أزمة كورونا تحدٍّ كبير للإعلام

جورج سيدهم يرى أن كل إعلام يتعامل مع شعبه بالطريقة التي يمكنه استيعابها.
البرامج التليفزيونية المصرية واجهت هجوما شرسا على خلفية معالجاتها لجائحة كورونا
من المهم جدا انتقاء الضيوف والكلمات الدقيقة في هذه المرحلة الحساسة في تاريخ البشرية

واجهت البرامج التليفزيونية المصرية هجوما شرسا على خلفية معالجاتها لجائحة كورونا، جاء هذا الهجوم ساخرا ومستهزأ ومتهما بالجهل، وطال تقريبا جل برامج التوك شو على الفضائيات خاصها وعامها، حيث ذهبت إلى استضافت غير متخصصين أو متخصصين توقفت متابعتهم عند زمن الستينيات والخمسينيات من القرن العشرين، فمنهم من رأى العلاج من كورونا في أكلة الـ "شلولو"، وهي أكلة تنتمي لجنوب مصر عبارة عن خلطة من الملوخية الجافة والليمون والثوم والملح ويضرب الخليط بالماء، وبعضهم ذهب إلى أكل الفسيخ والسردين المملح مع البصل والليمون، وبعض البرامج تعاطت مع الأزمة بالاقتصار على الدفاع عن الدولة في مواجهة صرخات الأطباء والممرضين ونقص الاستعدادات، حتى الإرشادات والنصائح بدا التعامل معها كنوع من الكوميديا الساخرة. 
حول معالجة البرامج بالقنوات الفضائية العربية عامة والمصرية خاصة، والأبعاد السلبية لهذه المعالجة وخطورتها على المجتمع المصري، كان هذا الحوار مع د.جورج لطيف سيدهم، مدرس بقسم الإذاعة والتليفزيون بالأكاديمية الدولية للهندسة وعلوم الإعلام، حيث رأى أن البرامج التليفزيونية في وقتنا الحالي تحاول بقدر استطاعتها أن تقوم بعرض حقائق عن الجائحة من حيث أعداد المصابين وحالات الوفاة وأيضا حالات الشفاء من خلال التقارير الرسمية الصادرة عن وزارات الصحة لكل دولة، فمثل هذه الحالات أعتقد أنه لا مجال لتجميل الحقائق إلا أن كل إعلام يتعامل مع شعبه بالطريقة التي يمكنه استيعابها، فنري إعلامنا المصري والعربي يحاول أن يقوم بتوعية الناس بشكل مباشر ومستمر من خلال تقديم النصائح وطرق الوقاية، وأحيانا أخرى يقوم بتخويف الناس من خلال قصص مؤثرة من البلاد الأخرى التي تفشت بها الجائحة لتكون طريقة أخرى أكثر تأثيراً علي المجتمعات العربية، ولكن في كل الأحوال يقوم إعلامنا العربي بعرض الحقائق بطريقة هادئة مقارنة ببعض الدول الأوروبية التي تصدم شعوبها بحقائق قاسية وخطب مباشرة تماماً بدون أي تجميل، أعتقد أن طريقة العرض تختلف وفقاً لطبيعة الشعب وتاريخ الإعلام مع الشعوب، إلا أن في كل الأحوال يقوم الإعلام المصري والعربي بعرض التصريحات الرسمية ثم التعليق علي تلك التصريحات والتي تختلف هنا من قناة لقناة ومن مقدم برامج لآخر.

الحظر خفض كثيرا من استهلاك المحروقات وملوثات البيئة والإنبعاثات الحرارية، وهذا يجب أن يشير إليه الإعلام لنتعلم كيف نحافظ على البيئة ما بعد الكورونا

