الصراع الإيراني الإسرائيلي يٌحيي دور الأردن الإستراتيجي

وزير الخارجية الأردني يؤكد أن بلاده ستتصدى لأي طائرات مسيرة إسرائيلية تدخل أجواءها كما فعلت مع الإيرانية.

عمان - أعاد الردّ الإيراني على إسرائيل الحياة لدور الأردن العسكري والأمني والاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا والدولة العبرية، فيما يرى مراقبون أن دخول عمّان ضمن معادلة الصراع الحالي، يمثل تحولا جديدا في المشهد الأمني في منطقة الشرق الأوسط.

وفي رد طهران على إسرائيل، أعلن الأردن إسقاط مسيرات وصواريخ في مجاله الجوي قادمة من إيران، ولاحقا أكد وزير الخارجية أيمن الصفدي أن بلاده ستتصدى لكل مسيرة أو صاروخ يخترق أجواءها "سواء كان إيرانيا أو إسرائيليا".
كما جرى استدعاء القائم بأعمال سفارة طهران لدى عمان علي أصغر ناصري الأحد احتجاجا على تصريحات مسيئة للأردن بُثت على وكالة إيرانية شبه رسمية.
وكان لافتا ربط مسؤولين أردنيين الهجوم الإيراني على إسرائيل بالحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، في محاولة منهم التأكيد على أن ما يجري من تداعيات سببه ما يحدث في فلسطين.

وقال الصفدي اليوم الثلاثاء، إن عمان ستتصدى لأي طائرات مسيرة إسرائيلية تدخل أجواء بلاده كما فعلت مع الإيرانية قبل أيام، مؤكدا أن المملكة "لن تكون ساحة حرب لأي صراع بالإقليم".
وأوضح "تصدينا لما نعتقد أنه خطر على أمن مواطنينا، ومثل ما تصدينا للمسيرات الإيرانية سنتصدى لأي مسيرات إسرائيلية".
وتابع "كلنا ضد التصعيد (..) والخطوة الأولى هي وقف التصعيد في غزة" وأكد أن بلاده "تريد السلام العادل الذي تقبله الشعوب وينهي الاحتلال".

بدوره قال ملك الأردن عبدالله الثاني اليوم الثلاثاء، إن أمن وسيادة بلاده "فوق كل اعتبار"، مؤكداً أن المملكة "لن تكون ساحة معركة لأي جهة".
ومساء السبت، أطلقت إيران نحو 350 صاروخا وطائرة مسيرة بأول هجوم تشنه من أراضيها على إسرائيل، ردا على هجوم صاروخي استهدف القسم القنصلي بسفارة طهران لدى دمشق مطلع أبريل/نيسان الجاري، فيما صرحت تل أبيب بعزمها الرد.
وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي الأحد إن "وقف العدوان الإسرائيلي على غزة والبدء بتنفيذ خطة شاملة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل على أساس حل الدولتين هو سبيل وقف التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة".
وحذر من أن "استمرار العدوان يدفع المنطقة نحو المزيد من التصعيد الإقليمي الذي ستهدد تداعياته الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين".
وذكّر بأن عمّان سبق أن حذرت منذ بداية الحرب على غزة من وقوع التصعيد الذي حدث السبت ومن أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيحاول أن يفتعل مواجهة مع إيران ليجر الولايات المتحدة والغرب إلى حرب إقليمية، فيذهب التركيز باتجاه إيران وينسى العالم غزة".
الأردن وكجزء من الإقليم الذي يشهد أزمات تكاد لا تنتهي، يخشى بطبيعة الحال على أمنه واستقراره، لا سيما مع التطورات التي تلت الهجوم الإيراني وتأكيد إسرائيل أنها سترد في العمق الإيراني.
وفي هذا السياق اعتبر جمال الشلبي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية (حكومية) في حديث للأناضول أن "العملية الإيرانية ضد إسرائيل أعادت الحياة لدور الأردن العسكري والأمني والاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل".
وأوضح "بعد اتفاقيات السلام الإبراهيمية بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، ساد شعور عام بأن الأردن بدأ يفقد دوره الاستراتيجي كوسيط بين العرب وإسرائيل كون العلاقات أصبحت مباشرة وأن التطبيع سيؤدي إلى حماية إسرائيل ويجعلها أكثر ثقة بالحاضر والمستقبل".

"الأردن سيواجه استحقاقات سياسية وأمنية جديدة إذا ما استمر التصعيد بين إيران وإسرائيل، فإن هذا سيجعله ضمن معادلة الاستهداف في المرحلة المقبلة".

