متمردون على العثمانيين رفضوا أوامر القتل زمن إبادة الأرمن

العديد من الجماعات والأفراد المسلمين بما في ذلك ضباط الجيش وكبار المسؤولين الحكوميين لم يستجيبوا لتعليمات تنفيذ الإبادة الجماعية في العام 1915 وساعدوا أي مسيحي على الهروب من موت محقق.

مما لا شك فيه أنه كانت هناك مشاركة جماعية في الإبادة الجماعية التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الأولى من قبل الحكومة العثمانية، بقيادة جمعية الاتحاد والترقي، لكن يجب أن نتذكر أن العديد من المسلمين العاديين ساعدوا المسيحيين والعديد من الإداريين رفضوا إتباع الأوامر، والمشاركة الجماهيرية لا تعني بالضرورة المشاركة العامة.

رفض العديد من الجماعات والأفراد المسلمين بما في ذلك ضباط الجيش وكبار المسؤولين الحكوميين المشاركة، ورفضوا تنفيذ الأوامر وساعدوا أي مسيحي على الهروب من موت محقق.

معظم المصادر حول الإبادة الجماعية تحدد بسهولة الأتراك والآذريين والشركس كمشاركين في المذابح.  لهذا يجب إضافة الفُرس الذين هاجموا الأرمن والآشوريين في سلماس وأورمية.

لكن حتى هذه القائمة ليست نهائية، يقول أحد الناجين الأرمن مانويل كريكيشريان، أن قافلته تعرضت للهجوم من قبل الشيشان في طريقها إلى حلب، وفي الواقع كان أكثر غضباً من الشيشان منه من الأتراك.

وفي إفادة لأحد السريان يؤكد ذلك بقوله: "هاجم بعض الشيشان قرب رأس العين قوافل الملاجئ الأرمنية". ويمكن أيضًا إضافة مسلمي جورجيا.

في عام 2008، قال الباحث التركي أوكتاي أوزيل في مؤتمر في تبليسي إن زعيم المسلمين الجورجيين علي باشا تافغريزاد كان متورطاً في تشكيل تجمعات مسلحة وأن المسلمين الجورجيين كانوا أيضاً مُطَلعين على القتل الجماعي للأرمن واليونانيين في الإمبراطورية العثمانية. لكن من الصعب القول متى كان الجورجيون ينفذون أوامر الحكومة العثمانية بالقتل، على الأرجح، أرادوا إظهار ولائهم للسلطان.

حاجي خليل

 البروفيسور والمفكر التركي تنار آكجام يروي بخصوص حاجي خليل من أورفا الذي كان يؤوي سبعة أشخاص من نفس العائلة في عليّة لإنقاذهم من المذابح، وقد نقلت الشهادة إلى آكجا" من قبل سركيسيان في 1995 في يريفان، خلال  إحياء الذكرى الـ 80 للإبادة الجماعية للأرمن.

كان حاجي خليل صديق جد سركيس لأمه، وقد وعد صديقه بأنه سيحمي عائلة صديقه في حال وقوع مصيبة. وبالفعل أوفى بوعده وأقامت العائلة لديه لشهور.

كان حاجي خليل قد تغلب على مشاكل لوجستية بما في ذلك كيفية شراء الطعام لسبعة أشخاص إضافيين دون إثارة الشكوك، وأكد آكجام أن هناك مئات القصص المماثلة.

ساعد العديد من الأفراد الذين لم يتم الكشف عن أسمائهم جيرانهم على الهروب، على سبيل المثال، هاكوب آرسينيان يحمل على ذراعه ندبة تشكلت من رسم الوشم على ذراعه اليمنى بخنجر ويمثل الهلال والنجمة، حيث يؤكد أن هذه الوشوم كانت لإخفاء الأرمن كمسلمين وتم صنعها من قبل مسلمين محليين / معظمهم من العرب / لإنقاذهم.

