هل يعبِّر الأدب الإسلامي عن هُويَّة الشعوب الإسلامية؟
أدب الفكرة الإسلامية ـ أدب العقيدة الإسلامية ـ أدب الفكر الإسلامي ـ أدب الدعوة الإسلامية ـ أدب الشعوب الإسلامية ـ الأدب الديني ـ الفن الإسلامي ـ .. الخ.
مصطلحات كانت تتردد على ألسنة بعض الدعاة إلى بعث لون من ألوان الأدب المتجذر في أعماق الأمة الإسلامية، منذ الدعوة الإسلامية وربما قبلها، وحتى الآن، دون الوصول إلى اتفاق عام على مصطلح بعينه، ولكن في العقود الأخيرة، تم التوصل إلى اتفاق عام على مصطلح الأدب الإسلامي ليجمع بين هذه المصطلحات جميعا.
ومن أجل ذلك تكونت رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1405هجرية 1985م، وكان مقرها مدينة لكنو بالهند، ورأسها العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي، وبرحيله عام 1420 هـ / 1999 م، انتقلت مقر الرابطة إلى مدينة الرياض، ورأسها الأستاذ الدكتور عبد القدوس أبو صالح (1351- 1443 هـ / 1932- 2022 م).
والرابطة كانت تصدر أكثر من مجلة فصلية بأكثر من لغة، فهناك مجلة الأدب الإسلامي باللغة العربية، ومجلة الأدب الإسلامي باللغة الأردية، ومجلة الأدب الإسلامي باللغة التركية. إلى جانب إصدارها للكتب الأدبية المختلفة: شعر وقصة ورواية ومسرح ونقد، وأدب رحلات وأدب أطفال، فضلا عن إقامتها للمسابقات الأدبية العالمية، وأيضا المؤتمرات الفكرية والأدبية العالمية. كما وُضعت للأدب الإسلامي مناهج دراسية في الكليات المتخصصة في بعض جامعات العالم الإسلامي.
وتبقى مشكلة تعريف مصطلح الأدب الإسلامي، ويذهب الكثيرون إلى أن الأدب الإسلامي هو: "التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان، أو هو الذي يرسم الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود". أو هو "التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون في حدود التصور الإسلامي لها".
وعلى ذلك فإن الأدب الإسلامي ليس هو ـ كما يتصور البعض ـ أدب الوعظ والإرشاد والنصح والتنبيه واللوم .. وما إلى ذلك، ليس هو شعر المدائح النبوية، والإنشاد الديني، أو التواشيح الدينية فحسب، ولكن الأدب الإسلامي يتغنى بالحياة التي خلقها الله سبحانه وتعالى، ويحقِّر الرذيلة، ويعلِّي من الفضيلة، ولا بأس من أن يستعين بالجوانب الشريرة من الحياة، ليبرز الضد منها، (وبضدها تُتميز الأشياء) أي جوانب الخير والتقوى، ولكن في إطار من الفن الذي لا يسهم في إشاعة الفحش والفجور، أو استثارة الغريزة. فالقرآن الكريم تحدث عن الجنس ـ كما نرى في قصة يوسف عليه السلام ـ بشكل مغلف وجميل، لا يدعو إطلاقا لإثارة الغرائز، ولكن لأخذ العظة مما حدث في قصة امرأة العزيز التي راودت فتاها فأبى.
ومع ذلك فإننا لا نعدم وجود خصوم للأدب الإسلامي، ولهذا التعريف السابق للأدب الإسلامي، وعلى سبيل المثال في حوار منشور معه في جريدة "المسلمون" في 9 أكتوبر 1992 قال الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة إننا لو وضعنا إطارا للأدب وعممناه فسنُخرج من تراثنا العربي والإسلامي أكثر من 60 أو 70 بالمئة من تراثنا الشعري، ولا أظنك توافقني على مصادرة هذا الكم من تراثنا الشعري باسم هذا المصطلح الجديد، الذي أعتقد أنه أضيق بكثير من فكرة الإبداع التي تشمل الحياة الإنسانية بتجلياتها الكبيرة، لأن الفن والشعر لا يقبلان تقييد أجنحتهما بإطار خاضع لاجتهادات الآخرين الذين قد لا يكونون هم أنفسهم ذوي دراية كافية بطبيعة الشعر.
