التصعيد التركي في شمال سوريا يصنع مآس إنسانية

نازحون سوريون يعبرون عن مخاوفهم من اي تصعيد عسكري في مناطق يقيمون فيها وتقع على خط التماس بين القوات الكردية وميليشيات سورية تدعمها تركيا التي تلوح بشن هجوم بري واسع.

سندف (سوريا) - تنذر العملية العسكرية البرية التي تلوح تركيا بشنها في شمال سوريا بصناعة مأساة إنسانية جديدة في منطقة تضم ملايين النازحين السوريين يجدون أنفسهم في كل مرة عالقين وسط قتال بين القوات الكردية وميليشيات سورية موالية لأنقرة.

ولا تكاد تهدأ الأوضاع قليلا في محيط مخيم للنازحين يعانون أصلا من وضع معيشي صعب وظروف جوية قاسية، حتى يتجدد القتال بدفع تركي يدفعون هم ثمنه.

وقرب خطوط التماس مع القوات الكردية في شمال سوريا، يخشى النازح أحمد ياسين أن يجد نفسه مضطرا مرة جديدة للنزوح من قرية تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة في حال شنّ تركيا هجوما بريا على المنطقة.

ويقول ياسين (34 عاما) "رغم الظروف التي عشناها من مأساة وقلة فرص العمل والفقر.. نحن حاليا مهددون بالنزوح مرة أخرى بسبب المعركة العسكرية التي يمكن أن تحصل".

وبعد نزوح متكرر خلال السنوات الخمس الأخيرة، يقيم ياسين في مخيم مكتظ على أطراف قرية سندف، القريبة من منطقة تل رفعت الواقعة تحت سيطرة قوات كردية في محافظة حلب (شمال)، وهي واحدة من ثلاث مناطق حدّدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي كأهداف لهجوم بري يلوّح بشنّه في شمال سوريا.

وبدأت تركيا منذ 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي توجيه سلسلة من الضربات الجوية والقصف المدفعي ضد مواقع لقوات كردية في سوريا والعراق، بعدما اتهمتها، رغم نفيها، بالوقوف خلف هجوم بعبوة ناسفة في اسطنبول في 13 نوفمبر/تشرين الماضي أسفر عن مقتل ستة أشخاص.

وبعد الضربات التي طالت بمعظمها نقاطا عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تهدّد أنقرة بهجوم بري، لم تحدد توقيته وتهدف من خلاله إلى تحقيق مسعاها بإقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومترا عند حدودها الجنوبية، تشمل مناطق تل رفعت ومنبج وكوباني الواقعة في مناطق نفوذ الأكراد في محافظة حلب.

ويبدي ياسين وهو عامل يومي يقيم مع زوجته وطفليه في المخيم، على غرار سكان آخرين، قلقه من أن يجد نفسه محاصراً بين النيران، في حال حصول هجوم تركي من شأنه أن يدفع القوات الكردية إلى الردّ باستهداف المنطقة التي يعيش فيها.

ويقول الرجل الذي نزح من مسقط رأسه في جنوب محافظة إدلب المجاورة (شمال غرب) قبل سنوات جراء المعارك "في نهاية الأمر، لا نجني إلا وجع الرأس. جلّ ما نريده أن يفرجها الله علينا ونعود إلى منطقتنا وأراضينا وبيوتنا"، مضيفا "المعيشة صعبة ونحن مهددون بسبب الحرب".

وتنبّه منظمات حقوقية من تداعيات أي عملية عسكرية في شمال سوريا، المنطقة المكتظة بالسكان، مطالبة كافة الأطراف بوقف أي تصعيد وحماية المدنيين من الجانبين.

وحذّر ائتلاف منظمات بينها "سايف ذي تشيلدرن" في بيان مشترك الخميس من أن أي "تصعيد إضافي في الأعمال العدائية سيضع السكان المقيمين في قرى مكتظة في المنطقة في خطر، ما قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة".

ووفق البيان يعيش "بعض أكثر المجتمعات فقرا على طول المناطق الشمالية، حيث الفقر وانعدام الأمن وخطر نشوب نزاع يسود بالفعل".

وبين الحين والآخر، يجد محمّد أبوعلي (45 عاما)، المقيم في مخيم سندف مع زوجته وأطفاله الخمسة وأحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، نفسه محاصرا بين قصف تتبادله القوات الكردية والفصائل الموالية لأنقرة بشكل متقطّع، ما يؤدي إلى "حالة من الهلع والخوف بين قاطني المخيم".

وأضاف الرجل المتحدر من جنوب إدلب والذي اختبر بدوره تجربة النزوح لعدة مرات أنه ثمة خيار من اثنين "إما حدوث عملية عسكرية تعيدنا إلى منازلنا أو أن يتوصلوا إلى اتفاق في ما بينهم حتى نبقى في المخيم".

وبغضّ النظر عما سيكون عليه الوضع في الفترة المقبلة، جلّ ما يهمّ أبوعلي هو أن "نعيش الأيام المتبقية من عمرنا في بيوتنا".

ومنذ العام 2016، شنت أنقرة ثلاث عمليات برية في سوريا، استهدفت خصوصا المقاتلين الأكراد وسيطرت مع فصائل سورية موالية لها على مناطق واسعة قرب حدودها.

وعند نقاط على خط التماس مع تل رفعت، يكاد الضباب يحجب الرؤية. وتبدو بعض النقاط العسكرية خالية من المقاتلين السوريين الموالين لأنقرة، بينما تغيب أي استعدادات لهجوم تركي وشيك.

ويتكرر المشهد ذاته في محيط مدينة منبج الواقعة تحت نفوذ القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة "إرهابية". ولا يظهر أي عتاد ثقيل من دبابات ومدرعات ورشاشات ويكاد يقتصر عدد المقاتلين في بعض النقاط على واحد أو اثنين.

وداخل بعض المراكز المبنية من حجارة الطوب، يتبادل المقاتلون أطراف الحديث، يلهو بعضهم بجوالاتهم بينما يحتسي آخرون الشاي.

ويقول مقاتل سوري موال لأنقرة، عرّف عن نفسه باسم يوسف أبوالمجد، بينما يرابط في منطقة مشرفة على تل رفعت "لا ترتيبات حالية لعملية عسكرية في الميدان".

ويرى أنه "ما لم تأخذ الفصائل الضوء الأخضر من الحليف التركي، فليس بمقدورها أن تتحرك بمفردها"، مضيفا "ما لم يأخذ الحليف التركي الضوء الأخضر من الولايات المتحدة وروسيا وإيران لن يقدم على أي عمل عسكري" في شمال سوريا.

وأرسلت موسكو قبل أيام تعزيزات عسكرية إلى عدة نقاط في شمال سوريا تحت سيطرة الأكراد وقوات النظام، بينها تل رفعت، في وقت تحذّر فيه واشنطن الداعمة للأكراد من مغبة أي تصعيد عسكري في شمال سوريا. وتنسّق موسكو وطهران حليفتا دمشق، وتركيا منذ سنوات بشأن الوضع في الساحة السورية.

كما استأنفت قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن التي تدعم القوات الكردية، دوريات في شمال سوريا بعد أن دفعت بدورها بتعزيزات عسكرية ولوجستية لقواعدها المشتركة مع 'قسد'، في خطوة يعتقد أن الهدف منها تأخير أو كبح العملية البرية التي تلوح أنقرة بشنها وتقول إنها لن تنتظر إذنا من أحد لتنفيذها.