ألف باء الإرهاب التي لم نتعلمها

سنكون موعودين بداعش في كل مكان تقرر المخابرات العالمية ضربه.

بدلا من أن يظهر في ديالى بالعراق، فاجأ تنظيم داعش العالم بظهوره في موسكو. فإذا كان التنظيم الارهابي قد وصل إلى هدفه حين أقام دولة الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق عام 2014 فما الذي يهدف إلى تحقيقه من خلال غزوة موسكو؟ وهل داعش العراق هو نفسه داعش موسكو؟ سيتعب المتخصصون بشؤون الإرهاب وداعش رأس سهمه أنفسهم في تحليل الظاهرة من غير أن يلتفتوا إلى حقيقة أن ذلك التنظيم لا وجود له إلا على منصات الدعاية التي تُدار بطريقة متقنة من قبل أجهزة المخابرات العالمية. داعش لافتة براقة ومغرية تعمل تحتها شركات أمنية وجيوش من المرتزقة وما من رابط بين تلك الشركات والجيوش إلا ما اقترحته الأجهزة نفسها حين أطلقت مصطلح "الإسلام السياسي" تيمنا بتجربتي جماعة الإخوان المسلمين في مصر والمشروع الإيراني القائم على مبدأ تصدير الثورة الذي اعتبره الخميني عمودا فقريا لجمهوريته لإسلامية.

كانت المانيا قد انتهت من مسألة العنف على أراضيها وأغلقت ملفه حين تمكنت من القبض على جماعة الجيش الأحمر "بادر مايهنوف" وهو ما فعلته ايطاليا حين القت القبض على أعضاء تنظيم الألوية الحمراء أو قتلتهم. كان التنظيمان اليساريان المتطرفان قد نشرا الرعب في الدولتين في سبعينات القرن الماضي. غير أن كل امرأة وكل رجل قاتل في صفوفهما كانت له هوية محددة وكان يقاتل من أجل مبادئ معينة ولم يضربا عشوائيا بالرغم من أن مدنيين قد سقطوا بسبب عملياتهما الإرهابية. من جهة أخرى لم يثبت القضاءان الالماني والإيطالي أن التنظيمين كانا مرتبطين بجهات أجنبية تقوم بتمويلهما. أما داعش فيكاد أن يكون تنظيما عالميا وليس غطاء الإسلام السياسي سوى كذبة يُراد منها إلقاء عمليات العنف ضد المدنيين على الإسلام باعتباره شماعة للحرب الساخنة التي بدأت مظهريا مع غزوة نيويورك فيما هي في حقيقتها تعود إلى اليوم الذي تأسست فيه إسرائيل. حرب شهد العالم العربي بسببها انهيارات متتالية.

لقد تم اختراق العالم العربي بطريقة خبيثة ومعادية منذ ذلك اليوم المشؤوم. تجرع العرب السم على شكل دفعات، فمزقتهم الأحزاب بدلا من أن توحدهم. قادتهم الثورات إلى تأليه الحكام الثوريين التقدميين بدلا من أن يضعوهم في خدمتهم. بنوا مؤسسات، غير أنها كانت حزبية أكثر مما تكون مجتمعية. رفعوا شعارات الوحدة وفي حقيقتهم كانوا يعملون على الفرقة. أما حين انتهوا إلى ربيعهم فقد تبين لهم أن الأنظمة السياسية التي مسختهم وسيرتهم في خدمتها وامتهنت كرامتهم لم تكن سوى ركام من القش طار في الهواء مع أول نفخة أتت من الخارج. أنا هنا أستعيد تجربة سبعين سنة من المحاولة ضاعت من غير أن يحصد منها العرب شيئا ينفعهم. وما كان ذلك يحدث لولا أن المجتمعات العربية بدءا بأنظمتها السياسية كانت مخترقة ولم تفد الشعارات القومية في تحصينها وطنيا. وإلا ما معنى القول المشاع الذي يتماهى قائلوه مع كذبة أن صدام حسين قد أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لاحتلال الكويت؟

ليس داعش سوى واحد من دبابيس الاختراق التي تم استحداثها بعد احتلال العراق. شركة أمنية يمكن أن يجتمع أفرادها وأن يتفرقوا حسب الحاجة إليهم. لا نضال ولا أهداف ولا يسار ولا ثورة كما كان الحال مع بادر مايهنوف أو الألوية الحمراء. هناك أرقام هواتف وعناوين بريد الكتروني ووسائل اتصال الكتروني ومنصات محادثة وجماعات تتبادل الحديث فيما بينها من أجل مساحة جديدة للقتل. كل الحديث عن العقيدة هو خداع وتضليل. يمكن استعمال اسم داعش في أية ممارسة للعنف بغض النظر عن الجهة المستفيدة منها. المهم هنا أن يُحمل الإسلام والمسلمون شبهة العنف التي الصقت بهما عالميا منذ حادثة القتل التي تعرض لها صحفيو جريدة فرنسية نشرت صورا ساخرة تسيء إلى النبي العربي.

سنكون موعودين بداعش في كل مكان تقرر المخابرات العالمية ضربه. فهل علينا أن نصدق أن "الإسلام السياسي" صار قوة عالمية؟ ذلك السؤال موجه إلى مَن لا يزال على يقين من أن المسلمين يملكون قوة المنازلة داخل أراضيهم وخارجها بالكفاءة نفسها انطلاقا من مبدأ تصدير الثورة ووهم احتلال روما. ذلك سيرك يتم تغيير اللاعبين فيه أما المشاهدون فإنهم لا يملكون سوى الصراخ. وليست مهمة وجوه اللاعبين ولا هوياتهم ولا عقائدهم. ما يهم أنهم يحملون لافتة واحدة.