المهرج في خيلائه العدمي
يتميز أسلوب حسن نصرالله زعيم حزب الله في الخطابة بالسخرية التي تفصح عن غرور لا يمكن تفسيره إلا بالغباء أو الجهل أو الإنفصال عن الواقع والاستخفاف بالحقيقة.
يسخر نصر الله من اللبنانيين وهو قادر على ذلك بعد أن أفرغ جيوبهم ونسف نصف الجزء التاريخي من عاصمتهم واضعا القضاء اللبناني في جيبه. صارت المطالبة بنزع سلاحه فكرة خيالية لا يزال يتشبث بها فريق من اللبنانيين لا يرغب أفراده في الهروب من بلدهم. لا يزال خيالهم الخصب يرنو إلى لبنان المحلق مع السحب.
كما أن نصرالله يسخر من إسرائيل بالرغم من أنها إذاقته عام 2006 طعما مرا لهزيمة، كان قد خطط أن يمارس من خلالها دور الثعلب الذي يفتح عينا ويغلق أخرى. فضح الإسرائيليون يومها احتياله غير أنه لم ير في ذلك الاحتيال إلا نوعا من الاستقواء على اللبنانيين حين احتلت ميليشاه بيروت عام 2008.
سخر من كل العالم العربي وبالأخص من الدول التي كانت تدعم اقتصاد لبنان واستقرار سعر صرف ليرته حين قال إنه إيراني في كل شيء. في عقيدته وهواه وولائه وافعاله. ما من شيء يصدر عنه إلا وإيران تقف وراءه.
اعترف بأنه واحد من جنود الولي الفقيه وأن مقاتليه يستلمون رواتبهم من الجمهورية الإسلامية وأنه مستعد للقيام بكل ما يطلبه الإيرانيون منه.
في المفهومين الأخلاقي والقانوني يدخل ذلك في باب الخيانة العظمى. ولكن المجتمع والدولة في لبنان هما أضعف من أن يفرضا قانونهما الذي صار نصرالله يلعب بسلطته التشريعية، يفرض ما يناسبه ويضع على الرف ما لا يعجبه. واالأدهى أنه علم أتباعه السخرية من مفهوم الخيانة. وهو درس وضعته إيران في متناول أتباعها ممَن ينشطون خارج حدودها. بحيث تمكنت من خلال عمليات غسل الدماغ من إقناعهم بخيانة كل شيء يتعارض مع سياستها الطائفية والعنصرية التي هي جزء من مشروعها في الهيمنة على جزء من العالم العربي تحت غطاء مضلل هو الدفاع عن المذهب وحمايته.
ولطالما كذب نصرالله على أتباعه وهو يعرف جيدا أن لا أحد منهم سيطالب همسا بمساءلته. وليس من المبالغة في شيء أن نقول إن إسرائيل تعرف عن نصرالله وإمكانياته أكثر مما تعرفه أي دولة في العالم حتى إيران نفسها. فليس من المستبعد أن يمارس "سيد المقاومة" الكذب على أسياده الذين علموه فنون الاحتيال.
إسرائيل هي الأخرى تمارس الكذب حين تبالغ بقوته وتتفادى الوقوع في صدام معه وتسترضيه بهدنات مؤقتة متتالية وفي الوقت نفسه تعرف متى توجه إلى قواعده في سوريا وجنوب لبنان ضربات قاتلة.
تعرف إسرائيل أن نصرالله يفكر في خصومه اللبنانيين أكثر مما يفكر فيها. وهي لا تنسى أبدا أن رعاته الإيرانيين لا يمكنهم في هذه المرحلة أن ينفسوا عن مشكلاتهم الداخلية من خلاله. ذلك لأنهم يدركون أن لبنان بوضعه الحالي هو أكثر هشاشة من أن يتحمل حربا من نوع تلك الحرب التي قامت عام 2006. أية حرب إذا شنت على لبنان يمكن أن تؤدي إلى فنائه المؤكد.
لا يهم إذاً. ليسخر نصرالله من كل شيء ما دام يبقي صواريخه في قواعد، يتحمل الإيرانيون كلفة إدامتها وهي تحت النظر. ليس من المتوقع أن تغمض إسرائيل عينها فهي أكثر مهارة من إيران إذا ما تعلق الأمر بالسيطرة. ولا يكلفها ذلك كثيرا ما دامت تتصرف حتى اللحظة باعتبارها دولة محاطة بالأعداء. ولكن عداء نصرالله يمكن تشتيته واللعب عليه فهو مرتبط أصلا بالوضع في إيران وما بسعى النظام الإيراني إلى تحقيقه في مجاله الحيوي الذي لا تقع فلسطين داخل دائرته.
كل الشعارات التي يرفعها نصرالله في الشأن الفلسطيني هي شعارات كاذبة فهي اجترار لشعارات إيرانية، تبين أن الميليشيات الشيعية تتخلى عنها بين حين وآخر حسب تعليمات تصدر من الحرس الثوري. يكذب نصرالله حين يعتبر فلسطين قضيته وهو ينظر بحذر إلى اللبنانيين باعتبارهم أعداء سلاحه الموجه إليهم.
في الماضي كان اللبنانيون يضعون أيديهم على قلوبهم حين يعلي نصرالله من خطابه المعادي لإسرائيل غير أنهم اليوم يضحكون لأنهم يعتبرون كل ما يقوله السيد هو نوع من التهريج الذي يهدف إلى إشاعة روح الفكاهة بينهم.