أزمة الوجود والثقافات الهجينة

الانطلاق نحو ثقافات جديدة بمختلف وسائل البحث وأولها السفر والرؤية المباشرة بالعين والقلب والعقل.
أبو السباع يتحدث عن غياب مشروع الوجود العربي
ليس لنا وجود ضمن مشروع تهجين الثقافات

غياب مشروع الوجود في البلدان العربية والناطقة باللغة العربية أيضًا سيقضي على وجودنا لا محالة، وإذا اعتبرنا إسرائيل عدوًا، فأنا لست نبيًا مثل السيد المسيح كي أقول لكم: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم»، لكن سأقول ما المانع من تعلم الدرس من فكرة مشروعهم القائمة على إثبات الوجود، على الأقل مشروع إثبات وجودنا أو الحفاظ عليه بالنسبة لنا مشروع، بعكس المحتل الذي تبنى الفكرة ويعمل عليها بلا مشروعية لذلك، لكنه ينجح «براجماتيًا»، يومًا تلو آخر، وفي المقابل «عدوه»، أي «نحن» نتراجع ونتخلف يومًا تلو آخر، لأننا بمنتهى البساطة بلا مشروع وجود حقيقي. مختلفون دائمًا.
كلما تلفت يمينًا آو يسارًا حولي من الماء إلى الماء، لا أجد فكرة مشروع وجود حقيقية، إنما هي تمرير أيام، يوم تلو آخر، مثل التفكير العقيم لموظف ينتظر راتبه شهريًا، ينتظره وهو مدين، ليوزعه على دائنيه، من دون أن يستفيد شيئًا إضافيًا له، يستشعر بخطوة تلو أخرى أنه يتطور لمستقبل أفضل.
وإذا أمعنا النظر قليلاً في تهجين الثقافات، فلن نجد لنا أيضًا وجود، قبل الحديث عن الحضور، والذي هو مرحلة أهم بكثير من مرحلة الوجود الخالية من معنى أعمق من الحفاظ على نوع بشري، يدعي انتماءه إلى جنس إنساني أصيل. فالشجرة موجودة، وزارعها هو الحاضر في المشهد.
تفكيك العبودية للأشياء المحيطة بنا، أولى مراحل التفكير خطوة باتجاه المستقبل، فكك عبوديتك، وحرر عقلك من المسلمات والبديهيات التي رسخها بشر مثلنا، وعملوا على أن تكون مكبلة لعقولنا، حتى نظل جامدين معدومي التفكير في المستقبل، أو حتى القدرة على استشرافه.
الانطلاق نحو ثقافات جديدة بمختلف وسائل البحث والتي أولها السفر والرؤية المباشرة بالعين والقلب والعقل، فلا تتحدث بيقين عن أمر لم تحضره، ونقله لك بشر مثلك، إلا إذا كان وحيًا، والأنبياء ماتوا.
تهجين الثقافات دليل حيوية البشر، لإنتاج فكرة مشروع وجود حقيقية تليها فكرة مشروع حضور متقد الذهن.
انفتحوا على "الآخر"، المتقدم، واكتشفوا سبل تقدمه، واستنساخ التجارب الناجحة ليس عيبًا، بل هو الطريق الذي استشرفت به دول متقدمة كثيرة سبل الوصول إلى المستقبل. نقل التجارب الناجحة من بلد إلى آخر، عمل مشروع جدًا، ينبغي تحقيقه، بعيدًا من السلاسل التي تربطنا بالأرض، وتعيدنا إلى ماضٍ انتهت أدوات التعامل معه. الحاضر، والمستقبل مختلف تمامًا حضاريًا.
لن أقول «المشروع العربي»، لأننا في عالم لا يمكن فيه الحديث عن عربي وغربي، لأنَّ الحضارة متصلة، متواصلة، إلا إذا تعاملنا معها بعنصرية، ووقتها نكون خاسرين. 
مرة، ومرة، ومرات عديدة، أتمنى أن نفكر في مشروع وجود جمعي، فالنجاح الشخصي، وإن كان مهمًا ومطلوبًا، في سلم الحضارة، إلا أنه يحتاج مناخًا جمعيًا لينمو، ويتنفس، ويواصل نجاحه الذي من المؤكد أن يصب في تحقيق الفكرة الأكبر، وهي مشروع الوجود، والثقافات الهجينة التي تحققه، لنصبح حاضرين على سطح الكوكب، قبل أن ندفن في باطنه.