حزب الله يستخدم أنصاره لتقييد تحرك اليونيفيل
بيروت - تتزايد حوادث الاعتراض والتضييقات التي تتعرض لها قوة حفظ السلام الأممية "اليونيفيل" في لبنان، من قبل أنصار حزب الله الذين لا يزالون تحت وقع صدمة انسحاب الجماعة المدعومة من إيران من المنطقة الحدودية مع إسرائيل تنفيذا لوقف إطلاق النار الذي أنهى حربا أدت إلى تراجع القدرات العسكرية للحزب وتحجيم نفوذه السياسي.
ويهدف أنصار الحزب من خلال هذه الاعتراضات إلى تقييد حرية حركة اليونيفيل وإضعاف قدرتها على تنفيذ مهامها بشكل كامل، خاصة بعد التعديلات الأخيرة التي مُنحت بموجبها صلاحيات أوسع بالتحرك دون مرافقة الجيش اللبناني في بعض الحالات.
وتُستخدم هذه الحوادث كرسائل موجهة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي، مفادها أن الجماعة الشيعية هي الفاعل الأمني الرئيسي في جنوب لبنان، وأن أي محاولة لتجاوز دورها أو تقييد حركتها ستواجه مقاومة.
وتدل هذه التضييقات على عدم رضا حزب الله عن بعض جوانب تفويض اليونيفيل، لا سيما ما يتعلق بتطبيقه للقرار 1701 الذي يدعو إلى نزع سلاح الجماعات، جنوب الليطاني.
ويعتقد أن الحزب وأنصاره يرون في وجود اليونيفيل عائقا أمام تحركاتهم أو مصدرًا للمعلومات التي قد تُستخدم ضدهم، خاصة مع مطالب إسرائيل بتعديل مهام القوة الأممية أو حتى إنهاء وجودها.
واعترض عدد من الأشخاص اليوم السبت دورية تابعة للقوة الأممية في تل أبل - خراج ابل السقي في الجنوب بسبب عدم مرافقة الجيش اللبناني، وفق الوكالة الوطنية للإعلام.
واستنكر رئيس بلدية البلدة جورج رحال الحادثة، مشيرا إلى أنها "تتعارض كليا مع مبادئ وأخلاق الأهالي"، فيما تأتي هذه الواقعة بعد يوم من طلب قدمه لبنان إلى الأمم المتحدة بتجديد ولاية "اليونيفيل" لمدة سنة إضافية تبدأ في 31 أغسطس/آب 2025، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الأميركية والإسرائيلية لتعديل مهام هذه القوة وتوسيع صلاحياتها، وسط دعوات لتمكينها من التحرك بحرية أكبر وربما توسيع نطاق عملها شمال نهر الليطاني، بالإضافة إلى مطالبات بإشراف أكبر على مستودعات السلاح في الجنوب.
وتخشى الحكومة اللبنانية من أي تغيير في التفويض الحالي لليونيفيل، معتبرة أن أي تعديل قد ينعكس سلبا على الاستقرار في الجنوب، وتؤكد في المقابل على أهمية استمرار دورها كما هو، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
وتأتي هذه التطورات في ظل تكرار الحوادث الأمنية بين الجيش الإسرائيلي وقوات اليونيفيل على طول الخط الأزرق، حيث أعربت قيادة القوة الأممية مؤخرا عن قلقها من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مواقعها ودورياتها، مطالبة جميع الأطراف باحترام سلامة وأمن قوات حفظ السلام.
ورغم سريان وقف لإطلاق النار أنهى مواجهة مفتوحة لشهرين بين حزب الله واسرائيل، أعقبت نحو عام من تبادل القصف، تشنّ اسرائيل باستمرار غارات على لبنان، خصوصا في الجنوب حيث توقع قتلى.
ونصّ الاتفاق بوساطة أميركية على انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالي 30 كيلومترا من الحدود) وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة اليونيفيل.
كما نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، لكن اسرائيل أبقت على وجودها في خمس مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها.
وتكرر الدول العبرية أنها ستواصل العمل "لإزالة أي تهديد" ضدها، ولن تسمح للحزب بإعادة تأهيل بنيته العسكرية. وتوعّدت الشهر الحالي بمواصلة شنّ ضربات ما لم تنزع السلطات سلاح حزب الله.
وفي تطور ميداني قتل شخص اليوم السبت في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في جنوب لبنان، على ما أفادت وزارة الصحة اللبنانية، على رغم سريان وقف لإطلاق النار بين حزب الله واسرائيل.
وتأتي هذه الغارة غداة مقتل امرأة وإصابة 25 شخصا بجروح بحسب وزارة الصحة في غارات ندّد بها المسؤولون اللبنانيون على رأسهم رئيس الجمهورية جوزيف عون الذي دعا إلى "تحرّك فاعل من المجتمع الدولي لوضع حدّ لهذه الاعتداءات".
وقالت الوزارة إن المرأة قتلت وأصيب 14 آخرون بجروح في غارة اسرائيلية طالت مبنى سكني في مدينة النبطية في جنوب لبنان. في المقابل، نفى الجيش الاسرائيلي استهداف المبنى وقال إنه أصيب "بقذيفة صاروخية كانت داخل الموقع وانطلقت وانفجرت نتيجة الغارة".
وأصيب 7 أشخاص بحسب الوزارة في ضربات عنيفة في منطقة النبطية، بينما أصيب 4 آخرون في غارة أخرى على بلدة شقرا.
وكان الجيش الاسرائيلي أفاد بأن طائراته قصفت في منطقة الشقيف المجاورة للنبطية "موقعا كان يُستخدم لإدارة أنظمة النيران والحماية لحزب الله، ويعد جزءا من مشروع تحت الأرض تم إخراجه عن الخدمة" نتيجة غارات سابقة.
وأشار إلى أنه رصد "محاولات لإعادة إعماره، ولذلك تمت مهاجمة البنى التحتية الإرهابية في المنطقة"، محذرا من أن "وجود هذا الموقع ومحاولات إعماره تشكل خرقا فاضحا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان".
واعتبر الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في وقت لاحق من اليوم السبت أن الغارات الإسرائيلية المتواصلة في لبنان منذ وقف إطلاق النار هي أمر "مرفوض" و"لا يمكن أن يستمر"، في وقت قتل ثلاثة أشخاص بقصف اسرائيلي في جنوب البلاد.
وقال قاسم في كلمة بثّتها قناة المنار التابعة لحزب الله "نحن التزمنا بالاتفاق، والإسرائيلي لم يلتزم"، مضيفا "هنا أعتبر أن العدوان الذي يحصل، والخروقات التي تحصل، مسؤولية على الدولة اللبنانية".
واضاف أن "العدوان على النبطية، على المرأة والناس، العدوان على من يعمل في سلك الصيرفة، كل هذه الأمور، حتى العدوان على أي مواطن في الجنوب، هو عدوان مرفوض مئة بالمئة، وهذا يجب ألا يكون. على الدولة أن تضغط، على الدولة أن تقوم كل واجبها".
وتابع "يجب أن تعرفوا أن هذا أمر لا يمكن أن يستمر، هي فرصة الآن يقولون، وكم هي الفرصة؟ نحن نُحدد كم هي الفرصة، لكن هل تتصورون أننا سنبقى ساكتين إلى أبد الآبدين؟ لا، هذا كله له حدود".