اعتراف فرنسي بالقمع الدامي في حق الجزائريين

ملف الذاكرة يشهد شد وجذب مستمر مع بعض التحركات الفرنسية لتنكأ جراحه وأخرها مشروع إقامة تمثال للعقيد مارسيل بيجيرد المعروف بدوره في تعذيب الجزائريين.

باريس - تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية الخميس مشروع قرار "يندد بالقمع الدامي والقاتل" في حق الجزائريين، في “مذبحة” 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس التي ارتكبتها الشرطة تحت سلطة موريس بابون وقتل خلالها ما بين ثلاثين إلى أكثر من 200 متظاهر جزائري سلمي، بحسب المؤرخين، في نص له أهمية رمزية في المقام الأول.

و يدعم النص“إدراج يوم لإحياء ذكرى المذبحة” في “جدول الأيام الوطنية والمراسم الرسمية”. وأيد 67 نائبا وعارض 11 من صفوف التجمع الوطني اليميني المتطرف مقترح القرار الذي قدّمته النائبة عن حزب “الخضر” صابرينا صبايحي والنائبة عن الغالبية الرئاسية جولي ديلبيش.

ورحبت صبايحي مسبقا بـ”التصويت التاريخي” الذي يشكل “محطة أولى في العمل على الاعتراف بهذه الجريمة الاستعمارية والاعتراف بجريمة الدولة هذه”.

ولا ترد عبارة “جريمة دولة” في النص الذي تطلبت صياغته نقاشات متكررة مع الرئاسة الفرنسية، في حين ما زالت المواضيع المتعلقة بالذاكرة تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين فرنسا والجزائر.

 عبارة “جريمة دولة” لا ترد في النص الذي تطلبت صياغته نقاشات متكررة مع الرئاسة الفرنسية، في حين ما زالت المواضيع المتعلقة بالذاكرة تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين فرنسا والجزائر.

وأكد النائب السابق فيليب غيومار الذي شارك في العمل مع صبايحي أن النقاشات كانت “كثيرة” وأن النص المقترح “مشغول كلمة بكلمة” لكي يكون “منسجما” مع مواقف فرنسا.

ويأتي تصويت النواب بعد أسابيع قليلة من إعلان الإليزيه عن زيارة دولة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “في نهاية أيلول/سبتمبر وبداية تشرين الأول/أكتوبر”.

وذكرت الوزيرة المنتدبة المكلفة الجماعات المحلية دومينيك فور في كلمتها أن التظاهرة “قمعت بعنف من قبل المصالح العاملة تحت سلطة مدير الشرطة في ذلك الوقت، موريس بابون”، وشهدت “بالإضافة إلى الكثير من الجرحى، مقتل عدة عشرات ألقيت جثثهم في نهر السين”.

وأضافت فور “نفكر اليوم من هذا المنبر في هؤلاء الضحايا وعائلاتهم الذين تضرروا بشدة من دوامة العنف”، أمام أعين ممثلي الجمعيات الذين ظلوا يطالبون منذ عدة سنوات بهذا الاعتراف.

وأشارت إلى العمل على الذاكرة الذي تم إنجازه للاعتراف بالمجزرة. في عام 2012، كرم الرئيس فرانسوا هولاند ذكرى ضحايا “القمع الدامي” الذي تعرض له هؤلاء النساء والرجال الذين تظاهروا من أجل “الحق في الاستقلال”.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021، اعتبر خلفه إيمانويل ماكرون أن “الجرائم التي ارتكبت في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 تحت سلطة موريس بابون لا تُغتفر بالنسبة للجمهورية”.

لكن فور أبدت تحفظاتها بشأن تخصيص يوم لإحياء الذكرى، مشددة على أن هناك ثلاثة مواعيد موجودة “لإحياء ذكرى ما حدث خلال حرب الجزائر”.

وأضافت الوزيرة “لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لكتابة هذا التاريخ، ولكن في رأيي هذا هو السبيل الوحيد لبناء مصالحة صادقة ودائمة. وأعتقد أنه من المهم أن نترك التاريخ يقوم بهذا العمل قبل التفكير في يوم تذكاري جديد محدد لضحايا 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961”.

والتحفظات تتقاسمها كتلتا “الحركة الديموقراطية” و”آفاق” وهما من الأغلبية، معتبرتين أنه “يجب أن يستمر العمل التاريخي”، وقد منحتا نوابهما حرية التصويت.

وأظهر جلّ الخطابات رغبة النواب في تكريم ضحايا 17 تشرين الأول/أكتوبر والاعتراف بمسؤولية السلطات في المجزرة، باستثناء ملحوظ لنائب حزب التجمع الوطني فرانك جيليتي الذي انتقد “الاتهامات الأحادية” و”التندّم المفرط” المبني على “أكاذيب”.

وأضاف “بطرحكم هذا القرار، فإنكم تسيرون على خطى إيمانويل ماكرون الذي يركع باستمرار أمام الحكومة الجزائرية”، وترددت إدانات لخطاب النائب في قاعة المجلس.

ويشهد هذا الملف شد وجذب مستمر إذ تظهر بعض التحركات الفرنسية بين فترة وأخرى لتنكأ جراح الذاكرة لدى الجزائريين وأخرها، مشروع إقامة تمثال للعقيد مارسيل بيجيرد بسبب دوره في الحرب الجزائرية واتهامات بتعذيب الجزائريين؛ حيث اعتبر بمثابة عقبة أمام مصالحة تاريخية حول الماضي الاستعماري.

ويتهم بيجيرد بتدبير وممارسة التعذيب ضد الجزائريين وقد وضع كتابا لمكافحة حرب العصابات، اعتبر دليلا على التعذيب، وهذا الدليل يشهد على رؤيته للحرب وأساليبها.

وأعرب مؤرخون وجمعيات عن سخطهم ورفضهم تمجيد مثل هذه الشخصية التي تعتبر من رموز الحرب الجزائرية. وينظر الكثيرون إلى إقامة تمثال تكريما لبيجيرد على أنها إهانة لذكرى الضحايا الجزائريين وهدد الاتحاد الجزائري باللجوء إلى القضاء.

وفي الرابع من الشهر الجاري طالبت عدة منظمات غير حكومية وجمعيات، لاسيما من المحاربين القدامى، بأن تعترف الدولة الفرنسية بـ”مسؤوليتها” عن ممارسة التعذيب خلال حرب الجزائر (1954 – 1962)، في مبادرة لـ”تهدئة” التوتر بين البلدين.

وكتبت قرابة عشرين منظمة في ملف أرسل إلى الإليزيه، وتم تقديمه في مؤتمر صحفي، أن “سلوك طريق فهم الدوامة القمعية التي أدت إلى ممارسة التعذيب، والذي شكل الاغتصاب أداته الأساسية ليس تعبيرا عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة”.

وانتشرت أثناء الاستعمار الفرنسي للجزائر أساليب تعذيب متعددة استخدمتها أفواج من المظليين الفرنسيين بشكل خاص، من بينها الإغراق واستخدام أسلوب الصدم الكهربائي عند الأعضاء التناسلية. وحُمل بيجيرد والجنرال جاك ماسو الذي كان يقود فرقة المظليين العاشرة مسؤولية هذه الأحداث التي انتقدها العديد من المثقفين الفرنسيين، ونادرا ما انتقدها العسكريون.