أول قمر سعودي لمناخ الفضاء يتجهز للانطلاق بدفعة من ناسا

الرياض توقع اتفاقية تنفيذية مع وكالة الفضاء الأميركية لإطلاق ضمن مهمة "أرتميس 2" تعزيزًا لدورها العالمي في المجال ولتوطين التقنية وتنمية الكفاءات ودعم الاقتصاد المعرفي.

الرياض - وقّعت المملكة العربية السعودية، ممثلة بوكالة الفضاء السعودية، اتفاقية تنفيذية مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لإطلاق أول قمر صناعي سعودي مخصص لدراسة مناخ الفضاء، وذلك ضمن مهمة "أرتميس 2" التاريخية.

وتأتي هذه الخطوة في إطار سعي المملكة لترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في قطاع الفضاء العالمي، وتعزيز مساهماتها في الأبحاث العلمية والتكنولوجية المتقدمة التي تخدم البشرية.

وجرى توقيع الاتفاقية التنفيذية على هامش زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة في 14 مايو/حزيران 2025، مما يعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتعزيز الشراكة في مجالات العلوم والتقنية والابتكار.

وتأتي هذه الاتفاقية في إطار تفعيل الاتفاقية الإطارية الشاملة التي وُقعت بين حكومتي البلدين في يوليو من عام 2024، ما يؤكد المسار الزمني المحدد لهذا التعاون الثنائي الطموح.

ويشكل هذا المشروع امتداداً لانضمام المملكة إلى "اتفاقية أرتميس" الدولية، التي تمثل تحالفاً عالمياً يضم العديد من الدول الرائدة ويهدف إلى استكشاف القمر والمريخ والكويكبات والمذنبات لأغراض سلمية. كما ستكون هذه أول مساهمة تقنية للمملكة في مجال دراسة مناخ الفضاء وتأثيراته على الأنظمة التقنية والاتصالات الفضائية.

سيكون القمر الصناعي السعودي من طراز "كيوب سات" (CubeSat)، وهو تصميم صغير الحجم بحجم علبة أحذية تقريباً، وسيتم إطلاقه على متن صاروخ نظام الإطلاق الفضائي (SLS) التابع لوكالة ناسا.

وسينفصل القمر الصناعي إلى مدار أرضي مرتفع بعد انطلاق مركبة أوريون الفضائية التي ستحمل طاقماً من أربعة رواد فضاء.

وتهدف مهمة القمر الصناعي السعودي المتخصص إلى تقديم دعم حيوي للأبحاث العلمية العالمية من خلال جمع بيانات دقيقة وشاملة حول النشاط الشمسي وتأثيراته المعقدة في الغلاف المغناطيسي للأرض.

سيقوم القمر بجمع معلومات عن الإشعاع الفضائي، والأشعة السينية الشمسية، والجسيمات الشمسية النشطة، والمجالات المغناطيسية، مما يساهم في تحسين فهمنا للبيئة الفضائية.

أبعاد استراتيجية واقتصادية مهمة

وتكتسب البيانات التي سيجمعها القمر الصناعي السعودي أهمية كبرى في تعزيز سلامة رواد الفضاء خلال مهماتهم الاستكشافية، وضمان استدامة أنظمة الاتصالات الحيوية والأقمار الصناعية التي تعتمد عليها حياتنا اليومية بشكل متزايد. كما ستساهم هذه البيانات في تطوير أنظمة التنبؤ بأحوال الطقس الفضائي، وهو ما يعد أمراً بالغ الأهمية لحماية البنى التحتية الفضائية والأرضية من التأثيرات الضارة للنشاط الشمسي.

ولا تقتصر أهمية المشروع على الجانب العلمي فحسب، بل تتعداه إلى أبعاد استراتيجية واقتصادية مهمة. فهو يساهم بشكل فعال في جهود توطين تقنيات الفضاء المتقدمة داخل المملكة، وزيادة نسبة المحتوى المحلي في الصناعات الإستراتيجية ذات الأهمية الوطنية.

