آثار مصر..  الكنوز المهدرة!

المديح والإطراء للآثار المصرية الفريدة، لا يجدي كثيراً لا في اكتساب المزيد من المحبين لها ولا في استرجاع المسروق منها.
دور وزارة الآثار في الحفاظ على الثروة القومية، لا غنى عنه مطلقا
بعضُ الآثار المصرية أصبحت مع الزمن أيقوناتٍ دالّة، نالت شهرة عالمية لا نظير لها
ضرورة إعادة النظر في سياسة إنشاء المتاحف الكبرى بالمحافظات

لا أحد يعشق تراثه كما يفعل المصريون، لكنّ هذا العشق لا تصاحبه دوماَ، للأسف، ممارسة كافية للتعبير عنه. كيف نعبّر عن عشقنا هذا؟ الإجابة سهلة، إنها فقط تكمن في «أن نقرأ تاريخ الأجداد».
أن نقرأ تاريخنا المصري القديم باعتزاز وتقدير، هذا هو أكبر عمل وأقوى فعل يمكن أن نقوم به لخدمة الآثار المصرية. ما سوى ذلك من أعمال وأقوال وجهود وبحوث، هي كلها خدمات مكمّلة للفعل الأساسي الذي هو أن «نقرأ».
المديح والإطراء.. للآثار المصرية الفريدة، لا يجدي كثيراً لا في اكتساب المزيد من المحبين لها ولا في استرجاع المسروق منها. وقد تكون آثاره عكسية خصوصاَ عندما يتم ذلك على ركام كثيف من مئات السرقات وعشرات المشكلات التي أصابت عمليات الترميم والتطوير للمواقع والمتاحف المصرية.
المدخل الحقيقي والفعال لرفع الوعي بقيمة الآثار وضرورة حمايتها وحفظها هو ليس في كثرة مديحها، بل في صيانتها وحمايتها من كل سوء أكان بفعل البشر أو بسبب الطبيعة.
إذن كيف نحمي أثارنا وتاريخنا من الزوال والنسيان؟
بشيء واحد فقط، نكرره مرة أخرى، هو بكل بساطة: أن نتعلم كيف نقرأ تاريخ أجدادنا الفراعنة، وأن نتباهى بذلك.
هنا يكون دور وزارة الآثار في الحفاظ على هذه الثروة القومية، لا غنى عنه مطلقا، خصوصا وأن مصر هي عبارة عن متحف أثري مفتوح، حيث لا يوجد شبر على أرضها إلا ويحكي قصة ما، أو يحتوي على أثر ما يدل على عظمة ورقي الأمة المصرية الخالدة، ومن هنا فإن لمصرَ مكانة خاصة على مرّ التاريخ، وهي مركز تجمع الآثار بامتياز، وهي على رأس قائمة المقاصد السياحية العالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وزارة الآثار تأخذ على عاتقها مسؤولية حماية التراث الأثري المصري من خلال حصر الآثار بكل أنحاء الجمهورية، والتنقيب عنها، وتسجيلها، وصيانتها، وترميمها

كما صارت بعضُ الآثار المصرية مع الزمن أيقوناتٍ دالّة، نالت شهرة عالمية لا نظير لها بسبب أهميتها ومكانتها العالية، فمنها ما أصبحَ من عجائب الدنيا السبعة، حيث إنها تمثّل اليومَ ثروة قومية لا نظير لها لمصر، بل وللمنطقة العربية بأسرها. من أشهر المعالم الأثرية في مصر الأهرامات الثلاثة، والتي تخفي خلف حجارتها أسراراً هائلة، حيث صارت مضرباً للأمثال من حسنِها، وبهائها، وإعجازها، وقد خلّدت الأهرامات عبقريّةَ الفراعنة، والتقدم الذي كانوا يعيشون فيه، كما خلدت أيضاً حكايات تاريخية مهمة، وحفظت للأجيال اللاحقة وسائلَ ليتعرفوا على عظمة مَن عاشوا يوماً ما على هذه الأرض. 
