نقد الصهيونية بين جدران الإبادة السياسية

البحث في حقول التاريخ يعطي السياسي درساً أكثر قوة وبلاغة من مباحاثات الواقعة الفارغة من تحقيق أي من الأهداف المنطوقة للسلام.

في كتابها المعروف "اليهودية ونقد الصهيونية" لجوديث بتلر، ترجمة نور حريري، تستمر الفيلسوفة بتلر  في فكرة أبعد من الفلسفة والمضادة أخلاقياً للاستعمار وتقويض ثنائية العنف الاستعماري وتكريس ظلم الاحتلال في فلسطين، السلام الذي ليس بأية حال من الأحوال صنو اللاعنف والعدالة، يطرح سؤالاً سياساً ثقافياً، للدور البشري في أن يمارس وظيفته نحو تحقيق سلام عادل ينهي تاريخاً طويلاً من الاستعمار التوسعي الصهيوني للمنطقة المحتلة، تذكيرًا بسؤال محمود درويش، كيف أن الصهيوني هو سمسار الدم اليهودي؟ تتبعاً والفكرة ميلاد البحث عن الحقيقة في رحم مستوطنة استعمارية مدمنة القتل ونسف المدن وشراء الفوضى وتسويقها الكارثي، في بعد آخر؛ يولد طفلًا عمره إلى الآن يوم واحد ولم يُسمى إلى الآن، بعد العثور عليه خلال قصف طائرات الإبادة ، يولد طفل آخر عربي فلسطيني في ساحة البلاد المذبوحة بالاستعمار والممتلئة بالحرية واليد المبدعة، دون اسم يحدد وجوده، لكنه يطرح بنفسه كل الأسماء التاريخية والحديثة التي تعيشها الأرضي المحتلة بين " جغرافيات متحاربة" في الداخل المحتل لفلسطين التاريخية صرخة الأبدية واحد، فعلت الصهيونية في الأراضي المحتلة كل مكبلات التحرير، السلاح والفوضى وفرض النظام التعليمي الذي يقيد الهوية العربية بالتيه (تعليم التانخ) فرضاً استعمارياً، وصولاً لصياغة حمقاء؛ الوطن البديل بالتهجير داخل البلاد! ذلك سؤال الوقت والحدث، بالإجابة المستمرة والثورة في أعمدة العمل الوطني الثائر بالواقعية العربية والفلسطينية الحيّة بفعل تمزيق خرائط التكنولوجيا البديلة ووصاياهم الكلاسيكية المزيفة، في حين لا تزال خريطة واحدة عليها كل ما يجتمع البشر والكائنات في أرض فلسطينية لا تقبل الثنائيات ولا البديل..

كيف يمكن ترجمة الخطابات الدينية إلى خطابات عامة وأنماط ديمقراطية من المشاركة والتفكير، مع استتباع ضمني بأن تُبطل الترجمة الخطاب الأول لمصلحة الثاني، الافتراض أن الدين شكل من الخصوصية أو القَبَلية أو الجماعية يجب ترجمته إلى لغة مشتركة أو عقلانية من أجل أن يكون له مكان مشروع ومحدد في الحياة العامة ، تفترض مفردات المناقشة في كثير من الأحيان وجود لغة عامة مشتركة أو شكل من المنطق الصحيح، لا يكون في حد ذاته سياسي ديني للتأويل من أجل غرس جذور الاحتلال في الوعي والأرض، وإنما يمكن أن يقوم بوظيفة الوسيط للمطالبات الدينية الأخلاقية، بخلاف ذلك ، تهدد صهينة الدين والهجرة الاستيطانية في منهجية غير عادلة -من حيث الاستخدام - بأن يصبح أساس الخطاب العام والمشاركة السياسية والأرضية المشرعنة (للدولة) نفسها، وهي المستعمرة. …

الأخلاق والسياسة

ينعكس ذلك في مسار القهر الاستعماري الذي تمارسه الصهيونية من حيث اختراع الوصايا والصهيونية الجديدة في تشريع الدين ليهودية الدولة الايديولوجية. وطرد الفلسطينيين وحرمانهم من العودة إلى الأراضي المستولى عليها بالقوة، في مقابل تصادم الطوائف اليهودية المنقسمة حول الانخراط في كيفية الممارسة الدينية للاستلاب والاستيلاء الكامل على الأرض وتهجير السكان الأصليين من أوطانهم واستمرار التهجير، وجلب المستعمرين من الخارج، وطوائف التعايش الذي يفتقد في طرحه الخصوصية الجامعة ومشتركة .وهنا يتدخل نصّ جوديث بتلر" من أجل نجاح مشروعات التعايش المشترك لا يمكن أن ينجح إلا بعد تفكيك الصهيونية السياسية".