واستدرك "بيد أن هذه العملية الإيرانية أثبتت خطأ الاستنتاجات الإسرائيلية والغربية، إذ أن إيران عبر قدرتها على الوصول إلى العمق الإسرائيلي أصبحت تمثل دولة مواجهة خطيرة، وهذا الأمر سيعمل على زيادة القلق الإسرائيلي والغربي من ناحية، وزيادة الاهتمام بالأردن وموقعه الجغرافي الوسيط بين إيران وإسرائيل من ناحية أخرى".
وأردف "لذلك، لا أستبعد أن تزيد المعونات العسكرية والاقتصادية للأردن بعد هذه العملية الإيرانية ضد إسرائيل من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، مع وجود مرونة أكثر من جانب إسرائيل في التعاطي مع المخاوف والرغبات الأردنية في إنهاء الحرب على غزة".
بدوره لفت الشلبي إلى أن الأردن "سيعمل على إرسال تطمينات دبلوماسية لإيران تؤكد فيها أن الأخيرة لم تكن عدوا للمملكة، وأن كل ما تفعله عمان ليس إلا الدفاع عن مصالحها الحيوية وأن الموقف من إسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية يدخل في هذا الإطار وأن القرار نفسه سيتخذ ضد إسرائيل لو حاولت القيام بالعمل ذاته ضد إيران".
وفي السياق ذاته، أكد على أن الأردن بذلك "سيحافظ على مبادئه العامة بعدم صناعة أعداء مجانيين مثل إيران، وتبقى شعرة معاوية قائمة معها لإشعار آخر".
وأضاف "ما يهم الأردن اليوم أمران هما: الأول، الدفاع عن مصالحه الأمنية والاقتصادية، والثاني التأكيد على تحالفه الاستراتيجي مع الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي، وأن السلام مع إسرائيل قرار استراتيجي لا عودة عنه، إلا إذا أخلت إسرائيل بتعهداتها الرسمية القانونية منها والسياسية".
وبسؤاله عن إمكانية أن تتغير أدوار الأردن المستقبلية مع إسرائيل من جهة، ومع إيران من جهة أخرى، في ظل الصراع القائم بين تل أبيب وطهران كـ"وسيط محتمل"، استبعد الشلبي ذلك.
وأرجع ذلك إلى سببين، وهما أن "الأردن لا يملك علاقات متينة وعميقة مع إيران"، والثاني أن "العلاقة الأردنية الإسرائيلية تمر - رغم وجود اتفاقية سلام بين البلدين منذ عام 1994 - بأسوأ حالتها وأحلك أيامها".
ورغم تلك التوضيحات، إلا أن الشلبي عاد وقال "مع ذلك، لا يمكن استبعاد أي افتراض فيما يتعلق بإمكانية لعب دور أردني كوسيط في الصراع القائم بين إيران وإسرائيل في حالة واحدة وهي وجود رغبة أميركية حقيقية في ذلك، مع قبول مبدئي".
من جانبه، أوضح فراس إلياس، الخبير العراقي بالأمن القومي والدراسات الإيرانية أن "دخول الأردن ضمن معادلة الصراع الإيراني الإسرائيلي، يمثل تحولاً جديداً بالمشهد الأمني في منطقة الشرق الأوسط".
وقال إن "هذا يؤشر إلى إمكانية أن تكون المملكة أمام استحقاقات أمنية جديدة في المرحلة القادمة، خصوصاً أن هناك تصريحات صدرت من قبل جنرالات الحرس الثوري يهددون بها؛ نتيجة موقف عمان الأخير".
وتابع "رغم أن الخارجية الأردنية أظهرت موقفا حياديا تجاه الهجوم الإيراني على إسرائيل، إلا أن قيام الأردن بإسقاط العديد من المسيّرات والصواريخ البالستية المتجهة نحو إسرائيل أثار حفيظة العديد من المسؤولين في طهران، واعتبروا ذلك انحيازا أردنيا لإسرائيل على حساب الموقف الإيراني".
وأشار إلياس إلى أن "إيران لديها حسابات دقيقة بهذا الموضوع، خصوصاً وأن لطهران محاولات عديدة لترطيب الأجواء مع الأردن كما فعلت مع السعودية، إلا أن هناك مخاوف أردنية من طبيعة التحركات الإيرانية".
وتوقع أن يمثل قيام الأردن باستدعاء القائم بأعمال سفارة طهران لديه الأحد "تصعيداً سياسياً بالمرحلة المقبلة، ما يعرقل جهود الوساطة التي تقوم بها بعض الأطراف الإقليمية، وتحديدا العراق، في خلق جو توافقي ما بين المملكة وإيران".
ومضى يقول "بالنهاية، الأردن سيواجه استحقاقات سياسية وأمنية جديدة إذا ما استمر التصعيد بين إيران وإسرائيل، فإن هذا سيجعله ضمن معادلة الاستهداف في المرحلة المقبلة"، على حد قول الخبير العراقي.
وأكد على أن "إيران تحاول إرسال رسالة من هذه الخطوات وهي إجبار القيادة الأردنية على إعادة قراءة موقعها ضمن المعادلة الأمنية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، بالإطار الذي أن تبتعد فيه نوعا ما عن موقفها الحالي على أقل تقدير، في تبني موقف محايد إن لم أقل موقف يميل لإيران".
كما بين بأن "إيران تريد أن تحيد الموقف الأردني عن الموقف الأميركي، وكذلك عن المواقف العربية التي ما زالت تراهن على الحل السياسي للصراع الدائر في غزة".
واستطرد "طهران تنظر إلى الأردن بحساسية كبيرة جداً، فخطاب تحرير القدس والدفاع عن المسجد الأقصى الذي يتباه بعض جنرالات الحرس الثوري، لا زال ينقصه شرعية سياسية ودينية، خصوصا مع الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى".
واعتبر أن "وجود الأردن ضمن هذه المسارات قد يدفع إيران وبعض وكلائها لخلق مزيد من التصعيد السياسي حيال المملكة، نحو إعادة إنتاج تموضع جديد على أقل تقدير ليرضي حسابات المسؤولين وخاصة قيادات الحرس الثوري".