تيار المدارس القرآنية يجذب حشودا من الأطفال والشباب في تونس

تنظيمات إسلامية تنشئ المدارس القرآنية لاستقطاب آلاف الأطفال والشباب واستغلالهم في أنشطة مشبوهة، والسلطات التونسية تلتزم الصمت وضعف الرقابة.
المدارس القرآنية العشوائية مازالت تغزو الفضاء العام في تونس
تونس

لا تزال حوالي 4 آلاف جمعية ومدرسة قرآنية ومعهدا شرعيا وفروعا لتنظيمات إسلامية على غرار الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تواصل نشاطها في تونس في ظل صمت السلطات وامتناعها عن ممارسة أي دور رقابي لأنشطة تلك الجمعيات.
وعبر المنسق الوطني لائتلاف صمود حسام الحامي في تصريح صحفي الإثنين، عن استغرابه من عدم اتخاذ السلطة التنفيذية ممثلة في رئاسة الجمهورية أي إجراء إزاء هذه المدارس والجمعيات القرآنية المنتشرة في كامل تراب الجمهورية وعدم التدقيق في مصادر تمويلاتها وطبيعة أنشطتها.
ويقود الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي منذ أكثر من سنة تحركات ميدانية واعتصامات أمام مقر فرع اتحاد العلماء المسلمين بالعاصمة التونسية للمطالبة بغلقه وإيقاف نشاطه في تونس.
وأشار الحامي في ندوة بالعاصمة تحت عنوان "التطرف والاستقطاب"، إلى أن 30 مراقبا فقط تابعين للوزارات المعنية يتولون مراقبة أنشطة هذه المدارس والمعاهد والجمعيات أو فروع التنظيمات الإسلامية، مبينا أن ذلك يعني أن تتم عملية المراقبة مرة واحدة خلال 7 سنوات.

حركة النهضة والحكومات الموالية لها وفرت نوعا من الحماية لتلك المؤسسات والسماح لها بممارسة أنشطتها بكل أريحية

ودعا الحامي بالخصوص، إلى توحيد الجهة المانحة للتراخيص لمثل هذه الأنشطة على أن تتولى هذه المهمة وزارة واحدة وتحت قانون واضح محدد، مع ضرورة فرض مراقبة حقيقية وجدية لتلك الأنشطة، مشيرا إلى أن "ائتلاف صمود سيعمل بالتعاون مع المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية على صياغة مقترحات للحد من التأثيرات الخطيرة لهذه المظاهر".
وذكر  بأن تونس عاشت خلال العشرية الماضية وضعا خطيرا جدا في علاقة باستقطاب الأطفال والشباب وتوجيههم نحو التطرف والإرهاب والتكفير والسفر نحو بؤر التوتر، مؤكدا أن "حركة النهضة والحكومات الموالية لها والإسلام السياسي بصفة عامة، وفرت نوعا من الحماية لتلك المؤسسات والسماح لها بممارسة أنشطتها بكل أريحية".
وأفاد الباحث رضا التليلي، أنه يوجد بتونس ما يقارب 1800 مدرسة قرآنية (كُتّاب) تابعة لوزارة الشؤون الدينية، وحوالي 600 أخرى تتبع الرابطة التونسية للدفاع عن القران الكريم و300 جمعية قرآنية إسلامية، و600 مدرسة قرآنية تابعة لجمعيات خيرية، فضلا عن مدارس قرآنية عشوائية.
وقدّر التليلي عدد المستفيدين من هذه المدارس والمعاهد والجمعيات القرآنية غير المراقبة بالشكل المطلوب بـ55 ألف منخرط في تونس العاصمة فقط.
وفي يناير 2019 تصاعد الجدل في الأوساط التونسية إثر الكشف عن مدرسة قرآنية عشوائية في مدينة الرقاب التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، تلقّن الأطفال أفكارا داعشية متطرفة وتعاملهم معاملة سيئة في ظروف صحية قاسية.
وردت السلطات وقتها بالقيام بحملة أغلقت بموجبها عشرات المدارس القرآنية المشبوهة وتم إيقاف عدة أشخاص بتهمة "الاتجار بالبشر واستغلال الأطفال والاعتداء بالعنف والاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، حسب بيان صدر عن وزارة الداخلية في ذلك الحين. 
وعلقت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة راضية الجربي آنذاك على الحادثة بالقول إن "الفكر الداعشي يهدد البلاد بينما يغض النافذون في السلطة النظر عن المارقين عن القانون لتحقيق أهداف خاصة".
وقال التليلي إنه باستثناء المدارس القرآنية الخاضعة لبرنامج تعليمي مقترح من قبل وزارة الشؤون الدينية، فان بقية الأنشطة لتعليم القرآن وتعاليم الدين لا تخضع إلى قواعد بيداغوجية واضحة ولا تتم مراقبتها كما يجب، مشيرا إلى أن عملية المراقبة متشعبة ومشتتة بين عدة وزارات وهياكل، منها ما يخضع للجمعيات مباشرة، أو هي موزعة بين وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والمرأة والأسرة والشؤون الدينية والتكوين والتشغيل.
 

المدارس القرآنية استراتيجية تتبعها التنظيمات الأصولية المتطرفة لتكوين جيش احتياط 

وعقب الثورة، تنامى عدد الجمعيات ذات التوجهات الدينية والدعوية في تونس، وينشط معظمها تحت غطاء العمل الخيري والاجتماعي في إطار المرسوم رقم 88 الصادر في 24 سبتمبر/ أيلول 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات.
وشددت وزيرة المرأة السابقة نزيهة العبيدي في مداخلة بالبرلمان الذي اجتمع وقتها لتدارس قضية المدارس القرآنية على أن "مصطلح المدارس القرآنية غير موجود في القانون التونسي"، موضحة أن "تعليم القرآن مشروع ومنظم في الكتاتيب ومضمّن في المناهج والبرامج الدراسية". 
ويشير آخرون إلى أن المدارس القرآنية العشوائية هي "استراتيجية تتبعها التنظيمات الأصولية المتطرفة لتكوين جيش احتياط يساعدها في تنفيذ عمليات إرهابية في المستقبل".