كانت هناك أيضًا مجموعات مثل الطريقة المولوية في قونية وأهل ديرسيم، الذين ساعدوا المسيحيين، كما يشير ريمون كيفوركيان، كما أفاد غارو صاصوني أن الأكراد في الجنوب شاركوا في المذابح بدرجة أقل من إخوانهم في الشمال وأن العديد من القبائل الكردية ساعدت الأرمن بإخفائهم.

على سبيل المثال، في ديرسيم تم إنقاذ 20000 أرمني بسبب الجهود الكردية. وفي رأس العين بينما هاجم بعض الشيشان الأرمن أنقذ الشيشان الآخرون حوالي 400 إلى 500 من المُرحّلين وقام عرب "الجبور" بإيواء العديد من الأرمن.

 قادة رفضوا الأوامر

  كان هناك العديد من هؤلاء الموظفين الذين لم يطيعوا الأوامر ولأسباب واضحة تم تجاهلها في الرواية الرسمية في تركيا. حدد ريمون كيفوركيان الذي أجرى بحثًا حول هذا الموضوع عددًا من الموظفين الحكوميين الذين رفضوا تنفيذ أوامر الحكومة. على سبيل المثال، حاكم ولاية قونية جلال بك لم يسمح بترحيل أرمن قونية لأنه كان يعلم ما كان سيحدث لهم إذا تم إرسالهم إلى صحراء دير الزور. وحاول أيضًا منع إرسال الأرمن من أماكن أخرى إلى الصحارى. تمت إقالته من منصبه في أكتوبر/تشرين الثاني 1915 لكنه أنقذ بالفعل العديد من الأرواح وظل عاطلاً عن العمل حتى عام 1919.

ومن الأمثلة الأخرى، والي أنقرة حسن مظهر بك، الذي أُقيل من منصبه لرفضه ترحيل الأرمن في أغسطس من عام 1915، ومتصرف كوتاهيا فائق علي بك الذي رفض ترحيل 2000 أرمني، ورئيس بلدية ملاطية مصطفى آغا عزيز أوغلو.

كانت ملاطية مكانًا للعبور لأولئك الذين تم ترحيلهم من المقاطعات الشرقية. لم يكن لرئيس البلدية سلطة منع الترحيل ولكنه أنقذ الناس في منزله من خلال توفير الملجأ، لكن قتله ابنه عضو الاتحاد والترقي لرعايته "الكفّار".

إلى هذه القائمة، يجب إضافة  رشيد والي كاستامونو، الذي تم فصله أيضاً لعدم امتثاله لحملة الإبادة، وينبغي إضافة متصرف يوزغوت كمال بيك وتحسين بك والي آرزروم كأحد الأبطال الذين تحدوا الأوامر.

 والي أنقرة حسن مظهر بك رفض إتباع الأوامر  قائلاً: "أنا والي ولستُ قاطع طريق، لا أستطيع القيام بذلك، قد يأتي شخص آخر ويجلس على كرسيي ويقوم بذلك"، وعلى إثرها تمت إقالته من منصبه في أغسطس/حزيران 1915.

متصرف كوتاهية فائق علي بك
شقيق فائق علي بك الذي كان شاعراً وكاتباً اسمه سليمان بك هو الذي أثّر على أخيه في اتخاذ هذا الموقف

عندما صدرت أوامر الترحيل، رفض فائق علي بك تنفيذها، بل على العكس من ذلك، أصدر أوامره بمعاملة أي أرمني قادم إلى كوتاهيا معاملة جيدة. بسبب عصيانه الأوامر تم استدعاء فائق علي بك إلى إسطنبول وترك مكانه لرئيس شرطة كوتاهيا كمال بيك الذي استغل غياب فائق علي بك، فاستدعى وجهاء المدينة الأرمن لحضور اجتماع طلب منهم فيه اعتناق الإسلام وإلا واجهوا الترحيل.

قرر أرمن كوتاهيا التقدم بطلب لاعتناق الإسلام بشكل جماعي، لكن عندما عاد فائق علي بك من اسطنبول غضب من تصرف قائد الشرطة وأقاله من منصبه، وطلب من الأرمن تمزيق الطلب الجماعي للتحول إلى الإسلام وقال: "حتى اليوم لم يشارك أتراك كوتاهيا أبدًا في أي فظائع ضد الأرمن، ولن يشاركوا غداً أيضا"، فأنقذ حياة الآلاف وفتح لهم المعامل والمدارس والقلوب.

