الرباط تطلق خطة وطنية لتحديث الأسطول البحري التجاري

وزير النقل المغربي يؤكد أن الخطوة ستعزز من تنافسية البلاد وستلعب دورًا محوريًا في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.

الرباط - يخطو المغرب بثبات نحو تحديث وتقوية أسطوله البحري الوطني، في إطار رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى دعم الاقتصاد وتعزيز مكانته الإقليمية، خاصة في غرب إفريقيا، عبر تطوير البنية التحتية البحرية وتوفير وسائل لوجستية متقدمة. وقد أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس، في أكثر من مناسبة، على أهمية تطوير الاقتصاد البحري وتوفير أسطول تجاري وطني قوي وتنافسي يواكب التحولات العالمية ويدعم التكامل الاقتصادي للمملكة.
وفي هذا السياق، أعلن وزير النقل المغربي، عبدالصمد قيوح، الاثنين، أمام مجلس النواب، أن وزارته بصدد إعداد دراسة شاملة لإطلاق استراتيجية وطنية لتقوية الأسطول البحري المغربي، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستعزز من تنافسية البلاد وستلعب دورًا محوريًا في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
وأضاف قيوح أن الأسطول البحري المغربي عرف تراجعًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة، حيث انخفض من 70 باخرة للنقل في سبعينيات القرن الماضي إلى حوالي 15 باخرة فقط في الوقت الحالي، معظمها مملوكة لأجانب. هذا التراجع، بحسب الوزير، يستدعي تحركًا سريعًا لاستعادة التوازن وبناء أسطول مغربي فعّال يسهم في تحقيق السيادة اللوجستية.
ومن المنتظر أن تنتهي الوزارة من إعداد الدراسة في غضون شهر، ما يمهّد الطريق لمرحلة جديدة من التحول في قطاع النقل البحري بالمملكة. وتنسجم هذه الخطوة مع توجيهات سابقة لوزير النقل السابق، محمد عبدالجليل، الذي أعلن في أكتوبر/تشرين الاول 2023، أن المغرب بصدد إطلاق استراتيجية طموحة ترمي إلى بناء سفن تجارية كبرى، وعدم الاكتفاء بسفن الصيد التقليدية.
وأشار عبدالجليل آنذاك إلى أن الاستراتيجية البحرية المغربية تهدف بحلول 2030 إلى خلق صناعة وطنية بحرية متكاملة، تتضمن أسطولًا من 100 سفينة على الأقل، ما يعكس الطموحات الكبرى التي تراهن عليها الحكومة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز دور المملكة في التجارة البحرية الإقليمية والدولية.
وتتمتع البنية التحتية البحرية في المغرب بإمكانيات قوية ومؤهلات استراتيجية، خصوصًا بفضل الموانئ الكبرى كميناء طنجة المتوسط، الذي يُعد من بين أهم الموانئ في البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب موانئ أكادير والدار البيضاء والعيون. ومن خلال تطوير أسطول بحري وطني متكامل، يُمكن للمغرب أن يستغل هذه القدرات البحرية على أكمل وجه، ويحقق تكاملًا اقتصاديًا فعالًا، خاصة مع دول غرب إفريقيا، التي تربطها مع المملكة علاقات اقتصادية وتجارية متنامية.
وفي خطاباته الملكية، شدد الملك محمد السادس مرارًا على أهمية تطوير الاقتصاد الأزرق، وبناء منظومة بحرية وطنية متكاملة تساهم في تسهيل الربط بين مكونات الساحل الأطلسي، لا سيما في الأقاليم الجنوبية، وتوفير وسائل النقل والمحطات اللوجستية الحديثة. كما دعا إلى التفكير الجاد في تكوين أسطول بحري تجاري وطني قوي وتنافسي يضمن للمغرب موقعًا استراتيجيًا في خارطة النقل البحري العالمي.
وتُظهر البيانات الحكومية أن قطاع صناعة السفن في المغرب حقق أرباحًا سنوية بلغت نحو 500 مليون درهم (50 مليون دولار) بين عامي 2013 و2022، وذلك بالتركيز على عمليات الإصلاح والصيانة وبناء قوارب الصيد. غير أن التوجه الجديد يطمح لتوسيع نطاق هذه الصناعة لتشمل السفن التجارية الكبرى، ما سيُتيح للمغرب خلق فرص شغل جديدة، وجذب استثمارات أجنبية، وتطوير قدراته التصديرية.
ويُنتظر أن تساهم هذه الاستراتيجية في تحسين الأمن البحري الوطني، وتسهيل عمليات التبادل التجاري، وزيادة القدرة التنافسية للمغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، في ظل التحديات الجديدة المرتبطة بسلاسل التوريد العالمية.
في المحصلة، فإن المغرب يتجه نحو إرساء دعائم صناعة بحرية حديثة وفعالة، يكون فيها الأسطول الوطني أحد الركائز الأساسية. وهو توجه يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تؤكد أن البحر لم يعد مجرد فضاء جغرافي، بل محرك تنموي واقتصادي يعوّل عليه في رسم ملامح مستقبل المملكة.