الفاسدون قادمون ولكن الصدر سيذهب معهم

المالكي من وجهة نظر الشعب ليس زعيما حزبيا فاشلا، بل هو مَن لا يزال يدير الدولة العميقة المسؤولة عن الفساد.

حين انسحب مقتدى الصدر كان يعرف جيدا أن خصومه سيلجؤون إلى الوجوه نفسها، الوجوه القديمة التي تنتمي إلى النظام السياسي الذي خرج الشعب نهاية عام 2019 مطالبا برحيله.

ربما فكر الصدر في القفز من المركب قبل أن تغرق. وحده وبتياره الشعبي الذي يشعر أنه سيحتاج إليه في المرحلة القادمة. سيكون عليه أن يظهر بمظهر الزعيم النزيه الذي أعاق الفاسدون مهمته في انقاذ العراق.

قد تصل به البلاهة السياسية إلى التفكير في أنه سيتمكن من السلطة إذا ما سقط النظام الذي يعيش اليوم أزمة مصيرية بسبب انسداد الأفق السياسي الذي لن تعالجه الوجوه القديمة التي يمقتها الشعب ويتهمها بالمسؤولية عن الخراب الذي يعيشه العراق.

لقد صحت توقعاته. فخصومه لم يتخلوا عن أسباب فشلهم. فهم مصرون على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل تصاعد الاحتجاجات الشعبية محتمين بقوة الحشد الشعبي المسلحة. ليست لديهم أوراق للعب بعد أن أفقدتهم انتخابات 2021 شرعية كانوا يتخذون منها قناعا لوجودهم في السلطة.

وإذا ما كان الصدر قد انتحى جانبا لكي يمر خصومه فلأنه يدرك جيدا أن مسيرتهم ستصطدم بجدار احتجاجات ستكون أقوى من احتجاجات 2019 وهو ما لم يضعه أولئك الخصوم في حسابهم حين اعتبروا انسحاب الصدر نصرا لهم وهو في حقيقته نصر لا تزال الهزيمة تحيط به من كل الجوانب. هزيمة سبقته ومن المؤكد أنها ستلحق به بالرغم من أن هناك شائعات تفيد أن المرجعية الدينية ستمنع الصدر من لعب دور المعارض الذي يقود الاحتجاجات الذي ستؤدي بالضرورة إلى إسقاط النظام السياسي وليس الحكومة وحدها.

من شأن المرجعية أن تبدي مخاوفها من سقوط النظام بعد أن تجردت من وجودها المحايد والمستقل وصارت إحدى أدواته الخفية في السيطرة على الشعب الذي يعتقد البعض أن جزءا عظيما منه لم يعد يولي المرجعية أي اهتمام يُذكر بعد أن سأم وعودها بالوقوف مع الاصلاح ومحاربة الفاسدين. المرجعية اليوم هي في أضعف أحوالها. أما حين تندفع في دفاعها عن الفاسدين فإنها ستجعل من نفسها خصما للشعب.

ربما تنزلق المرجعية إلى موقف مشبوه من ذلك النوع ولكن ذلك الموقف لن يكون له تأثير على الموقف الشعبي الذي يراهن عليه الصدر وقد عاد إلى موقعه القديم. الشاب الذي تكرهه المرجعية والأحزاب التابعة لإيران معا وبالقوة نفسها.

ولكن في كل الأحوال فإن الأوضاع السياسية كلها صارت بأيدي الفاسدين الذين خرج الشعب محتجا على استمرارهم في الحكم. نوري المالكي وهو زعيم الفاسدين عاد ليتربع على العرش بعد أن كان مؤهلا للذهاب إلى السجن بسبب فساده الذي قاد إلى جريمة احتلال ثلث الأراضي العراقية بدءا من الموصل.

نوري المالكي هو حكيم هذه المرحلة القلقة من تاريخ العراق المعاصر بعد أن اختفى ابراهيم الجعفري وهو آخر حكماء الشيعية السياسية. يعتقد المالكي أنه سيجد الحل فيما ينفجر مقتدى الصدر بالضحك وهو يرى عدوه التاريخي يدوس مبتهجا على اللغم. فاسد يغوي فاسدا بالانتحار من غير أن يقدم على قتله. العراق ملعب للفاسدين الذين يتوهمون أن عصرهم من غير نهاية وأن نظامهم سيكون صالحا للإستعمال إلى الأبد وأن المعجزة الأميركية التي أنعشت النظام الإيراني اقتصاديا ليست في طريقها إلى زوال.

يعرف الصدر أن مسألة اختيار رئيس وزراء للمرحلة القادمة لن تمر بسلام. فأما أن تتذابح الأحزاب في ما بينها أو أن يرتكب الحشد الشعبي مجازر جديدة في حق الشعب الذي لا يطيق رؤية المالكي زعيما مرة أخرى. المالكي من وجهة نظر الشعب ليس زعيما حزبيا فاشلا، بل هو مَن لا يزال يدير الدولة العميقة المسؤولة عن الفساد.

ولكن هل ستتاح للصدر فرصة قيادة البلاد إذا ما سقط النظام؟

ذلك سؤال مضحك بالنسبة للكثيرين. فالصدر هو الآخر اختراع أميركي ولولا الاحتلال الأميركي لما كان للصدر شأن حتى في العاطفة العراقية كونه يتيما. إضافة إلى ذلك فإن الصدر كان دائما في مقدمة المستفيدين من حرية حركة الفاسدين والإفلات من العقاب. ليس فساده أقل من فساد الآخرين وهو ينافسهم بجرائمه في حق الشعب العراقي، إذا لم يكن له النصيب الأعلى من تلك الجرائم.  

الفاسدون قادمون. ذلك صحيح، ولكن سقوطهم لن يتيح للصدر أن يكون زعيما للمرحلة القادمة التي سيكون الشعب العراقي سيدها.