جاء خطاب جوديث بتلر بعد السابع من أكتوبر " الطوفان" في مقالة متسرعة حول الحدث الذي ولد في فلسطين المحتلة، وشكل لها ذلك هجوم من النقد، إلى أن شكل الدم الفلسطيني النازف بفعل أسلحة الإبادة في عصرها عصر الموت الجماعي، والصمت خطاباً أخلاقياً سياسياً واضح اعتبرت في محاضرة بالقول : "أعتقد من الأصح من الناحية التاريخية أنه من الغباء ربط العنف بما يحدث للإسرائيليين، فالعنف ضد الفلسطينيين موجود منذ عقود، وتساءلت بتلر لماذا قتل النساء في شوارع رفح لا يعتبر قضية غربية ونسوية؟ وما حدث كان نابعاً من حالة القهر الذي تعيشه فلسطين".

الخروج عن الفلسفة

يضعنا درس التاريخ أمام الحقيقة لا الحقائق، يعطينا النهج لا المنهجية، والفروق بينهم واضحة، في الحقيقة أن الاستعمار تعددت دراساته لمراحل استمراره وما بعد إنتهائه، وأن تولدت الأمراض داخل السلطة والأنظمة التي لا تحاول تتبع مسار الفهم والوقف عند الحقيقة، وتتبع النهج والعمل على إيقاف المنهجية المهزلة التي تدمر الكون، الحقيقة والنهج في فلسطين وكل فكرة استعمارية يعود للفرد إلى دراسة التعرف على الأصول والقضية من الأساس، فاغتيال العقل وتدمير الوعي، هو أيضاً هدفاً استعمارياً، والقلم الجرئ يتبع المفكرون الذين انتقدوا الفكر التوسعي الاستعماري، وتقسيم العالم عبر مشاريع رأسمالية مدمرة في الاعتذارية الغربية للأنظمة، والتواطؤ معها، في غزة الحديث والوصف أقل بكثير مما يصف المشاهد اليومية والحياتية الواقعة في مشهد على مرأى الكون يلتحق معه الرجعي ومن يحاول الركوب في عجلة خلق اعذار للاستعمار مقابل التعايش، تلك لا يمكن أن تستمر إلا في "صهر الوعي"والبشر وخلق المزيد من الكوارث في عالم منهار معلق في "عار التاريخ" الذي تحاول الشعوب في وحدتها الواضحة التخلص منه من أجل ما يجمعها من تجارب وثقافات وعلاقات عاشوا معها، ولم تترك لهم الأنظمة الاستعمارية مساحة لتحقيق هذا الهدف البشري السامي، وغزة وأنا ابن هذه المدينة لسان حالها أصبح على رأس قلب المرء وعينيه الشاهدة الباكية، غزة هي الدرس المؤلم في زمن الموت والإبادة المصرح لها بالاستمرار، أليس ذلك تناقض واضح لا يحتاج للمزيد من الوقت والاعذار والفهم، فكيف يكون التعايش في الكون مقابل مشهد الموت الغير عادي والذي صار ضد الطبيعة والعقل، وصار خارجاً بثوب جديد يمنع العيش أصلاً، يمكن أن يجيب على كل ذلك، عبارة قصيرة من أطفال غزة عن بشاعة الحرب والتهجير والجوع والخوف الوحش.. كثيرة هي الأفكار النقدية والمدارس التي واجهت من حيث ابجديات قاعدة العدالة وهي هدف الثقافة والعلم، لكن المرء عليه أن يعود بنفسه إلى نفسه، ويشرح للكون الحدث وكيف نشأ؟ ولماذا استمرارية بقائه؟ كل ذلك من أجل فوضى تعطي الإمبريالية مركز الحكم والتحكيم، وشعوب تعيش تحت فقدان الإرادة، فلسطين درس التاريخ وبيانه المستمر منذ توريث الاستعمار البريطاني والصهيوني وكل استعمار سابق.. القدس المحتلة تعيش أسوأ الحياة من المنع والسيطرة في مستعمرة العقاب، في الضفة الغربية للمستعمرين حضور متطرف على الطرقات والعربدة، والصهيونية الحاكمة تفكر كيف تخلق باستمرار أسوأ الظروف للحياة والمعيشة للفلسطينيين، وفي غزة الآثار الكاملة لمعنى الاحتلال، ومن يقرأ ويشاهد الحاضر، يدرك التاريخ وتكريس، الظلم الصهيوني من النشأة إلى هذه اللحظة، البحث في حقول التاريخ يعطي السياسي درساً أكثر قوة وبلاغة من مباحاثات الواقعة الفارغة من تحقيق أي من الأهداف المنطوقة للسلام، ففي اتجاهات الفكر الغربي، ومدرات المدرسة الفكرية الشرقية والعربية والإفريقية، هناك جغرافيا لم تزل تعيش الويل من بقايا الاستعمار الراجل والدائم إلى حين اقتلاعه والبحث  وتنفيذ الفكر الأخلاقي يكون مرجعاً إنسانياً وحدوياً من أجل السلم البشري في أوطان مستقلة، لا تقوم على طرد الاَخر وجثثاته من بلاده وروحه وجسده.

سلام لغزة والحياة لفلسطين وللشعوب المكافحة لنيل الحرية..