وفي هذا الحوار أعلن أبو سنة عن عدم فهمه لمصطلح "الأدب الإسلامي".
أيضا من المآخذ التي يذهب إليها البعض على مصطلح الأدب الإسلامي، أن الأدب في عمومه يُنسب إلى اللغة التي يُكتب بها، ولا يُنسب إلى الدين، كأن نقول الأدب الإنكليزي، والأدب الفرنسي، والأدب العربي، والأدب الروسي، والأدب الألماني، والأدب الياباني، والأدب الصيني، ولا نقول الأدب المسيحي، والأدب اليهودي، ومن هنا فلا ينبغي لنا أن ننسب الأدب إلى الدين الإسلامي، فنقول الأدب الإسلامي .. وهكذا.
ويذهب البعض إلى أن الترويج لفكرة الأدب الإسلامي، إنما يذكرنا بالترويج لبعض دعوات الاشتراكيين، الذين دعوا إلى فكرة الأدب الملتزم، أو أدب الواقعية الاشتراكية، التي انطفأت مع انطفاء الاشتراكية نفسها. ومن ثم لا يجوز ربط الأدب بالإسلام، فالإسلام لا ينطفئ، حتى وان انطفأت الفكرة الأدبية.
وهكذا وجد الأدب الإسلامي في طريقه الكثير من المخاوف والاعتراضات وعدم الفهم. لذا ظهرت كتب كثيرة للترويج لفكرة الأدب الإسلامي، وشرح المصطلح، منها:
ـ مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي للدكتور عبد الباسط بدر.
ـ من قضايا الأدب الإسلامي للدكتور صالح آدم بيلو.
ـ منهج الفن الإسلامي للأستاذ محمد قطب.
ـ الأدب الإسلامي ضرورة للدكتور أحمد محمد علي (عبده زايد).
ـ كتب وقضايا في الأدب الإسلامي للدكتور حسين علي محمد.
ـ الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق للدكتور صابر عبد الدايم.
ـ الأدب التركي الإسلامي للدكتور محمد عبد اللطيف هريدي.
ـ الأدب الأردي الإسلامي للدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم.
ـ من آداب الشعوب الإسلامية للدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع.
ـ ومضات إسلامية في الشعر العربي المعاصر للشاعر أحمد محمود مبارك.
ـ الأدب الإسلامي: الفكرة والتطبيقي، وإنسانية الأدب الإسلامي للدكتور حلمي محمد القاعود.
وغيرها الكثير.
هكذا يجد الأدب الإسلامي أنصارًا ومعارضين، ولكنه مع ذلك يظل واقعا حيا لدى الشعوب الإسلامية الذين بلغ تعدادهم أكثر من مليار وربع المليار نسمة، والذين في مجموعهم لا يتحدثون اللغة العربية فحسب، ولكن شمل الإسلام كثيرا من البلاد التي يتحدث أهلها لغات أخرى مثل التركية، والأردية، والفارسية، والإنكليزية والفرنسية، وغيرها .. كما أن الأدب الإسلامي يعيش حاليا في إطار المجابهة أو المقاومة للأدب الغربي الذي ينضح بالعبثية والوجودية، والإلحاد، ومن ثم فإنه يجب إفساح المجال له، لأنه يعبر عن هوية الأمة الإسلامية، أو هوية شعوبها، في مقابل العولمة التي تريد اقتلاع الشعوب من جذورها، لتهيمن الثقافة الأميركية الواحدة على كل دول العالم.