استمرار الاحتقان الشعبي في مصراتة يفاقم متاعب الدبيبة

مشهد السخط الشعبي المتكرر يعكس عمق الأزمة بين السلطة التنفيذية وأهالي مصراتة الرافضين للفساد المرتبط بتهريب النفط ولانفلات الميليشيات الموالية للحكومة وسطوتها.

مصراتة (ليبيا) – يواجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة غضبا شعبيا في مصراتة مسقط رأسه والمدينة الاستراتيجية التي تتمتع بثقل اقتصادي واجتماعي والتي لها تأثير كبير في مسار مشهد سياسي شديد التعقيد.

ويزيد هذا الوضع من متاعب الدبيبة الذي يكابد في مواجهة ضغوط محلية ودولية لمغادرة السلطة وفسح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على توحيد المؤسسات وانهاء الصراعات السياسية وتهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات.

وتقول مصادر محلية إن الاحتجاجات المناوئة لحكومة الدبيبة باتت مشهدا مألوفا في مصراتة خاصة أمام مجمع المحاكم، وسط تنامي دعوات العصيان المدني كخيار تصعيدي للضغط على السلطة التي تهيمن على غرب ليبيا.

ويقول محللون ليبيون إن مشهد السخط الشعبي المتكرر يعكس حالة الاحتقان وعمق الأزمة بين السلطة التنفيذية وأهالي مصراتة وأن ذلك مرده تنامي الرفض الشعبي لانفلات الميليشيات وسلاحها وهيمنتها على مناحي الحياة إضافة إلى استشراء الفساد المرتبط بتهريب النفط والمحسوبية واعتماد الولاءات سبيلا لإدارة الشؤون العامة.

ويعتبر الاحتقان الشعبي الحالي امتدادا لحالة الاستياء من تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي ونتيجة لحالة الجمود السياسي الذي عطل المصالح العامة وتسبب في تردي الخدمات، ففي مارس/اذار من العام الماضي شهدت مصراتة مظاهرات غاضبة تطالب برحيل الدبيبة وحكومته، معبرة عن استيائها من الوضع الحالي وتأثيره السلبي على حياة المواطنين.

وتكرر هذا المشهد أكثر من مرة وسط توقعات باتساع رقعة الاحتجاجات المناوئة للسلطة في طرابلس، بينما لم يعد الدبيبة يتمتع بدعم محلي ودولي قوي مع تنامي حراك دبلوماسي وجهود أممية لإنهاء الأزمة السياسية وتعبيد الطريق لانتخابات عامة يراهن عليها المجتمع الدولي لعبور الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إلى برّ الأمان بعد ما يزيد عن عقد من فوضى دموية.

وبينما قلل مصدر حكومي من شأن الاحتقان الاجتماعي في مصراتة واعتبره مظهرا صحيا لديمقراطية ناشئة، نافيا تراجع شعبية الحكومة أو تأثير ما يحدث على استمرارها، تذهب بعض التحليلات إلى أن الاحتجاجات سيكون لها تأثير سياسي حتمي بالنظر إلى وزن المدينة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فهي تعتبر القلب التجاري والاقتصادي للغرب الليبي.

وأشار المحللون إلى أن الأزمة الكامنة والمتصاعدة تأججت على اثر اللقاء الذي جمع بين أعيان مصراتة والزنتان بحضور عبدالحميد الدبيبة وهو اللقاء الذي جرى تسويقه على أنه تعزيز للأخوة بين المدينتين، بينما نظر له منتقدوه على أنه حملة دعاية لأغراض سياسية تخدم أطرافا معينة بمن فيهم رئيس الحكومة.

واتهمت شخصيات في مصراتة الدبيبة باستغلال اللقاء لتأمين الولاء السياسي وأنه جرى ترتيب اللقاء بهدف خلق غطاء سياسي لدعم استمرار السلطة الحالية بعيدا عن الهدف الذي يفترض أن تعمل عليه لإنهاء الأزمة وهو تهيئة الظروف لإنجاح المسار الانتخابي.

وكان أعيان مصراتة قد أكدوا في بيان سابق على أهمية التوصل إلى "توافق وطني يقود إلى تشكيل حكومة محايدة تتولى الإشراف على انتخابات رئاسية وتشريعية تنهي المرحلة الانتقالية."

وشهدت العلاقات بين مصراتة والزنتان تقلبات كبيرة، فبعد ثورة 2011، كانتا من القوى الرئيسية التي تقاسمت النفوذ في غرب ليبيا. ومع ذلك، تصاعد التوتر بينهما ووصل إلى حد الاشتباكات المسلحة في عام 2014 للسيطرة على العاصمة طرابلس.

وعلى الرغم من ذلك، جرت محاولات عديدة للمصالحة بين المدينتين على مر السنين، بهدف تجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف، بينما حمل اللقاء الأخير بين أعيان مصراتة والزنتان دلالات سياسية مهمة ومتناقضة في آن واحد حسب التفسيرات المتضادة للقاء.

ويقول مؤيدو الاجتماع إنه يمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا. وأن مشاركة أعيان من المدينتين، اللتين كان لهما دور محوري في الصراعات، يمكن أن يشجع أطرافا أخرى على الحوار وتجاوز الخلافات.

ويعتبر هؤلاء أن الحوار بين أعيان المدينتين يمكن أن يساهم في تقريب وجهات النظر حول القضايا الوطنية الهامة مثل إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة موحدة وإعادة بناء المؤسسات.

ونظرا للنفوذ الذي تتمتع به كلتا المدينتين، فإن أي تقارب بينهما يمكن أن يؤثر على التحالفات السياسية القائمة في ليبيا. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن هذا اللقاء يأتي في ظل انتقادات متصاعدة لحكومة الوحدة الوطنية في مصراتة، وأن الهدف المعلن للقاء هو تحسين العلاقات، لكنه قد يحمل رسائل سياسية أخرى.

ويأخذ منتقدو اللقاء على حكومة الدبيبة توظيفه لصالح أجندة خاصة بعيدة عن المسائل المتعلقة بالحوار الوطني وبالمصالحة وتهيئة ظروف ملائمة للانتخابات. ويعتقدون أن رئيس الحكومة المنتهية صلاحياتها، أراد استثمار اللقاء لتعزيز مكانته في أهم مدينتين في غرب ليبيا.