ملتقى نقد الشعر يسدل الستار على دورته الثالثة

الملتقى يبحث في عدة قضايا تعنى بالشعر العربي من جوانب عدة، وهذا ما دأب عليه "بيت الشعر" منذ تأسيسه في استقطاب العديد من الدارسين من نقاد وشعراء في رؤية تكاملية لمعنى الجمال في الشأن الإبداعي.

اختتمت الجمعة في مركز اللغات بالجامعة الأردنية فعاليات "ملتقى نقد الشعر الثالث..  قضايا الشعر العربي حديث" الذي استمر لمدة يومين بمشاركة نخبة من النقاد الأردنيين بتنظيم "بيت الشعر بالمفرق" حيث بحث الملتقى في عدة قضايا تعنى بالشعر العربي من جوانب عدة، وهذا ما دأب عليه "بيت الشعر" منذ تأسيسه في استقطاب العديد من الدارسين من نقاد وشعراء في رؤية تكاملية لمعنى الجمال في الشأن الإبداعي، وهذا الملتقى إلى جانب مهرجانه الشعري السنوي ونشاطاته الأسبوعية من الأمسيات يعد ذلك تتويجا لإسهاماته وتفاعله مع الهيئات والمؤسسات لإعلاء الشأن الثقافي.

ففي الجلسة الأولى من اليوم الختامي وعنوانها "تمثلات الاغتراب في الشعر العربي الحديث" حيث أدار مفرداتها الدكتور عبدالحليم الهروط، وتحدث فيها: علاء الدين القريوتي حول "الاغتراب أحفورة ثقافية قراءة في النشأة الاصطلاح والمدلول" فقال: تتغيّا هذه القراءةُ الترسيسَ والتأسيسَ لمفهوم "الاغتراب"، مُستنطِقةً متونَ المعاجم، ونصوصَ الكتب المقدّسة، والموروثَ الأدبيّ، ومُحاوِرةً آراءَ النقّادِ والمفكّرين والفلاسفةِ وعلماءِ الاجتماع وأنظارَهم، قديمين ومُحدَثين، في محاولةٍ جادّةٍ لسبر أغوار المصطلح، والكشف عن الأصول التي يتفرّع عنها، والمضامين التي يدلّ عليها، والمدلولات التي يشير إليها.

وأضاف: "ما من ريب في أنّ ظاهرة الاغتراب، قد حظيت بمكانة جوهريّة في كتب النقد والتحليل الحديثة، وغدت مُشكِلاً بارزاً في الأعمال الأدبيّة والفنّيّة المعاصرة، لا سيّما الإبداعاتُ الشعريّةُ؛ ومن أجل ذلك جاءت قراءتي النقديّة، متعقّبةً الظاهرة بالتنقيب والبحث والاستقصاء، مؤكّدةً أنّ من أراد البناءَ عالياً، فإنّ عليه أن يحفر طويلاً في العُمُق!".

فيما عاين الدكتور يوسف ربابعة في ورقته "ألفاظ الاغتراب في شعر عبدالله البردونيي" مبينا أن من مظاهر الاغتراب الجماعي أن يشعر الفرد بعدم انتمائه إلى المجتمع التي ينتمي إليه، وتزداد العزلة الاجتماعية عندما تكثر الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية داخل المجتمع، فيرتد الفرد إلى ذاته ويكف عن التفاعل والتعايش والتكيف مع الآخرين، ويسعى إلى أن تتطابق ذاته مع شخصيته وسماته هو، فيشعر بفقدان الهوية في الوقت الماضي والحاضر، وما يمكن أن يصير إليه في المستقبل

وأشار د. ربابعة، ففي قصيدة "أنا الغريب" في ديوان "من أرض بلقيس" استعمل لفظة الغريب بشكل مباشر وجَعْلُها عنوانًا للنص يمثل علامة دالة تلخِّص مضمون الفكرة التي يريد الشاعر التحدث عنها، وتعبر عن حال اليأس والحيرة المطبقة على الذات الشاعرة، بعد أن تغلفت بوجومها وغابت في صمتها المتواري وراء الهموم. يقول البردوني".