وبحسب كمال بك الأمين العام، فإن شقيق فائق علي بك الذي كان شاعراً وكاتباً اسمه سليمان بك هو الذي أثّر على أخيه في اتخاذ هذا الموق،. فعندما كان التهجير لايزال مجرد مشروع قيد التنفيذ. كتب "سليمان بك" إلى شقيقه يحثه على عدم المشاركة في هذه الهمجية وبالتالي تلطيخ اسم العائلة.

أما حسين نظمي بك والي مدينة ليسا، فقد دفع حياته ثمناً لموقفه الإنساني برفض الأوامر، فاغتيل بأمر من مسؤول جمعية الاتحاد والترقي في المنطقة.

 قطاع طرق

كتب علي فؤاد إندر رئيس أركان جمال باشا خلال الفترة التي كان فيها قائد الجيش الرابع، أنه وصلت برقية من إدارة محافظة حلب: "اليوم زارني قطاع الطرق "خليل وكركيز أحمد بك"، وأخبراني بأن أعمال القتل اكتملت في ديار بكر والآن يأتون للقيام بالمثل في سوريا. اعتقلتهم. لكن أمر جمال باشا والي حلب بإطلاق  سراحهما".

كان خليل وكيركيز أحمد قد قتلا بوحشية النائبين الأرمينيين زهراب وفارتكيس، لكن ألقى عليهما القبض فيما بعد والي حلب جلال بك الذي دّونّ ذلك في ذكرياته في عام 1919. حيث عثر روبرت كوبتا مؤخراً على هذه المقالات الثلاثة في مكتبة بلدية في اسطنبول وقام بترجمتها آرا إكيريان ونشرها في الجريدة الأرمنية في تركيا أغوس.

 محمد جلال بك

والي حلب وقونية محمد جلال بك
'كنتُ أشبه شخصاً جالساً بجانبِ نهر، مع عدم وجود وسيلة مطلقة لإنقاذ أي شخص'

محمد جلال بك كان والي حلب ثم والي قونية وقف بحزم بوجه هذا الفعل المشين قولاً وفعلاً، وأنقذ حياة الآلاف من الموت المحقق، معرضاً نفسه للخطر المادي والمعنوي.

ويعتقد محمد جلال بك أنه لا يوجد صراع بين الأكراد والأتراك والأرمن وأنهم يعيشون معًا في وئام. عندما كان والي حلب، لم يكن يعتقد أن الأرمن قاموا بأي نشاط يتعارض مع المصالح العثمانية. ملقياً اللوم على المتصرفين الهائجين في مرعش الذين فجروا الوضع واعتقلوا العديد من الأرمن، فجاء محمد جلال بك وحررهم، لكن الإدارة العثمانية أنشأت سنجق في مرعش مستقل عن محافظة حلب، بعيداً عن سلطة "محمد جلال بك" الذي اعترف بأنه كان يعتقد في الأصل أن عمليات الترحيل كانت تدبيراً داخلياً مؤقتاً استلزمته الحرب. ولم يستطع تصديق أن الحكومة ستتخذ مثل هذه الإجراءات لتدمير مواطنيها بالفعل. على أية حال، ولأنه لا يعتقد أن أي أرمني في حلب ارتكب عملاً يستحق عليه النفي، فقد رفض تنفيذ أوامر الترحيل. ونتيجة لذلك، أُقيل من منصبه ونُقل إلى منصب  والي في قونية.

تسبب البؤس الذي شهده في قونية  إلى قوله: "كنتُ أشبه شخصاً جالساً بجانبِ نهر، مع عدم وجود وسيلة مطلقة لإنقاذ أي شخص . كانت الدماء تتدفق في النهر وآلاف الأطفال الأبرياء وكبار السن والنساء العاجزات، والشباب الأقوياء، كانوا يتدفقون على هذا النهر نحو النسيان. أي شخص يمكن أن أنقذه بيدي العاريتين أنقذته، والآخرون، أعتقد أنهم تدفقوا عبر النهر ولن يعودوا أبداً".