خارطة طريق جديدة
لا يعرف الدكتور محمد عبدالمقصود الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار بمصر، أنصاف الحلول، ولا يعترف أيضا، بأن الرأي الذي يتبناه هو رأيه وحده، بل يراه معبرا عن أغلب علماء المصريات داخليا وخارجيا، ولهذا نجده قاطعا كالسكين، أو حادا كمشرط  الجراح، قائلا: إن الآثار المصرية تعرضت في السنوات الأخيرة ، خاصة بعد ثورة يناير في عام 2011، إلى هزَّة عنيفة وأحداث جسيمة نالت المواقع الأثرية والمتاحف والمخازن، إضافة إلى تراجع مواردها، نتيجة تراجع عوائد السياحة التي تعتبر مصدر الدخل الرئيسي للآثار، الأمر الذي أدى إلى صرف وديعة مالية ضخمة تقدر بأكثر من 2 مليار جنيه. 
وبما أن وزارة الآثار كانت فيما مضي تمول ذاتياً، أي من دخل الزيارات السياحية والمعارض الخارجية للآثار المصرية، وبالتالي كانت تتولي الانفاق علي تنفيذ المشروعات الأثرية، وكذلك دفع مستحقات العاملين المالية ومرتباتهم، لكن سنوات ما بعد ثورة 25 يناير 2011 وما صاحبها من اضطرابات أدى إلى استدانة أكثر من ثمانية مليار جنيه، لأن وزارة الآثار لا تتبع الموازنة العامة للدولة.
مما أدَّى بالطبع، إلى تراجع الأنشطة، وتوقف المشروعات، وتجميد خطط تطوير المناطق الأثرية والمتاحف والحفائر والترميم والصيانة، فضلا عن تراجع أداء العاملين، وتزايد عمليات تهريب الآثار، ثم والأخطر كثافة التعديات الكارثية على المواقع الأثرية.
التساؤل الذي يطرحه هنا الدكتور محمد عبدالمقصود، هو: "هل الآثار المصرية تلك الثروة التي تميز مصر عن بلاد الدنيا تحتاج إلى خارطة طريق جديدة"؟ 
الإجابة هي: بـ "نعم" خاصة أن كل المؤشرات الحالية تدل على أهمية ذلك، والتي يحددها عبدالمقصود في ثلاثة عشر بندا، يمكن لو طبقت بإخلاص أن تشكل نواة أجندة عمل لإنقاذ تاريخ وحضارة مصر .. وهي: 
أولاً: مشروع المتحف المصري الكبير الجاري إنشاؤه والمنتظر الانتهاء منه في عام 2020 وهو أكبر المتاحف في العالم، والمشروعات الثقافية والأثرية التي بحاجة إلي مزيد من الدراسة من أجل رؤية مستقبلية واضحة وطموح خاصة أن منطقة آثار الهرم والمتحف بعد انتهاء هذا المشروع، تحتاج إلى إدارة موحدة وخدمات ليست للمتحف فقط، وإنما للمنطقة ككل، وهنا يجب أن نوضح أن إدارة المنطقة من الناحية الأثرية شيء، وإدارة المشروعات والخدمات الموجهه لخدمة السائح شيء آخر.
 وكل ذلك يتطلب وضوحا في الرؤية، وتخطيطا شاملا ومحددا حتي تتحقق الاستفادة من هذا المشروع الموجود ضمن خريطة أهم منطقة أثرية في العالم موجودة على قائمة التراث العالمي والمهددة بالزحف العمراني والتعديات، مما يؤثر بالسلب على وضعها في قائمة التراث العالمي كموقع مسجل رقم واحد.
ثانياً:  يجب الاستفادة من البعثات الآثرية الأجنبية العاملة في مصر، وعددها أكثر من 250 بعثة، بالإضافة إلى المعاهد الأجنبية للآثار بحيث يجب أن تشارك هذه البعثات في مشروعات ترميم الآثار وتقديم التسهيلات لمثل هذه المشروعات وتحديدها كأولوية بالنسبة للبعثات الأجنبية، وذلك من خلال خطة واضحة ومحددة، ربما تمتد لعدة سنوات ولمواقع محددة في جميع أنحاء مصر، وليس في منطقة واحدة.
