منى خماش تميل في لوحاتها للمساحات الواسعة والألوان الحارة
تدمج التشكيلية الأردنية منى خماش في أعمالها العديد من العناصر الفنية والتقنيات مستكشفة الألوان والخطوط والمساحات البصرية التي تتحرك في إطار المدرستين التعبيرية والتجريدية، مع تأثر واضح بالمدرسة الوحشية لجهة الألوان القوية والخطوط الحرة والتشكيلات المتسمة بالعفوية.
والمدرسة الوحشية أو الفوفية هي حركة تميزت باستخدام ألوان غريبة صارخة وتحريف الأشكال بتغيير حجومها ونسبها وألوانها التقليدية.
وتتميّز أعمال خماش بالتبسيط الشكلي، إذ لا تُبدي عناية كبيرة بالتفاصيل الدقيقة، وإنما تميل إلى المساحات الواسعة والألوان الحارة، مجسدة عبر عدد من اللوحات عناصر من الطبيعة مثل الأشجار والبحيرات والبيوت القديمة والمقاعد البسيطة، بطريقة تراوح بين التجريد والواقعية إذ تظهر الأشكال على الأسطح بوضوح غير أنها تتمازج معًا كما لو كانت بقعًا لونية متجاورة أو أشكالًا ستنفلت من حدودها الصارمة وتنساب بحرية.
وتظهر في تكوينات الفنانة العناية بمفردتي الظل والضوء المسطح الذي يبرز الشكل ذا الألوان المفردة كما لو كان طبقة واحدة واضحة على سطح اللوحة، ما يمنح المشاهد إحساسًا بوجود طاقة داخلية في اللوحة، وكأنها تهرب من إطارها وتخرج عن طبيعتها التصويرية.
وتجلى أسلوب خماش الفني في معرضها "مساحات" الذي احتضنه غاليري نبض في عمّان وضم أعمالًا اعتمدت فيها على تقنيات الزيت على القماش والورق، حيث جاء هذا المعرض توثيقًا لتجربة فنية لها بصمتها، وقد استعرضت الفنانة في معرضها رؤيتها الخاصة والوجودية للعالم.
وقال الأكاديمي والناقد التشكيلي الدكتور مازن عصفور لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) في مارس/آذار الماضي على هامش حفل افتتاح "مساحات"، إن الفنانة التشكيلية خماش أظهرت في لوحات معرضها تفاعل أسلوبي وفكري مع المدرسة العالمية بما فيها تعمقها باللغة الفنية للفنان التشكيلي الفرنسي هنري ماتييس (1869-1954) أحد كبار المدرسة الفنية الوحشية بتدريجاتها الواسعة من الألوان المنتظمة، في رسوماته الإهليجية.
ولفت إلى أن التشكيلية خماش عالجت أسلوبية المدرسة الوحشية، بتدفقها ونكهتها الخاصة بها، مما أضفى على الأعمال جوا من الإمتاع الجمالي والبصري.
واشتغلت على التداخل بين الكتابة الأدبية والفن التشكيلي، وكانت قادرة على ترجمة الأفكار إلى صور، والقصص إلى ألوان، فقد أصدرت أعمالًا لاسيما في مجال أدب الطفل، منها "جمال الصحراء"، وهو كتاب موجّه للأطفال يعرّفهم بجماليات البيئة الصحراوية من خلال نصوص مبسطة ورسومات توضيحية، كما أصدرت كتابًا آخر بعنوان "نجمتي" الذي جمع بين القصص المصورة والرسائل ذات الطابع الفني والأدبي، حيث تمكنت من إثراء كلا الحقلين بالتجربة والممارسة، فأعمالها الفنية ذات طابع أدبي، وأعمالها الأدبية ذات طابع فني.
ومن الجوانب التي تميز أعمال منى خماش أنها تعبر عن انغماس الفنانة في بيئتها العربية، مصورةً البيوت الريفية التقليدية والأثاث البسيط كالأرائك والطاولات والمناظر الطبيعية واستلهام الفنون الإسلامية كالأرابيسك والزخرفة وتغيير الأحجام ونِسَبها، ومكّنها هذا الانغماس من التعبير عن هويتها الخاصة وانتمائها إلى الأرض، فهي تستوحي من محيطها المحلي ما يناسب تجربتها لتصدره إلى العالم، مؤكدة أن الفن يمكن أن يكون رحلة شخصية وجماعية في آن واحد، تحمل رسائل جمالية وإنسانية عابرة للحدود.
وتهتم خماش بـ"رؤية الفنان" في العمل الإبداعي، مؤكدة أن الفن لا يعني الإتقان التقني فقط، بل هو تعبير عن موقف داخلي مستمد من أعماق الذات. وتتجسد هذه الرؤية بوضوح في لوحاتها، فهي لا تحاول إرضاء ذائقة المتلقي قدر حرصها على تقديم تجربة شخصية ومتفردة.