حزب الإصلاح اليمني.. هرولة نحو الانتحار

يعود تاريخ تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى مطلع العام 1990 على يد رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح والشيخ القبلي الراحل عبدالله بن حسين الأحمر ورجل الدين العائد حينئذ من أفغانستان عبدالمجيد الزنداني، والجنرال علي محسن صالح الأحمر.

يقول ساسة يمنيون أن صالح دفع نحو تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح من أجل ضرب الحزب الاشتراكي الجنوبي (شريك حزب صالح في توقيع الوحدة بين البلدين الجارين حينها).

شارك الحزب بفاعلية في الحرب الأولى على الجنوب إلى جانب قوات نظام صالح، وقاد مجاهدون يمنيون وعرب، ممن عادوا من أفغانستان بزعامة القيادي الإخواني عبدالمجيد الزنداني، مليشيات قبلية ودينية في اجتياح الجنوب منتصف تسعينات القرن الماضي إلى جانب قوات صالح طبعاً.

انتهت تلك الحرب باحتلال كل مدن الجنوب بما في ذلك العاصمة الجنوبية عدن، لتقوم بعدها مليشيات الإخوان وقوات صالح بتقاسم الغنيمة والاستيلاء على المصانع والمرافق الحكومية والأراضي، وغيرها من مقدرات دولة اليمن الجنوبي.

يقول مؤرخون أنه "عقب حرب صيف 1994 كافأ علي عبدالله صالح هذا الحزب على مساهماته قبل الحرب وخلالها فألغى دستور عام 1990 ـ دستور دولة الوحدة ـ وأعاد دستور اليمن الشمالي إلى التطبيق، وعقب الحرب، ظهرت مجموعة تجارية اسمها \'منقذ\' مدعومة بشكل رئيسي من عناصر حزب الإصلاح، هذه المجموعة كانت مسؤولة عن عمليات نهب منظمة في مدينة عدن، وادعى أعضائها أنهم يملكون وثائق تاريخية تثبت حقهم في الأراضي، كما قامت أسرة زعيم الحزب عبدالله بن حسين الأحمر بالاستيلاء على منزل الرئيس الجنوبي علي سالم البيض."

استمرت شراكة حزب التجمع اليمني للإصلاح لحزب المؤتمر الشعبي العام (حزب صالح)، لكن هدف تأسيس الحزب الإخوان لم يحقق هدفه بالشكل المطلوب، فالحزب الاشتراكي الذي تم مصادرة كل مقراته وأملاكه بقي على قيد الحياة السياسية رغم كل ما تعرض له من مصادرة أملاكه وحملة الاغتيالات التي طالت قياداته.

لم يجد صالح وشركائه في حزب التجمع اليمني للإصلاح غير ان يواصلوا مهمة إبعاد الحزب الاشتراكي الذي تم تصنيف قياداته من قبل قيادات حزب الإصلاح بأنهم كفرة وخارجين عن الدين الإسلامي (وفقا لفتوى القيادي الإخواني وزير العدل حينها عبدالوهاب الديلمي).

أعلن حزب التجمع اليمني للإصلاح في 2003 عن انشأ ما كان يعرف بتكتل أحزاب اللقاء المشترك بغية إبعاد الحزب الاشتراكي العدو التاريخي للحزب الإسلامي من المشهد السياسي والسيطرة على كل الأحزاب التي انضوت تحت لواء أحزاب التكتل.

التكتل الصوري لم يضفي جديداً على الساحة السياسة اليمنية، غير أنه استطاع نوعا ما من إشغال الحزب الاشتراكي من الدفاع عن قضاياه الوطنية بما في ذلك قضية الوطن الأم (الجنوب) الذي تعرض للتنكيل على يد نظام صالح وحلفائه في حزب التجمع اليمني للإصلاح، حيث ظل الحزب الأخير يعقد صفقات سياسية مع حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب صالح).

أعلن الحزب الذي كان يرأسه الشيخ الراحل عبدالله بن حسن الأحمر تأييده لانتخابات عام 1999، الرئاسية، واستمر تأييد الإخوان لصالح في عدد من الدورات الانتخابية (المحلية والبرلمانية).

في العام 2006، وقف الحزب الإسلامي وبقوة إلى جانب علي عبدالله صالح، عقب ترشيح الحزب الاشتراكي الجنوبي للرجل الوطني الراحل فيصل بين شملان؛ الذي حاز على نسبة كبيرة من أصوات الناخبين، وفقا لتصريحات الجنرال علي محسن الأحمر في العام 2011، الذي أكد أثناء انشقاقه "ان بن شملان هو من فاز في انتخابات 2006، وأن صالح هدد بإحراق اليمن إذا أعلن فوز بن شملان".