ثالثاً: ضرورة إعادة النظر في سياسة إنشاء المتاحف الكبرى بالمحافظات والتي تضيف عبئاً مالياً على وزارة الآثار دون أن يكون لها أي مردود حتى لصرف رواتب العاملين بها، لذلك يجب الاكتفاء بنماذج من المتاحف الصغيرة بالمحافظات، والتركيز على المتاحف الكبرى الجاري إنشاؤها في: الغردقة وشرم الشيخ والمنيا ومتحف الحضارة والمتحف المصري الكبير.
رابعاً: إن آثار مصر بحاجة ماسة إلى إنشاء جهاز متكامل للمشروعات تكون مهمته الأساسية تطوير المناطق الأثرية والقيام بأعمال الترميم المعماري والدقيق، واستكمال الخدمات والمرافق بهذه المناطق حتى تصبح مزارات سياحية تسهم في تنمية موارد الآثار.
خامساً: إعادة النظر في منظومة الحراسة والأمن في المناطق الأثرية والمتاحف والمخازن، والتوسع في إنشاء المخازن المركزية، وإلغاء المخازن الفرعية بالمحافظات، لأنها تهدر الكثير من الجهود والإمكانات بلا طائل.
سادساً:  يعتبر توقف قطاع النشر العلمي والمطابع الحديثة بوزارة الآثار لغزا محيرا، وهو الأمر الذي يثير العديد من الأسئلة حول لماذا لا تطبع حاليا سوى تذاكر الزيارات السياحية والدعوات التذكارية؟ ولماذا لا تستخدم هذه المطابع في تنمية الموارد المالية للوزارة أو في طباعة دوريات (أو حوليات) الآثار في مصر؟ علما بأن هناك نحو 250 بعثة آثرية أجنبية تعمل في البحث والتنقيب بمصر، وهي ملزمة بنشر نتائج ما تقوم به من حفائر في الدوريات المصرية أولا، وقديما كانت تلك الدوريات تحظي بسمعة دولية محترمة وانتشار واسع على مستوى العالم.

سابعاً: أعمال الحفائر وما يصرف عليها من ميزانيات ضخمة، يجب أن تكون محددة في الأماكن التي يوجد بها خطورة على المواقع الأثرية، بشرط أن يواكب الترميم أعمال الحفائر، وأن تعقد لجنة على مستوى كل قطاع لمناقشة خطة الحفائر بالقطاع وأولويات العمل به، إضافة إلى أهمية عدم توجيه الحفائر لأغراض الدعاية، لأن الأولوية القصوي والعاجلة هي حماية وصيانة وترميم وإنقاذ الأثار المصرية، والعالم كله يقوم بالدعاية لها.
ثامناً: ضرورة إعادة النظر في سياسة المعارض الخارجية للآثار، بحيث لا يؤثر اختيار القطع الآثرية للذهاب إلي المعارض الخارجية على عرضها بالمتاحف المصرية، وبأن يكون هناك قطاع مسئول عن المعارض الخارجية والتجهيز لها، وليس العمل بالقطعة مع كل معرض.
تاسعاً: أما بالنسبة للتمويل الذاتي لوزارة الآثار، فلن يحل المشكلة حالياً ولسنوات قادمة، ويمكن أن تُضَم وزارة الآثار للموازنة العامة للدولة حتى تتعافى، وتنفذ مشروعاتها كاملة، خصوصا وأن الآثار تعتبر موردا أصيلا من مصادر الدخل القومي لمصر، وهذا لا يمكن أن ينفذ تحت مظلة التمويل الذاتي. 
عاشراً: يجب تشجيع البحث العلمي في وزارة الآثار لإعداد كوادر علمية مدربة، وإيفاد المبعوثين المصريين إلي دول العالم للاستفادة من المدارس المتقدمة في صيانة وترميم الآثار والحفائر وعلم الآثار، وذلك بتشجيع بعثات الآثار والمعاهد الأجنبية في مصر على تقديم المنح لدراسة الدكتوراه للأثريين وأخصائي الترميم بوزارة الآثار، وهو أمر يساهم في إعداد كوادر مطلعة عل أحدث الأبحاث العلمية في العالم. 
الحادي عشر: إن عملية إعادة هيكلة وزارة الآثار بعد تحويلها من مجلس أعلى للآثار إلي وزارة، لم تنفذ حتي الآن، والعمل الحالي يوجد ازدواج بين هيكل الوزارة وهيكل المجلس الأعلى، نتيجة شيوع المسئولية ووجود العديد من الدرجات الشاغرة، مما يشكل إحباطا للعاملين بسبب ازدواجية المناصب وتعقد الإجراءات، وهذا يعود بالسلب على العمل الأثري والإداري.
