فرنسا تستخدم ورقة الجنسية للضغط على الجزائر

باريس تفرض شروطا صارمة للحصول على الجنسية الفرنسية، فيما تستهدف القرارات الجديدة بشكل خاص الجزائريين باعتبارهم الأكثر طلبا عليها.
وزير الخارجية الفرنسي يؤكد أن الوضع عالق بين بلاده والجزائر

باريس - تعكس الإجراءات الجديدة المشددة المتعلقة بالحصول على الجنسية الفرنسية التي أعلنت عنها باريس في أوائل الأسبوع الجاري، سعيها إلى استخدام أوراق ضغط جديدة ضد الجزائر، باعتبار أن القرارات الجديدة تستهدف بشكل خاص المهاجرين الجزائريين، في فصل جديد من حالة الشد والجذب بين البلدين، بينما لا تلوح في الأفق بوادر لتبريد الأزمة.

وكشفت وثيقة رسمية أن وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو وجّه بفرض شرط خمسة أعوام من الاندماج الكامل في المجتمع واحترامه للقوانين، لمنح الجنسية.

وتأتي هذه القرارت بعد أيام قليلة من تلويح روتايو بالتصعيد تجاه الجزائر وتكثيف الضغوط عليها، معتبرا أن سياسة اليد الممدودة أدت إلى نتائج عكسية، خاصة بعد أن باءت محاولات باريس للتهدئة وفتح قنوات التواصل بهدف طي صفحة الخلافات الشائكة، بالفشل.

وتثير الأزمة بين البلدين انقساما في الساحة السياسية الفرنسية بين شق يطالب بضرورة تفعيل الحل الدبلوماسي بما يفضي إلى تبريد التوتر وآخر يدفع باتجاه تكثيف الضغوط على الجزائر، فيما يذهب آخرون إلى حد المطالبة بمعاقبتها من خلال إلغاء كافة الاتفاقيات الثنائية وقطع العلاقات.

وينظر إلى الجزائر، التي تواجه أزمات دبلوماسية مع أكثر من دولة، على أنها أهدرت عدة فرص لإعادة الدفء إلى علاقاتها مع باريس، رغم حاجتها الملحة لإنهاء التوتر مع البلد الذي يحتضن جالية جزائرية من أكبر وأقدم الجاليات الأجنبية في البلاد.

ولم تغادر العلاقات الفرنسية الجزائرية طيلة الأعوام الماضية مربع التوتر، على خلفية ملفات خلافية شائكة يتصدرها ملف الذاكرة المتعلق بالفترة الاستعمارية، بينما قابلت الجزائر اعتراف باريس بسيادة المغرب على صحرائه بالتصلب والتصعيد، ضمن مساعيها للضغط على فرنسا لمراجعة قرارها رغم أن الرئيس إيمانويل كان واضحا عندما أكد مرارا أن دعم بلاده الراسخ للقضية المغربية لن يؤثر على علاقات بلاده بالجزائر.

ولا يزال ملف الحقبة الاستعمارية يمثل نقطة خلاف جوهرية بين البلدين، مع مطالبات جزائرية باعتذار رسمي وتعويضات، بينما تتبنى فرنسا مقاربة تدريجية لطي صفحة الماضي.

وأدى اعتقال الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال في نوفمبر/تشرين الثاني ثم الحكم عليه بخمس سنوات سجنا مع غرامة مالية إلى مزيد تأجيج التوتر بين البلدين، لا سيما وأن الجزائر رفضت كافة الدعوات للإفراج عنه بل حاكمته بتهم تتعلق بالإرهاب والمساس بوحدة التراب الوطني.

وتفاقمت الأزمة بعد أن ردت الجزائر الشهر الماضي على توقيف باريس موظفا قنصليا في باريس بتهم محاولة خطف مؤثر جزائري لاجئ في فرنسا، بطرد 12 موظفا في السفارة الفرنسية والقنصليات الملحقة بها تابعين لوزارة الداخلية.

وينتظر أن تُقابل الإجراءات المشددة للحصول على الجنسية الفرنسية بتصعيد جزائري، فيما تشير تقارير إلى ارتفاع عدد المطالب التي يقدمها المهاجرون الجزائريون للتجنس. 

وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الأشخاص من أصول جزائرية بمن فيهم الحاصلون على الجنسية الفرنسية والمنحدرون من مهاجرين يتراوح بين 2.5 و7 ملايين شخص. 

ونقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن روتايو قوله إنه "من الشروط الأساسية لمنح الجنسية الإلمام الجيد باللغة الفرنسية شفهيًا وكتابيًا، بالإضافة إلى معرفة تاريخ فرنسا وقبول رموزها الجمهورية".

ووجه وزير الداخلية الفرنسي برفض المطالب في حال وجود حكم قضائي سابق ضد مقدم الطلب إذا بلغت مدة العقوبة ستة أشهر أو أكثر، داعيًا إلى اعتماد سلوك انتقائي في منح الجنسية، لا سيما لمن يفتقرون إلى المسيرة المهنية النموذجية.

وأشار إلى ضرورة أن يثبت الأجنبي الراغب في الجنسية تمتعه بالاستقلال المالي الدائم، أي امتلاكه لموارد كافية تجنّبه الاعتماد على المساعدات الاجتماعية، مع إعطاء الأفضلية لحاملي عقود العمل الدائمة أو المؤقتة لأكثر من 24 شهرا وهو شرط قد يؤدي إلى إقصاء العديد من الجزائريين.

وفي سياق متصل أكد جان نويل بارو وزير الخارجية الفرنسي اليوم الثلاثاء أن ستيفان روماتيه السفير الفرنسي في الجزائر لا يزال في باريس منذ منتصف أبريل/نيسان وأن الأوضاع "عالقة" بين البلدين.

وقال بارو في تصريح لإذاعة "RTL" "في هذه المرحلة الافق مسدود والأمر يعود إلى السلطات الجزائرية". وندد مرة أخرى بقرار الجزائر طرد دبلوماسيين فرنسيين ووصفه بـ"العنيف للغاية"، مشددا على الوضع "الصعب جدا" لصنصال وحذر قائلا "لدينا مصلحة في ألا نجعل من الجزائر مسألة للسياسة الداخلية".

وشدد على أنه "عندما نفعل ذلك، فإننا نجازف بإلحاق الأذى بمواطنينا الفرنسيين الجزائريين، وعندما تكون العلاقة متوازنة إلى حد ما، نحصل على نتائج"