثِيابهُ على مضمارِ القلبِ
ولم يَخُنْ مِهمَازَ النايِ
كُنا مثلَ حبرٍ قديمٍ
لم يَجفَ في الصحائفِ
كُنا ولمْ نَزلْ
نسوقُ الشمسَ من مِخدَعِها
ونبوحُ بالأزرقِ البحريّ
لا شيءَ نرى غيرَ موتٍ رابضٍ
على ضفةِ الروحِ
غرباءُ نحنُ يا صديقي
وفي سُنتِنا الطيرانُ
غرباءُ تجرُّنا الريحُ إلى مسعاها
غرباءُ نحنُ
وفينا
حِكمةُ
الطيرانْ).
واختتمت الأمسية الاحتفائية بتقديم الشهادات التقدير للمشاركين من قبل رئيس فرع الرابطة عبدالمجيد جرادات ورئيسة المنتدى زينب الناطور.