انخفاض أسعار النفط يؤثر على تمويل مشاريع رؤية 2030

تقديرات صندوق النقد الدولي وخبراء اقتصاد تشير إلى أن التوازن في الموازنة السعودية لن يتحقق إلا عندما يتجاوز سعر برميل النفط 90 دولارا.

الرياض - تشتد الضغوط على السعودية وتضعها أمام خيارين إما زيادة الديون أو تقليل الإنفاق بعد انخفاض أسعار النفط الخام، مما يعقد خططها لتمويل برنامجها الطموح "رؤية 2030" الذي يهدف إلى تنويع مواردها الاقتصاد بعيدا عن النفط الذي ترتبط ثروتها ارتباطا وثيقا بإيراداته.

وهبطت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في نحو أربع سنوات بسبب المخاوف من تأثر النمو العالمي بالحرب التجارية وعقب قرار مفاجئ من بعض منتجي النفط في أوبك+، من بينهم السعودية، بالمضي في خططهم لزيادة الإنتاج.

ويهدد انخفاض الأسعار السعودية بخسارة إيرادات بعشرات المليارات من الدولارات، بالإضافة إلى خفض مقرر لتوزيعات الأرباح من شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط.

وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي وخبراء اقتصاد إلى أن التوازن في الموازنة السعودية لن يتحقق إلا عندما يتجاوز سعر برميل النفط 90 دولارا، بينما انخفض سعر خام برنت إلى ما دون 65 دولارا هذا الأسبوع.

وتمول السعودية برنامجها الإصلاحي "رؤية 2030" من خارج الموازنة، ومع ذلك يتعين على الحكومة الإنفاق على مشروعات البنية التحتية الضخمة المرتبطة بهذا البرنامج الذي يهدف إلى أن يتعافى الاقتصاد مما تقول إنه "إدمان النفط".

ويعتمد صندوق الاستثمارات العامة، الذي تبلغ قيمة أصوله 925 مليار دولار ويدير رؤية 2030، جزئيا على النفط بطرق تشمل أسهمه في أرامكو.

وقالت كارين يانغ الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا "من المرجح أن تعتمد السعودية على التمويل بالديون وستضطر إلى تأجيل أو تقليص حجم بعض التعاقدات المقررة بسبب العجز المزدوج الذي حدث في عام 2024".

وأضافت أن المحللين توقعوا قبل إعلان الرسوم الجمركية الأميركية ارتفاع الدين العام السعودي بمقدار 100 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، فيما تشير الأرقام الرسمية إلى أنه قفز 16 بالمئة ليصل إلى أكثر من 324 مليار دولار في عام 2024.

ومن المتوقع أيضا أن تنخفض توزيعات أرباح أرامكو بواقع الثلث هذا العام. وتظهر حسابات رويترز أن الحكومة ستحصل على أرباح أقل بنحو 32 مليار دولار، كما ستتراجع أرباح صندوق الاستثمارات العامة بنحو ستة مليارات دولار.

وشكل النفط 62 بالمئة من إيرادات الحكومة العام الماضي. ولم تعلن السعودية توقعاتها للإيرادات النفطية هذا العام، لكنها توقعت انخفاض إجمالي الإيرادات 3.7 بالمئة في موازنة عام 2025 التي صدرت في نوفمبر/تشرين الثاني.

وقال محللون إن صندوق الاستثمارات العامة سيسعى أيضا على الأرجح إلى الحصول على تمويل إضافي وذكر محافظه ياسر الرميان العام الماضي أن المؤسسة تعتزم زيادة استثماراتها السنوية إلى 70 مليار دولار بين عامي 2025 و2030، ارتفاعا من 40 إلى 50 مليار دولار.

مستعدون لاتخاذ أي قرارات سياسية ضرورية لضمان بقاء وضعنا المالي قويا

وكانت السعودية من بين أكبر الدول التي أصدرت أدوات دين في الأسواق الناشئة العام الماضي، وجمعت الحكومة بالفعل 14.4 مليار دولار من السندات هذا العام.

وجمع صندوق الاستثمارات العامة، الذي اقترض 24.8 مليار دولار العام الماضي عبر سندات وقروض، 11 مليار دولار بالفعل في عام 2025. كما جمعت عدة كيانات أخرى مرتبطة بالدولة مليارات الدولارات.

واستثمر الصندوق مئات المليارات من الدولارات في كل مجالات الاقتصاد المحلي بدءا من شركة لإنتاج ألبان الإبل إلى مدينة نيوم العملاقة التي ستقام مستقبلا في الصحراء.

وتضم المشروعات المقبلة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 التي من المقرر أن تشهد ثلوجا اصطناعية وبحيرة مياه عذبة صناعية وكأس العالم 2034 الذي سيُبنى من أجله 11 ملعبا جديدا وستجدد ملاعب أخرى.

وقال متحدث باسم وزارة المالية إن "الوزارة تعمل على إعادة ضبط وتحديد أولويات الإنفاق لضمان قدرة الاقتصاد، ومن بينه القطاع الخاص، على المواكبة وتجنب أن يكون اقتصادا محموما".

وأضاف "نقيم التطورات التي وقعت في الآونة الأخيرة ومستعدون لاتخاذ أي قرارات سياسية ضرورية لضمان بقاء وضعنا المالي قويا"، متابعا "واثقون من أن معظم أهداف رؤيتنا إما تحققت أو تسير على الطريق الصحيح وسنتمكن من إنجاح الفعاليات الرئيسية التي سنستضيفها".

وتنخفض أسعار النفط بالتزامن مع إعادة ترتيب الأوضاع الجيوسياسية بعدما قلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب النظام الاقتصادي العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية رأسا على عقب.

وضغط ترامب على منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وعلى السعودية، قائدها الفعلي، لخفض أسعار النفط، ودعا المملكة إلى استثمار تريليون دولار في الولايات المتحدة. ومن المقرر أن تكون أول زيارة خارجية لترامب إلى السعودية وقطر والإمارات في مايو/أيار.

وقال نيل كويليام الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن إن انخفاض أسعار النفط "سيؤدي على الأرجح إلى إعادة تحديد الأولويات فيما يتعلق بالمشروعات الكبرى وإلى مزيد من الترشيد ومراجعة مواعيد التسليم وتقليص القوى العاملة في المشروعات".

وتوقع أن تعتبر الحكومة الخطر قصير الأجل الناجم عن انخفاض أسعار النفط سيعود بفوائد على الأجل الطويل، مشيرا إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة في السعودية التي تحظى بثقة المقرضين.

ورفعت وكالة ستاندرد اند بورز تصنيف المملكة إلى "A+" من "A" الشهر الماضي، لكنها قالت إن التحركات السلبية لأسعار النفط وزيادة الاستثمارات الممولة بالديون من العوامل التي قد تخفض هذا التصنيف.