ولفت سيدهم إلى أن طريقة معالجة مقدم البرامج بالطبع لها دورها المهم في توجيه الرأي العام، وهنا أتكلم عن البرامج التليفزيونية الأكثر مشاهدة ومتابعة من الجماهير المصرية والعربية، فعندما يقوم مقدم البرامج بالتعليق على التقارير من وجهة نظره الشخصية ومتابعته للحالات التي يقدمها له الإعداد، فإنه أحيانا ما يعكس قلقه وتوتره علي المقدمة التي يستهل بها برنامجه، وقد يكون أحيانا هذا التوتر والقلق في غير محله أو بسبب تقديم معلومات غير دقيقة مصادرها غير موثوق بها، فيؤثر سلباً علي المشاهد ويجعله في حيرة وتخبط شديد إلى جانب انعكاس ذلك التوتر العام على علاقة الشخص بالبيئة المحيطة به من أفراد الأسرة أثناء فترة الحظر.
وأضاف "من جانب آخر أحيانا يقوم البرنامج باستضافة شخص في وضع مسئولية أو أهل علم متخصص ليقوم بتوضيح بعض الجوانب الطبية أو طمأنة الجمهور من خلال الحوار، وهنا تكون المشكلة أكبر عندما يقوم ذلك المتخصص بطرح استنتاجاته الشخصية ومعلوماته غير المدعومة بالوثائق والدلالات العلمية التي من المفترض أن يكون هو أهلها، فيقول وصفات وطرق وقاية غير دقيقة تثير شكوك وسخرية الجمهور المثقف وتكون معلومات مضللة للجمهور البسيط، ومثال لهذه الفكرة "دكتور الشلولو".
وأكد سيدهم أنه من المهم جدا انتقاء الضيوف والكلمات الدقيقة في هذه المرحلة الحساسة في تاريخ البشرية، فلا مجال الآن للإفتاء أو طرح وجهات النظر غير القائمة على أدلة وبراهين علمية واقعية، لأن أي طرح غير دقيق سيؤثر علي مصداقية القناة وتاريخها وتاريخ مقدم البرامج، وكذلك سيؤثر سلباً علي المشاهد الواعي الذي سيغير القناة لقناة أخرى قد تكون لها أجندات ورسائل خفية مضادة للدولة والمشاهد البسيط الذي سيعتقد أن الوصفة أو العلاج المقترح هو الحل وسيقوم باستخدامه ضارباً بعرض الحائط التعليمات والإرشادات الوقائية التي تناشد بها الدول ليلا ونهارا".
وحول الدور المفترض القيام به على مستوى الإذاعة والتليفزيون في مواجهة أزمة كورونا وأبعادها الاقتصادية، قال سيدهم "للأسف الوضع الحالي هو وضع خطير ولا يعلم نهايته إلا الله سبحانه وتعالي، الكل يعرف أن للأزمة الحالية تبعات سلبية علي اقتصاديات العالم كله، ولكن لا يمكن لأحد أن يتكهن إلى أي مدى يمكن أن تنتهي تلك الأزمة، ولكن يجب أن يكون للتليفزيون دور توعوي للجمهور، ففي مثل هذه الأزمة يجب أن يوجه الإعلام الجماهير لطرق الإدخار المختلفة، وكيفية الإستثمار الآمن في مثل هذه الظروف، واستعراض تجارب الدول الأخرى والحالات الفردية في كيفية الإدخار والإنفاق الرشيد على مستوي الأفراد، أعتقد أن مثل هذه الرسائل نفتقدها في الإعلام المصري والعربي ونحتاج لخبراء واقتصاديين يقومون بتوجيه الشعوب لإدارة أموالهم ومقتنياتهم الشخصية بنجاح للعبور الآمن من الأزمة".
وشدد سيدهم على ضرورة وجود برامج متخصصة وإرشادية تقدم المعلومات، وترد أول بأول على تريندات السوشيال ميديا Social Media Trends والتي يكون أغلبها شائعات سواء عن المرض نفسه أو عن وصفات الوقاية غير العلمية أو عن حالات الوفاة أو الإصابة غير الدقيقة أيضاً، في الواقع لا بد من تكثيف جهود التوعية لكل فئات المجتمع، وأعتقد أن هذا تحد كبير للإعلام في توجيه رسائل من خلال البرامج أو فقرات التوعية لكل طوائف المجتمع، وهذا يتطلب تحوير الرسالة الإعلامية وفقا للنطاق الجغرافي وكذلك الشرائح المجتمعية من مستويات تعليمية وعلمية مختلفة.

وأشار سيدهم إلى أن للأزمة عدة جوانب إيجابية ظهرت مؤخراً مع بداية الحظر الجزئي أو الكلي يمكن أن يعززها الإعلام ويسعى لغرسها في مجتمعاتنا العربية. أول تلك الإيجابيات أن الأزمة أعادت شمل الأسرة بالإجبار فأجبرت المواطنين علي الإلتزام بمنازلهم لفترة ليلية طويلة، وهذا في اعتقادي سيكون إيجابياً في إعادة لم شمل الأسر المفككة، فدائما ما نرى رب الأسرة في دوام كامل ليل نهار كي يحصل على قوت يومه هو وأولاده لينعموا بحياة مادية كريمة، ولكن ذلك له أكبر أثر سلبي على ترابط الأسرة والتربية السليمة للأبناء، وهنا العودة الإجبارية لرب الأسرة تعيد هذا التوازن الأسري وتجعل وتيرة الحياة تسير بصورة طبيعية وهادئة بدلاً من الصخب والحياة الصناعية الطاحنة التي نعيشها، وهنا يجب على الإعلام أن يركز على هذا الجانب المهم، وهو كيف نستفيد ونمارس أنشطة أسرية أثناء فترة الحظر تقوي الروابط بين الآباء والأمهات العاملين وأبنائهم، فهذه الفترة بالنسبة للأبناء فترة مميزة وليست سلبية كما نراها نحن الآباء، فهذه فرصة جيدة كي نعيد التعرف على أبنائنا ونجعل الأبناء أيضا يعيدوا النظر في علاقتنا. 
الإيجابية الثانية هو انتظام ساعات العمل وإيجاد حلول جديدة للعمل من المنزل، ففي مصر على سبيل المثال ينتهي الحظر من السادسة صباحا وحتى السابعة مساءً وذلك يعد انتظام إجباري للحياة الصحية التي نتمناها بدلا من المدن المستيقظة ليل نهار، وهنا أعتقد أن الإعلام إذا حث المواطنين على مباشرة أعمالهم في وقت مبكر من اليوم وإنهاء الأعمال في ميعاد محدد وبعدها يكون هناك إغلاق جبري لكافة الملاهي والمحال التجارية الصاخبة سيكون ذلك أفضل للأسر وللدولة حتى من جهة الإستهلاك، حتي بعد انتهاء الأزمة يصبح هذا هو النظام الذي نتعلم أن نعتاد عليه كمواطنين.
الإيجابية الثالثة انخفاض معدلات التلوث العالمي، فالحظر خفض كثيرا من استهلاك المحروقات وملوثات البيئة والإنبعاثات الحرارية، وهذا يجب أن يشير إليه الإعلام لنتعلم كيف نحافظ على البيئة ما بعد الكورونا، وأتمني أن نستفيد من تلك الأزمة وذلك الحظر الإجباري ونتعلم كيف نجعل من الإيجابيات اسلوب حياة كي لا "تعود ريما لعادتها القديمة" بعد الكورونا.