"داعش خراسان" بندقية للإيجار

النسخة الأكثر دموية من داعش تبحث عن دور في المرحلة الجديدة من الصراع. هذه المرة الأهداف في روسيا والصين وإيران.

فجأة أصبح اسم "داعش خراسان" في واجهة الأخبار بعد أن يتوارى خلف غموض تفجيرات واغتيالات وعمليات إرهابية. وترافق ذلك مع صورة غامضة عن هذا التنظيم وقوته ووحشيته. عودة "داعش خراسان" جاءت من بوابة مجزرة دموية ارتكبها التنظيم حسبما أعلن في موسكو قبل أيام.

قد يكون "داعش خراسان" خفي التفاصيل عن الكثيرين نظراً لما أراده المؤسس والمحرك والمستفيد. لكن هنا بعضاً من تاريخ هذا التنظيم الشرس.

يشير اسم "خراسان" إلى المنطقة التاريخية الممتدة في وسط غربي آسيا الذي يشكل اليوم أجزاء من أفغانستان وباكستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وإيران. و"داعش خراسان" جزء مما أطلق عليه "دولة الخلافة" المزعومة، التي بدأها "داعش" في العراق وسوريا قبل أن يعلن عن دعوته عموم المسلمين لمبايعته.

تأسس تنظيم "داعش خراسان" عام 2014 على يد بعض المنشقين من مقاتلي حركة "طالبان" الأفغانية، وحركة "طالبان باكستان"، وفلول "القاعدة"، الذين بايعوا التنظيم استجابة لدعوة من مبعوثي "داعش" في الرقة والعراق.

وفي يناير/كانون الثاني 2015، أعلنت "داعش" عن تشكيل إقليم "خراسان"، حيث عين أبو بكر البغدادي حافظ خان سعيد كأول "أمير" لـ"ولاية خراسان". كان خان سعيد قد خدم سابقا كقائد لحركة "طالبان باكستان" وتولى مسؤولية العمليات في أوراكازي في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية الباكستانية، مما أعطى التنظيم فرصة اختراق المجتمعات القبلية في المنطقة الحدودية الباكستانية وتجنيد الشباب.

ومنذ تأسيسه، انخرط "داعش خراسان" في عمليات دموية طالت القوات الحكومية والاميركان وطالبان، ورغم الحملات العسكرية ضد التنظيم وقتل عدد من قادته مثل أسلم فاروقي وقاري زاهد وسيف الله ابو طلحة، وكذلك تعاون ايران مع طالبان لتقييد حركته، إلا ان "داعش خراسان" بقي رقماً صعباً في الملف الأفغاني، متسلحاً بتشدده تجاه أي مفاوضات مع الاميركان متهماً طالبان بأنها حليفة "الصليبيين" وبأنها لا تحكم وفق الشريعة الإسلامية.

ومع انحسار قوة داعش في سوريا والعراق كان التنظيم في خراسان يوسع نفوذه وبات الوجهة المفضلة لإرهابيي التنظيم الذين يغادرون بلاد الشام، وبالتالي نشط التنظيم منذ آذار/مارس 2017 وتم إحصاء أكثر من 140 نشاطا ارهابيا قام فيه، شهدت روسيا منه اثنين مؤخراً في 7 مارس/اذار الحالي في كالوغا جنوبي العاصمة موسكو حيث قتلت أجهزة الأمن الروسية عدد من ارهابيي داعش، ثم كانت العملية الأكبر في 22 مارس/اذار بالمسرح بموسكو.

لم تتمكن 300 غارة جوية شنتها الولايات المتحدة والناتو ضد "داعش خراسان" خلال عامي 2017 و2018 من الحد من قدرات التنظيم، والتي برزت والقوات الاميركية تغادر مطار كابول في أغسطس/آب 2021 فكان تفجير مطار كابول وما تلاه من تفجيرات وعمليات في أفغانستان ما شَكّلَ توتراً وقلقاً يقض مضجع طالبان ومعها باكستان ما يوحي بورقة ضغط اميركية دائمة في افغانستان. ليس المطلوب من "داعش خرسان" تسلم الحكم في كابول فهي غير مؤهلة لذلك، ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فإن أعداد مقاتلي "داعش خراسان" قد نما ليصل لما بين 4-6 آلاف مقاتل يتوزعون في 13 إقليماً، إضافة لشبكة -غير معروفة- من الخلايا النائمة التي قد تنشط في أي وقت. ولابد أن يبقى دورها محصوراً في إبقاء التوتر قائماً في أفغانستان والدفع باتجاه مزيد من التوتر على الحدود الباكستانية والايرانية. وفي هذا السياق تؤكد التقارير أن اربعة من كبار قادة التنظيم قُتلوا وانتقلت القيادة الى سناء الله غفاري المعروف باسم شهاب المهاجر الذي أحدث تغييراً جذرياً في التنظيم بحيث جعله أكثر عدوانية ووحشية، فجاءت عمليتا تفجير المسجدين في قندوز وقندهار في 8 و15 تشرين الأول/اكتوبر 2021، واسفرتا عن مقتل 135 وإصابة 210، بالإضافة لهجمات انتحارية في ايران وباكستان.

وفي مطلع عام 2024 قام التنظيم بتفجيرين انتحاريين في إيران أسفر عن مقتل 100 شخص. وتُحصي بيانات مواقع الصراعات وجمع البيانات ACLED أن داعش نفذت في روسيا أكثر من 40 هجوما منذ عام 2018  وحتى عام 2023.

 صحيفة وول ستريت جورنال تقول أن تنظيم "داعش خراسان" تهديد لـ"طالبان"، وذلك لأن "تشكيلته في أصلها تتكون من أعضاء سابقين في طالبان أفغانستان وطالبان باكستان والذين يعتقدون أن طالبان غير متطرفة بما فيه الكفاية مفضلين تفسيراً أكثر تطرفاً ووحشية." لذا لا يبدو غريباً أن التنظيم بات الوجهة المفضلة للمتطرفين ما يقرب الخطر أكثر من الصين وروسيا وايران وهذا ما بدا واضحاً في الرسالة التي حملها الهجوم الدموي في موسكو قبل أيام.

الآن "داعش خراسان" إلى الواجهة بنسخة أكثر دموية من الفكر المتطرف الذي ينبئ بأن مُحركي خيوط العنكبوت الداعشية استعادوا مرونة أصابعهم ليحركوا المشهد الدولي من جديد!