إضافة إلى البعد العلمي الدولي، تساهم هذه المهمة في تعزيز القدرات الوطنية وتنمية الكفاءات البشرية السعودية المتخصصة في مجالات علوم وتقنيات الفضاء المتقدمة، ويتماشى هذا التوجه مباشرة مع رؤية المملكة نحو بناء اقتصاد معرفي مستدام قائم على الابتكار وتطوير القدرات الوطنية في المجالات التقنية والعلمية الحديثة.

مشروع ضمن رؤية المملكة 2030 وبرنامج "ندلب"

تُعد هذه المهمة الفضائية إحدى المبادرات الرئيسية لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب)، وهو أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030 الطموحة على أرض الواقع. يهدف برنامج "ندلب" إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية عبر تعظيم القيمة المتحققة من قطاعي التعدين والطاقة والتركيز على محوري المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة.

وتأتي هذه المبادرة ضمن جهود المملكة الرامية إلى تحقيق مستهدفات رؤية 2030، التي وضعت ضمن أولوياتها التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، وتطوير قطاع الفضاء كأحد محركات النمو المستقبلي. يعمل برنامج "ندلب" على توطين الصناعات الواعدة، بما فيها صناعة الفضاء، وتعزيز المحتوى المحلي في القطاعات غير النفطية.

ومن المتوقع أن تسهم هذه المبادرة في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للصناعة في السعودية، التي تهدف إلى مضاعفة حجم الناتج المحلي الصناعي، وزيادة قيمة الصادرات الصناعية، وتوفير عشرات الآلاف من الوظائف للشباب والكوادر الفنية بالمملكة. وكشفت إحصائيات حديثة أن قطاعات برنامج "ندلب" تساهم في 35% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وتغطي أكثر من 90% من إجمالي الصادرات غير النفطية، وهي مسؤولة عن أكثر من 60% من الوظائف الجديدة للسعوديين والسعوديات.

تندرج هذه المهمة الطموحة أيضاً ضمن الجهود الحثيثة التي تبذلها وكالة الفضاء السعودية المستمرة لتعزيز التعاون الدولي المثمر في مجال استكشاف الفضاء. وتهدف الوكالة من خلال المشاركة في مثل هذه المشاريع العلمية الكبرى إلى تفعيل دور المملكة وإسهاماتها في خدمة مستقبل البشرية جمعاء وتطوير المعرفة الإنسانية في مجال الفضاء.

تعد المشاركة السعودية في برنامج "أرتميس" خطوة استراتيجية مهمة، حيث تعتبر مهمة "أرتميس 2" أول مهمة مأهولة ضمن البرنامج، وستحمل على متنها أربعة رواد فضاء للتحليق حول القمر في مسار عودة حرة. وتعمل ناسا مع عدة وكالات فضاء دولية لإطلاق أقمار صناعية صغيرة (CubeSats) على متن "أرتميس 2"، مما يوفر فرصة للدول للوصول إلى بيئة المدار الأرضي المرتفع وإطلاق حمولات فضائية كجزء من حملة ناسا لاستكشاف الفضاء.

ومع استعداد المملكة لإطلاق أول أقمارها الصناعية لدراسة مناخ الفضاء بالتعاون مع "ناسا"، فإنها تدخل فعلياً مرحلة جديدة من حضورها العلمي والتقني على الساحة الدولية. ويتوقع أن يشكل هذا المشروع بوابة لانطلاق المزيد من الإنجازات الفضائية السعودية، التي تجمع بين الطموح والرؤية، وتسعى لصنع المستقبل من خلال الاستثمار في العلوم والتقنيات المتقدمة.

كما يُنتظر أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام مزيد من المشاريع المشتركة مع "ناسا" وغيرها من وكالات الفضاء العالمية، ما من شأنه تسريع تحقيق أهداف المملكة في هذا القطاع الواعد. وتؤكد هذه الشراكة على مكانة السعودية المتنامية في مجال الفضاء، وقدرتها على المساهمة بفاعلية في المشاريع العلمية الدولية الكبرى.