وأنا وحديَ الغريبُ  وأهلي/عن يميني وإخوتي عن يَساري/  وأنا في دمي أسيرٌ، وفي أر /  ضـي شريـدٌ مقيَّـدُ الأفكـارِ/              وجريحُ الإبـا قتيلُ الأماني/أغريـبٌ فـي أمَّتي وديـاري" ومشيرا إلى أن جملة (أنا وحدي الغريب) تدل على حال الاغتراب على مستوى الوطن المجتمع والأسرة. فكل التعبيرات هنا تحتوي على مفردة من مفردات الغربة والاغتراب.

ومن جهتها د. فداء العايدي درست في ورقتها "الاغتراب حروق الحنين إلى الوسادة" من خلال رؤية نقدية ثاقبة لمعنى الحنين وحروق الاغتراب.

الجلسة الثانية والختامية وعنوانها "الحنين والتطلع.. النوستالجيا واستشراف المستقبل.. في الشعر العربي الحديث" وأدار مفرداتها د. علاء الدين الغرايبة، وتحدثت فيها الناقدة هنادي أبو قطام حول " غنائية الرؤيا والإيقاع: علي جعفر العلاق انموذجا" أكدت فيها إلى أن  الورقة النقديَّة ترنو إلى الكشف عن شعرية الإيقاع في منجز الشاعر العراقيّ علي جعفر العلَّاق الذي نحى بقصيدة التفعيلة منحىً لافتًا؛ بتأسيس تشكيلات صوتيَّة فريدة وغير مطروقة عبر ترويضه لأوزان الخليل العروضية.

ومؤكدًا أن الغنائيَّة ليست ملمحًا شكليًّا أو أداة تزيينيَّة في النص الشعريّ وإنَّما هي تجربة جماليَّة مكَّنت القارئ من معايشة رؤيا الشاعر وحالته الوجدانيَّة، وفي خروج العلَّاق عن الغنائيَّة الكلاسيكيَّة للقصيدة العربية تحقيق لحداثة إيقاعيَّة جديدة بدأت مع جيل الرواد أمثال: نازك الملائكة والسياب وعبدالوهاب البياتي وأدونيس ودرويش وغيرهم ممن ساق الغنائيَّة الحديثة إلى أفق أوسع وأكثر غنى وتنوعًا.

وسعت ورقتها في جانبها النظري إلى تسليط الضوء على التطورات التاريخيَّة لمفهوم الغنائيَّة Lyricism بوصفه مصطلحًا غامضًا حصر وظيفة الشعر في الغناء والإنشاد بدءًا من القصيدة الإغريقيَّة فالعربية وانتقالًا إلى غنائيات عصر النهضة ومن بعده العصر الحديث، هذه الصنعة الشعريَّة التي وصفت بأنَّها فردوس الشعر وغايته المرومة انثنت في عيون النقد الأدبي الحديث لتصبح عمارة موسيقيَّة ترتبط ورؤيا الشاعر من خلال تلاحم النسق اللغوي بالنسق الإيقاعي، واعتمدت في الجانب التطبيقي نصوصًا من دواوين عدَّة، هي: "ممالك ضائعة"، و"ذاهب لاصطياد الندى"، و"سيد الوحشتين"، و"هكذا قلت للريح"، مادة للدراسة والتحليل.

 وخلصت الدراسة إلى أنَّ العلَّاق انتقل بالقصيدة العربية الحديثة من التعبير الرومنسي إلى الواقعي، كما امتاز بدمج الإيقاع الخارجي والداخلي مع الدلالة عبر تقنية المعادل الموضوعي Objective Correlative المتمثلة في "القناع والرمز والأسطورة"، رابطًا الغنائيَّة بالدراميَّة في القصيدة العربية الحديثة.

أما الدكتور مراد البياري درس في ورقته النقدية "ألفاظ الحنين في ديوان "المشكال" للشاعرة الدكتورة إيمان عبد الهادي.. نزف حتى الموت.

أما الورقة الأخيرة في الملتقى قدمها الناقد محمود عقيل الزعبي و عاين في ورقته "بين الاستشراف والنوستالجيا راية ترفرف شعرا".