
البعثة الأممية تطالب بتوافق في ليبيا لتشكيل حكومة جديدة
طرابلس - أكدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، هانا تيتيه، على ضرورة اتباع مسار سياسي توافقي في أي خطوة لتشكيل حكومة جديدة، محذّرة من مخاطر التحركات الأحادية الجانب التي قد تزيد الانقسام وتعقّد فرص التوصل إلى حل شامل في البلاد.
جاءت تصريحات تيتيه خلال مقابلة تلفزيونية بثتها قناة "العربية الحدث" مساء الخميس، حيث تناولت خلالها ملفات تشكيل الحكومة الجديدة، والانتخابات، والمظاهرات الشعبية المتزايدة ضد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، خاصة بعد الاشتباكات المسلحة الأخيرة في العاصمة طرابلس.
وشددت المبعوثة الأممية على أن "الحديث عن تشكيل حكومة جديدة يحتاج إلى مسار سياسي توافقي يفضي إلى رئيس وزراء تقبله جميع الأطراف"، مضيفة أن "أي طرف يريد تغيير الحكومة عليه أن يفكر في ما جرى الاتفاق عليه مسبقًا"، في إشارة إلى الالتزامات القانونية والدستورية التي تشكل أساساً لشرعية أي سلطة تنفيذية جديدة.
واعتبرت أن محاولات مجلس النواب السابقة لتشكيل حكومة بديلة عن حكومة الوحدة الوطنية "لم تحظَ بقبول واسع"، مما يدل – بحسب قولها – على أن "التحركات الأحادية لن تنجح"، مؤكدة أن "المشاورات الوطنية الشاملة هي السبيل الوحيد لبناء توافق جديد يحظى بدعم غالبية الليبيين".
وحول موقف المجتمع الدولي من حكومة الدبيبة، قالت تيتيه "ما زال المجتمع الدولي يعترف بحكومة الوحدة الوطنية"، لكنها أقرت بأن "الحكومة تواجه مظاهرات ورفضاً من قبل المدنيين، لا سيما في طرابلس وغرب ليبيا".
وأضافت "هل الوضع مثالي؟ كلا. هل تفويض حكومة الوحدة الوطنية انتهى؟ نعم. وهل حكومة حماد تفتقر للاعتراف الدولي؟ نعم. هذه هي معالم الوضع الراهن الذي يجب أن نتعامل معه".
واعتبرت أن المضي في تغيير الحكومة من دون توافق أو شرعية سيؤدي إلى "مزيد من الانقسامات"، داعية جميع الأطراف الليبية إلى "التحلي بالمسؤولية الوطنية وتغليب الحوار على التصعيد".
وفيما يخص ملف الانتخابات، أوضحت تيتيه أن "ليبيا ليست مستعدة لتنظيم انتخابات الآن"، مشيرة إلى أن البعثة الأممية "تعمل على قيادة عملية سياسية تهدف إلى التوافق على سبل تنظيم الانتخابات بشكل قانوني ومنظم".
وكشفت تيتيه أن اللجنة الاستشارية التي شكلتها البعثة طرحت أربعة مقترحات رئيسية لتحديد مسار الانتخابات وتتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة وكذلك إجراء انتخابات برلمانية أولاً، يعقبها صياغة دستور جديد والتركيز على إعداد الدستور قبل الانتخابات وكذلك إطلاق حوار وطني جديد استناداً إلى المادة 46 من الإعلان الدستوري في حال عدم قبول الشعب بالمقترحات السابقة.
وأوضحت أن هذه الخيارات "تمثل خارطة طريق مرنة، يمكن من خلالها إشراك مختلف الأطراف الليبية، مع ضرورة ضمان وجود الآليات القانونية والتنظيمية اللازمة لإجراء أي انتخابات مستقبلية".

وفي إطار سعي البعثة الأممية للتقرب من نبض الشارع الليبي، لفتت تيتيه إلى أن "البعثة زارت مدينتي مصراتة والزنتان خلال اليومين الماضيين"، مضيفة أن الهدف من هذه الزيارات هو "الاستماع لآراء المواطنين، وجمع وجهات نظر الليبيين من مختلف المناطق"، مؤكدة "سنواصل هذه الزيارات ونسعى لتوسيع دائرة المشاورات".
وفي ما يتعلق بالإطار الزمني المتوقع للتوصل إلى توافق سياسي جديد، أشارت إلى أن اللجنة الاستشارية ترى أن "هذا الأمر يمكن تحقيقه خلال ستة أشهر"، شريطة أن "تكون أي مبادرة جديدة شاملة وغير إقصائية".
وحول المظاهرات التي خرجت مؤخراً في عدة مدن ليبية، طالبت بإقالة حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة جديدة، اعتبرت تيتيه أن البعثة الأممية "ليست في موقع يسمح لها بتقييم حجم هذه التظاهرات"، لكنها شددت في المقابل على "أهمية احترام حق المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم".
وقالت "حق التظاهر هو أحد حقوق الإنسان، ويجب أن يكون متاحاً لجميع الليبيين إذا لم يكونوا راضين عن الطريقة التي تسير بها الأمور"، مضيفة "لكن من المهم أيضاً أن لا تشهد هذه التظاهرات أعمال عنف، وأن تتم حماية حياة المواطنين وممتلكاتهم".
وأكدت أن البعثة تعمل مع كافة الأطراف المحلية لتجنب تصعيد الأوضاع الأمنية، مشيرة إلى "تعاون وثيق مع لجنة الهدنة والسلطات في طرابلس لتفادي تجدد الصراع المسلح".
ومن خلال تصريحاتها، بدت تيتيه واضحة في دعمها لمسار شامل لا يقصي أحداً، مشيرة إلى أن "الدعم الدولي سيبقى مرهوناً بالتوافق الوطني الليبي"، وأن أي حكومة تُشكّل دون هذا التوافق "ستفتقر للشرعية، وبالتالي يصعب على المجتمع الدولي التعامل معها".
وختمت المبعوثة الأممية تصريحاتها بالقول "نحن في لحظة حرجة. على الليبيين أن يقرروا هل يريدون مساراً يوحدهم أم يزيد من انقساماتهم. مهمتنا كبعثة أممية هي تسهيل التوافق، لكن القرار النهائي يظل بيد الليبيين أنفسهم".
وتأتي تصريحات تيتيه في وقت حرج تمر به ليبيا، بين صراع سياسي مزمن، وغضب شعبي متصاعد، وتوترات أمنية تنذر بتكرار سيناريوهات الماضي. وبينما تبدو طريق الحل شاقة ومعقدة، فإن موقف البعثة الأممية يبدو واضحاً: لا بديل عن التوافق، ولا مستقبل لليبيا إلا من خلال حوار وطني شامل يفضي إلى مؤسسات منتخبة وشرعية تُمثل إرادة الشعب.