الحزب الإسلامي الذي رأسه رجل المخابرات محمد بن عبدالله اليدومي،عقب رحيل عبدالله بن حسين الأحمر، التحق في العام 2011 بالحركة الشبابية اليمنية التي انتفضت في صنعاء حينها للمطالبة بتنحي الرئيس اليمني علي عبدالله صالح من الحكم، لكن تلك الثورة لم تحقق أهدافها خصوصا عقب انضمام الجنرال علي محسن الأحمر قائد قوات الفرقة الأولى مدرع إليها، وقد اتهم الأحمر بأن قواته قد حاصرت الثوار اليمنيين في ساحة الجامع بصنعاء.

هذه الثورة انتهت عقب محاولة اغتيال فاشلة لصالح في جامع النهدين في العام 2012، بتسليم الرئيس؛ الذي حكم اليمن 33 عاما بالقتل والتنكيل والرقص على آلام اليمنيين والجنوبيين، السلطة لنائبه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي.

خروج صالح من الحكم بموجب المبادرة الخليجية، قادته للتو للتحالف مع إيران العدو الدود لدول المنطقة، وعمل على دعم الحوثيين بالسلاح والعتاد الذي جمعه طوال سنوات حكمه في مخازن خاصة به.

عقب هزيمة القوات العسكرية الموالية للإخوان في عمران ومقتل العميد حميد القشيبي قائد اللواء، أعلن الحزب سحب وزرائه من الحكومة، وأعلنوا طي ما قالوا أنها صفحة الماضي مع علي عبدالله صالح والبدء في صفحة جديدة عنوانها التعاون والشراكة والحفاظ على ما يزعمون أنها وحدة يمنية.

وقالت وسائل إعلام الإخوان أنه "ليس على الإصلاح والمؤتمر إلا التحالف لمواجهة عبث الرئيس هادي".

وعقب تسليم صنعاء العاصمة اليمنية للحوثيين وفرار قائد قوات الفرقة الأولى مدرع الجنرال علي محسن صالح، ذهب قادة الحزب للتصالح مع الحوثيين الشيعة، فيما أعلن الشيخ القبلي صادق الأحمر العفو والصفح عن الحوثيين وقبوله التحكيم الذي تقدم به زعيم الحوثيين له في أعمال تدمير قام بها الحوثيون لمنازل أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.

وعلى الرغم من الليونة التي أبداها حزب التجمع اليمني للإصلاح مع القوى اليمنية في صنعاء، لكن في الوقت ذاته يكن العداء للجنوب الذي بات محررا من مليشيات المخلوع والحوثيين.

احد المحامين في حزب الإصلاح يدعى خالد الآنسي دشن منذ تحرير محافظات الجنوب من مليشيات الحوثي حملة إعلامية ضد الجنوب وبات يطلق على الجنوبيين أوصاف عنصرية، وما يعني سقوط الحزب أخلاقيا، في حين ان قيادات جنوبية في الحزب.

بشكل او بآخر يسعى حزب الإخوان إلى التمترس في صف الشمال ضد الجنوب في محاولة منه لإثناء الجنوبيين عن خيار الاستقلال عن صنعاء، خصوصا وأن الحرب الأخير قد نسفت أي مشاريع سياسية تحاول الربط بين صنعاء وعدن.

العداوة التي أظهرها ساسة الإخوان للجنوب، قد ربما تدفع الحزب للانتحار سياسيا ليس في الجنوب فحسب بل حتى في الشمال، فالمقاومة الشمالية التي تتزعمها قيادات عسكرية تابعة للإخوان عجزت عن تحرير شبر من الأراضي التي يحتلها تحالف الحوثي وعفاش.

تعز كبرى مدن اليمن الشمالي، عاد الحوثيون ومليشيات صالح للسيطرة عليها مجددا بعد ان أعلنت قيادات عسكرية من بينها نائب وزير الداخلية المنتمي أيضا للإخوان عن تحرير ما قالوا انه 90% من أراضي المحافظة.

وربما أن الحزب أراد استباق تحرير الشمال من مليشيات الحوثي وصالح بمهمة أخرى هي محاولة منع حدوث استقلال للجنوب، وهو ما يؤكد أن الحزب يوهم نفسه بأنه هو من سيحسم معركة الشمال ولكن يريد من دول التحالف العربي ضمانات بأن لا يذهب الجنوب نحو الاستقلال، لكن هذه المناورة السياسية قد لا تحقق للحزب طموحه في أبقاء اليمن موحداً في ظل الرغبة الجارفة والقوية على طرد الوجود الشمالي من الجنوب.