عقوبات أميركية على الجيش السوداني بسبب استخدام أسلحة كيميائية

العقوبات ستؤدي إلى تصعيد واضح في الموقف الأميركي، وهو ما يُضعف من مصداقية الجيش السوداني في رواياته الرسمية خاصة من حيث اتهام الدعم السريع والامارات.
العقوبات الأميركية تعني مزيداً من العزلة الدولية للبرهان وللحكومة السودانية
السودان يجدد اتهاماته للامارات في محاولة للتهرب من مسؤولية استخدام السلاح الكيميائي
واشنطن تنتقل من فرض عقوبات على أفراد أو كيانات إلى اتهام مباشر لسلطات البرهان

واشنطن – يمثل قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على سلطة الأمر الواقع في السودان بسبب استخدام الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان أسلحة كيميائية بعضها في مناطق آهلة بالسكان، نقطة تحول مفصلية في المواقف الدولية من أحد أطراف النزاع المسلح. كما يضرب هذا الاتهام  بقوة مصداقية القوات السودانية ورواياتها واتهاماتها سواء لقوات الدعم السريع أو لأطراف خارجية سبق لبورتسودان أن اتهمتها بالتدخل في الصراع ومن ضمنها دولة الإمارات.
وتضع الاتهامات الأميركية ضغوطا هائلة على الحكومة السودانية مع تداعيات سلبية محتملة على الوضع الإنساني والسياسي والاقتصادي في بلاد تمزقها الحرب منذ ابريل/نيسان 2023. كما تشير العقوبات في توقيتها ومضمونها إلى التزام الولايات المتحدة بمحاسبة من ينتهكون الاتفاقيات الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل.

وتشير العقوبات إلى تصعيد واضح في الموقف الأميركي، وهو ما يُضعف من مصداقية الجيش السوداني في رواياته الرسمية، سواء تلك المتعلقة باتهام قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات، أو تلك التي يتهم فيها دولة الإمارات بتسليح هذه القوات. فمجرد اتخاذ واشنطن خطوة بهذا الحجم يوحي بتشكيكها في سردية الجيش، ويضع علامات استفهام حول مدى شفافية ومصداقية الاتهامات التي يوجهها."

واتهام الولايات المتحدة للجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية وفرض عقوبات تبعاً لذلك يحمل دلالات وتداعيات خطيرة على المستويات الدبلوماسية، والسياسية، والاقتصادية، والإنسانية، والقانونية حيث أن الخرطوم طرف في هذه الاتفاقية التي تحظر بشكل قاطع تطوير، إنتاج، حيازة، تخزين، نقل، واستخدام الأسلحة الكيميائية وبالتالي فان الاتهام باستخدامها يعني انتهاكاً صارخاً لالتزاماته الدولية. 

واستخدام الأسلحة الكيميائية كذلك يعتبر جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي وبالتالي فان الاتهام الاميركي يشير الى أن الجيش السوداني انتهك قانون مكافحة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وإزالة أسلحة الحرب لعام 1991.

وقد استندت الولايات المتحدة لهذا القانون في فرضها عقوبات على الجيش السوداني حيث تمثل خطوة تصعيدية كبيرة اذ تنتقل واشنطن من فرض عقوبات على أفراد أو كيانات لدورهم في النزاع، إلى اتهام مباشر لسلطة الأمر الواقع بقيادة عبدالفتاح البرهان باستخدام أسلحة محظورة دوليا، مما يعكس جدية واشنطن في معالجة هذه القضية.
ويعتقد أن الاتهام يضرب بقوة مصداقية الجيش السوداني وسمعته الدولية، ويضعه في موقف صعب أمام المجتمع الدولي كما أن العقوبات ستزيد من عزلة الحكومة السودانية في بورتسودان، وتجعل من الصعب عليها الحصول على دعم دولي أو التعامل مع المنظمات المالية العالمية.

وبالتالي فان العقوبات ستحد من قدرة السودان على استيراد السلع والخدمات الأميركية، مما يؤثر على قطاعات حيوية.
وهذا التور سيؤدي في النهاية لصعوبة كبيرة في الحصول على تمويل من المؤسسات المالية الأميركية أو المؤسسات التي تعتمد على الدولار الأميركي، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على البلاد المنهكة بالفعل من الحرب. وقد تنفر هذه العقوبات المستثمرين الأجانب من السودان، مما يزيد من تدهور الوضع الاقتصادي. وقد تواجه المعاملات المالية الدولية صعوبات، مما يؤثر على التجارة والتحويلات.

