مربو النحل في غزة يتذوقون المر قبل العسل

مزارع النحل عبر الحدود المضطربة لم تسلم من موجة العنف والغارات الجوية.

جباليا (غزة) - تتفقّد مربية النحل ميسرة خضير ملكة النحل في مزرعتها في حقل قريب من حدود قطاع غزة المضطربة، لتتأكد من نجاتها من آثار القصف الذي تبادلته إسرائيل والفصائل الفلسطينية لخمسة أيام دامية الأسبوع الماضي.

وتقول خضير (29 عاما) التي ارتدت الملابس البيضاء الخاصة للاحتماء من قرصات النحل "النحل يموت من الغازات والصواريخ والأتربة التي تتسبّب بها الحروب".

وتنتشر خلايا النحل في المزارع القريبة من الحدود وبين الأشجار ويعتبر الوصول إليها والعناية بها مغامرة يقوم بها المزارع الفلسطيني في ظل تعمد الاحتلال إخلاء المناطق الحدودية لتحويلها إلى مناطق فارغة.

وذهبت الشابة العشرينية قبل اليوم العالمي للنحل السبت الذي يهدف لتسليط الضوء على أهمية الملقّحات، إلى مزرعة النحل التي تملكها والواقعة على بعد بضع مئات الأمتار من الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل.

ولم تسلم مزارع النحل من موجة العنف التي أسفرت عن تدمير أربع مناحل، بحسب خضير، مشيرة إلى أنها لم تتمكن من الوصول إلى المزرعة على مدى أيام بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية والصواريخ التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية على بلدات جنوب إسرائيل.

وعلى الرغم من المخاطر المتكرّرة على الحدود الشرقية للقطاع الساحلي المكتظ بالسكان، تشكّل الأراضي الزراعية الحدودية بيئة مثالية لتربية النحل.

وتشرح خضير "نضع النحل دائما في الأماكن الحدودية، إذ تتوفر فيها أزهار أكثر ومساحات زراعية بعيدة عن المباني والازدحام السكاني".

وتوقف نشاط النحالين عبر الحدود حتى إعلان اتفاق وقف إطلاق النار ليل السبت، بعد أن ألحق القتال أضرارا بنحو 600 دونم من المحاصيل الزراعية، بحسب وزارة الزراعة في غزة.

ووفقا لبيان أصدره المكتب الإعلامي لحكومة غزة، فإن قيمة الخسائر التي لحقت بخلايا النحل ومزارع الدواجن والمواشي بلغت 225 ألف دولار أميركي.

وتكبّدت خضير خسائر مادية مع توقف الحياة اليومية في القطاع خلال الصراع الذي فرض عليها إغلاق متجرها لبيع العسل أسوة بباقي المحلات في مركز تجاري عادة ما يكون مزدحما بالناس في وسط مدينة غزة.

ودرست الشابة العشرينية طب الأعشاب والتداوي بالعسل في السعودية، وتروي "حصلت على دبلوم مهني في التداوي بالعسل والأعشاب أثناء تواجدي بالسعودية، وشاركت في دورات أخرى عن طريق الإنترنت مع أطباء الطب البديل والأعشاب".

وتشير إلى أنها بدأت مشروعها منذ شهور وأنها عالجت كثيرين يعانون من مشاكل صعوبة التركيز والخصوبة، موضحة "إذا كان العسل بجودة عالية، فإنه يعالج مشاكل عدة. توجد خلطات تضاف إلى العسل لعلاج مشاكل الإنجاب لدى السيدات والرجال".

لكنها تشكو قلقها من رشّ إسرائيل "مبيدات حشرية من الممكن أن تؤثر على حياة النحل بل تسمّم العسل أو تلوثه بمواد كيميائية تؤثر على جودته".

ومع تفشي نسبة البطالة في القطاع الفقير وتجاوزها نسبة 45 في المئة، وفقا لصندوق النقد الدولي، يوفّر مشروع تربية النحل فرصة لدخل مادي مقبول لخضير التي تقول "المشروع مفيد وصحي ويمنحني فرصة لأن اعتمد على نفسي كامرأة".

وتضيف "أشجع كل الناس على الاهتمام بمنتج النحل وهو العسل، المذكور في القرآن، ويمكن أن نتناوله كشكل علاجي وليس فقط غذائي وصحي ومدعّم فيتامينات"، متابعة "إنه مناسب لنا وللصحة، ويجب أن ندعم ونشجّع المنتجات الطبيعية".

ويطالب نحالون وخبراء في مجال الزراعة بتكثيف زراعة أشجار الكينيا والسرو في مناطق مختلفة من قطاع غزة، خاصة في المناطق الحدودية، لسد النقص الحاد في أشجار الحمضيات التي تُعد أفضل مراعي النحل، كما دعوا وزارة الزراعة إلى ضبط رش المبيدات التي يرشها المزارعون عشوائيا وبكميات كبيرة لتسببها في نفوق أعداد كبيرة من النحل.

وفي يناير/كانون الثاني، كشف مدير دائرة الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة عايش الشنطي، على هامش ملتقى النحالين الأول، أن إنتاج العسل في قطاع غزة يقدر بـ200 طن سنويا، مضيفا أن نحو 20 ألف خلية نحلة موزعة على امتداد محافظات القطاع، ويعمل في تربية النحل أكثر من 400 مرب ومربية.

كما نبه إلى أن تغيرات المناخ ألقت بثقلها على تربية النحل في قطاع غزة، فنشأت عن ذلك عدة أمراض أبرزها "الفاروا" الذي يصيب النحلة بوهن فيضعف إنتاج العسل، في حين أن الحرارة المرتفعة تسببت في نفوق أعداد كبيرة من النحل، بحسب شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية.

في 2022، أثرت التغييرات المناخية على منتوج العسل في غزة، لأن الأمطار والرياح أبقت النحل داخل الخلايا خلال الربيع، في حين كان يُفترض أن ينشط بحثا عن الرحيق.