وفي ذكرياته، أدلى محمد جلال بك أيضاً بالملاحظات التالية ليشير إلى أن الأتراك والمسلمين قد تم استخدامهم فقط كأدوات من قبل الحكومة.

1 - عندما كنت في حلب رأيت بأم عيني مسلماً يساعد الأرمن الذين تم ترحيلهم إلى هناك.

2 -  جاءني بعض أصحاب المزارع وقالوا لي إنهم يريدون إسكان الأرمن في ممتلكاتهم.

3 - في كل من حلب وقونية، شكرني العديد من العلماء والأعيان مرات عديدة على معاملتي للأرمن وأن الشريعة تقتضي حمايتهم.

4 - في كل من قونية وحلب، لم أر أو أسمع عن أي تركي يغتصب ممتلكات الأرمن.

5 - لم أقابل بين الأتراك والمسلمين أحداً يؤيد هذه الجرائم ولا يجده مخزيًا.

6 - بعد عودتي من قونية هنأني العديد من معارفي وقالوا لي إنه كان من الأفضل ترك وظيفتي.

 وهبي أفندي

وهبي أفندي
قام بحماية اكثر من 200 مسيحي من خلال منحهم الملاذ في ممتلكاته

وتكتب الأخت ايسا  فارينا من الأخوة الدومينيكان، أن قائمقام سافوور وهبي أفندي، وهو من مواليد ماردين، قام بحمايتها هي وابنة أختها و 200 مسيحي آخر من خلال منحهم الملاذ في ممتلكاته.

مصدر دومينيكاني آخر يحدد ضابط الجيش صدقي بك الذي ساعد المسيحيين على الهروب من موت محقق في أورفا، ولم يفلت الزعيم السرياني دون جان من الموت إلا بتدخل الرائد صدقي بك الذي حذف اسمه من قائمة المسيحيين الذين كان من المقرر اعتقالهم وإعدامهم. يذكر أن صدقي بك كان متعاطفاً جداً مع السريان الكاثوليك واللاتين، كما أبلغ ديير فارطان زعيم طائفة الأرمن الكاثوليك بالفرار الى حلب قبل قتله.

 نوري بك

قائمقام مديات نوري بك رفض تنفيذ أوامر القتل لكنه اختفى بعد ذلك بشكل غامض، كذلك تم نقل عدة مسؤولين من مواقع عملهم لنفس السبب أمثال محمد حمدي بك، ومحمد علي بك، وابراهيم حقي بك.

الثمن

دفع العديد من كبار المسؤولين الآخرين أرواحهم لعصيان الأوامر، فقد قتل محافظ ديار بكر الدكتور رشيد شاهينجياري عدداً من المسؤولين الأتراك الذين رفضوا تنفيذ أوامره وهم والي البصرة فريد، متصرف من منتفيك وهي منطقة تابعة للبصرة بيدي نوري، نائب قائمقام بشيري في باطمان ثابت، الصحفي إسماعيل مستان.

كما حاول الدكتور رشيد اغتيال متصرف ماردين حلمي بك الذي تمت إقالته من منصبه، كما تم عزل المتصرف الذي حل محله شفيق بك لعدم اتباع الأوامر. أخيرًا، تم تعيين بدري بك الذي كان على استعداد لتنفيذ أوامر الدكتور رشيد  كمتصرف لماردين.

ويشير القس الدومينيكاني ماري دومينيك بيري في تقريره الشامل عن المذابح في ماردين إلى أن: "في منتصف شهر مايو من عام 1915، أرسل الدكتور رشيد  بك والي ديار بكر، إلى متصرف ماردين، حلمي بك، أمرًا بسجن جميع وجهاء المدينة المسيحيين، رد حلمي بك بهذه البرقية: 'أنا لست رجلاً بلا ضمير، ليس لدي أي شيء ضد مسيحيي ماردين، لن أنفذ هذه الأوامر'".