الثاني عشر: مطلوب جهاز مختص بمتابعة إزالة التعديات على الأراضي والمواقع الأثرية، وسرعة التصرف إزاء التعديات في المهد بالإزالة الفورية مع تغيير الآلية المتبعة حاليا في تنفيذ قرارات الإزالة، وبالتالي تحديد مسئولية كل جهة من تلك الجهات كي يتم تنفيذ الإزالة في وقت محدد.
الثالث عشر: إعادة النظر في مرتبات وحوافز ومستحقات العاملين بالآثار، لأن معظمها يصرف استنادا إلى لوائح أو تعليمات متضاربة لا ترتبط بمعدل التنفيذ لمن توكل إليهم المهام والأعمال، الأمر الذي يضاعف الإحباطات وكثرة الشكاوى بينهم.
قوانين وتشريعات 
الغريب أنه حتى منتصف القرن التاسع عشر، لم يكن هناك أي تشريع يخص تجارة الآثار بمصر، فقد كانت هناك آلاف القطع الأثرية من مجوهرات وتماثيل ونقوش وحتى آثار بأكملها قد نزعت من بيئتها الأصلية لتنضم إلى مجموعات خاصة أو مجموعات متاحف مختلفة حول العالم. وقد بدأ الولع الغربي بالآثار المصرية مع قدوم الحملة الفرنسية (1798-1801) ونشر مجلدات متعاقبة من كتاب "وصف مصر" الذى خلق اهتمامًا عالميًا بمصر وآثارها القديمة. 
كانت الخطوة الأولى للحد من إخراج الآثار المصرية خارج البلاد قد تمت في يوم 15 أغسطس/آب من عام 1835، عندما قام محمد علي باشا والي مصر بإصدار مرسوم يحظر تمامًا تصدير جميع الآثار المصرية والإتجار بها، وشمل أيضًا هذا المرسوم إنشاء مبنى بحديقة الأزبكية بالقاهرة استخدم كدار لحفظ الآثار. 
ولسوء الحظ كانت تلك القطع الأثرية عادة ما يمنحها حكام مصر لوجهاء أوروبا كهدايا، ومع منتصف القرن التاسع عشر تضاءلت مجموعة القطع الأثرية حتى نقلت إلى قاعة صغيرة بالقلعة. وفي عام 1855، حينما زار الأرشيدوق النمساوي ماكسميليان (أحد أفراد العائلة المالكة فى النمسا) هذه القاعة وهو بالقاهرة، أعجب بالمجموعة الأثرية فأهداها له والي مصر عباس باشا ونقلت إلى فيينا.
رؤية ورسالة
المهم أن حماية وصيانة الآثار التي خلفتها الحضارات المتعاقبة على أرض مصر من أجل مستقبل الأجيال القادمة، دور أصيل للوزارة لا ينازعها فيه أحد، وكذلك نشر الوعي الأثري تأكيدًا على تميز الهوية المصرية وإبرازًا لدور مصر المحوري في نشأة الحضارة الإنسانية، والسعي لجعل مصر مركزًا متميزًا للسياحة الثقافية دعمًا للاقتصاد المصري وتعزيزًا لقوة مصر الناعمة في محيطها الإقليمي والدولي.
بالتالي تأخذ وزارة الآثار على عاتقها مسؤولية حماية التراث الأثري المصري من خلال حصر الآثار بكل أنحاء الجمهورية، والتنقيب عنها، وتسجيلها، وصيانتها، وترميمها، آخذة في الاعتبار أن تكون الأولوية للمناطق المعرضة للمخاطر البيئية أو الزحف العمراني، بالإضافة إلى الإشراف على جميع البعثات الأثرية الأجنبية العاملة في مصر.
 والمأمول أن تسهم الوزارة أيضًا في دعم الاقتصاد المصري من خلال دورها في إثراء السياحة الثقافية، ومن عائدات المتاحف والمناطق الأثرية بما يتضمنه ذلك من إنتاج وبيع المستنسخات الأثرية المطابقة تمامًا للقطع الأصلية.