 ويعتقد أن الاتهام الاميركي سيكون له تداعيات دبلوماسية وسياسية على سلطة الأمر الواقع في السودان من ذلك أن تحذو دول أخرى حذو الولايات المتحدة في فرض عقوبات أو ممارسة ضغوط دبلوماسية على السودان.
كما ان العقوبات قد تؤثر سلبا على أي جهود دبلوماسية لحل النزاع، حيث تضعف موقف الحكومة السودانية وتزيد من حالة عدم الثقة وقد قد تفتح الباب أمام تحقيقات دولية ومطالبات بالمحاسبة أمام المحكمة الجنائية الدولية أو آليات عدالة أخرى.
وتكشف هذه الخطوة عمق الأزمة التي تعيشها الحكومة السودانية حيث سلطت الضوء على حجم الانتهاكات التي يرتكبها الجيش فاستخدام هذا النوع من الأسلحة المحرّمة دولياً لا يعبّر فقط عن تجاوز خطير للقوانين الدولية، بل يكشف أيضاً مدى الاستهانة بأرواح المدنيين، إذ تشير تقارير إلى أن هذه الأسلحة استُخدمت في مناطق مأهولة بالسكان، ما يشكل انتهاكاً صريحاً لقوانين الحرب.
وتُظهر الاتهامات الموجهة للجيش السوداني أنه لم يكتفِ بتكتيكات القتال التقليدية، بل تجاوزها إلى ممارسات تُعد جرائم حرب، خاصة مع تسجيل استهداف متكرر للمدنيين وتدمير البنية التحتية في مناطق النزاع. هذه الانتهاكات المتكررة، التي تتنافى مع أبسط قواعد الاشتباك العسكري والإنساني، تعكس سياسة ممنهجة للترهيب وفرض السيطرة باستخدام أدوات تدميرية لا تفرق بين مقاتل ومدني.
وتعني هذه العقوبات الأميركية مزيداً من العزلة الدولية للحكومة السودانية وللفريق البرهان تحديداً، حيث ستُفاقم من تدهور علاقات السودان مع الدول الكبرى وتقلّص من فرص دعمه على الساحة العالمية. كما أن هذه الخطوة مرشحة لأن تُتبَع بإجراءات إضافية من قبل دول ومنظمات أخرى، وهو ما سيعمّق من أزمة الحكم ويزيد من الضغط الدولي لدفع نحو محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وإيجاد مخرج سياسي ينهي النزاع الدامي في البلاد.
وجاء في بيان للخارجية الأميركية "تدعو الولايات المتحدة حكومة السودان إلى التوقف عن استخدام كل الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها" بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وهي معاهدة دولية وقعتها تقريبا كل الدول التي تحظر استخدامها.

تدعو الولايات المتحدة حكومة السودان إلى التوقف عن استخدام كل الأسلحة الكيميائية

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس في بيان إن "الولايات المتحدة ملتزمة تماما محاسبة المسؤولين عن المساهمة في انتشار الأسلحة الكيميائية". ولم تكشف الخارجية على الفور أي تفاصيل على صلة بالمكان أو الزمان الذي استخدمت فيه هذه الأسلحة.

في المقابل رفض السودان هذه الخطوة، ووصف الاتهامات بأنها باطلة.

وقال المتحدث باسم الحكومة خالد الإعيسر اليوم الجمعة "هذه التدخلات، التي تفتقر إلى الأساسين الأخلاقي والقانوني، تُفقد واشنطن ما تبقى لها من مصداقية، وتُغلق أمامها أبواب التأثير في السودان بفعل قراراتها الأحادية والمجحفة".

وفي محاولة للتفصي من المسؤولية هاجم السودان دولة الامارات في تكرار لتصريحات سابقة حيث قال  قال مصدر دبلوماسي سوداني "الغاية من العقوبات تشتيت الانتباه عن الحملة الأحدث في الكونغرس ضد الإمارات".

وأكد المصدر أن الولايات المتحدة كان بإمكانها اللجوء إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية للتحقيق في هذه الادعاءات لكنها لم تفعل ذلك.

وأوردت صحيفة نيويورك تايمز في يناير/كانون الثاني أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في مناسبتين على الأقل في مناطق نائية خلال حربه مع قوات الدعم السريع.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين لم تسمّهم قولهم إن السلاح يبدو أنه غاز الكلور الذي يمكن أن يسبب ألما شديدا في الجهاز التنفسي والموت.
وقالت وزارة الخارجية إنها أبلغت الكونغرس الخميس بقرارها المتّصل باستخدام الأسلحة الكيميائية، لتفعيل عقوبات بعد 15 يوما. وتشمل العقوبات قيودا على الصادرات الأميركية والتمويل لحكومة السودان. ويشهد السودان منذ أبريل/نيسان 2023 حربا دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقد حث فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان اليوم الجمعة الأطراف المتحاربة في جنوب السودان على "الابتعاد عن حافة الهاوية"، محذرا من أن وضع حقوق الإنسان معرض لمزيد من التدهور مع احتدام القتال.

وأضاف تورك "تصاعد الأعمال القتالية في جنوب السودان ينذر بخطر حقيقي يتمثل في تفاقم وضع حقوق الإنسان والوضع الإنساني المتردي أصلا، وتقويض عملية السلام الهشة في البلاد". ومضى يقول "على جميع الأطراف الابتعاد عن حافة الهاوية فورا".

وأسفر النزاع في السودان عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص ونزوح 13 مليونا، وتسبب بما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.
وأعلن الجيش الثلاثاء بدء عملية عسكرية "واسعة النطاق" تهدف الى طرد قوات الدعم السريع من آخر معاقلها في جنوب وغرب أم درمان و"تطهير" كامل منطقة العاصمة.