أميركا التي خدعتهم ضحكتها

من كان يظن أن السياسة الأميركية تجاه العراق متقلبة ومتخبطة فهو واهم، أو لا يفقه من السياسة شيئا لأن كل ردود الأفعال هي مقصودة من حيث يعلم أو لا يعلم ساسة العراق.

كان عليهم أن يتعلموا أن أميركا تختار الوقت المناسب للإنقضاض بعد أن تراقب وتنتظر لتستحصل الفائدة من خواتيم الأحداث ونهاياتها.

يزعمون أنهم محترفو سياسة لكنهم لم يسمعوا ويتعلموا أو على الأقل يحذروا من مقولة نابليون بونابرت "إذا رأيت عدوك يدمر نفسه فلا تقاطعه".

سردية الإستراتيجية الأميركية التي تعمل بها في الترقب والإنتظار وحتى اللامبالاة التي هي بالأصل فن من فنون السياسة الأميركية.

مخطئ كثيراً من يظن أن أميركا غبية، أو باتت اليوم مستعدة أن تخسر جندياً واحداً من جنودها، أو حتى إطلاقة رصاصة بندقية، فالإستراتيجيات قد تغيرت منذ غباء بوش الإبن وغزوه للعراق عام 2003 حين أصبحت بعيدة عن الغوغائية لتتحول إلى ما تسمى القوة الناعمة.

السياسة الناعمة والإنتظار والهدوء هي السياسة عندهم لأنهم أدركوا أن سياسة العنتريات لم تعد تجدي نفعاً.

أميركا اليوم تختبئ وراء السواتر وتترك زمام المعركة للآخرين كما تفعل حالياً في أوكرانيا التي تخوض حرباً بالإنابة عنها ضد الروس.

خطيئة من يحكم العراق اليوم أنه لا يستفيد من الدرس أو يتعلم منه، فأميركا كانت حاضرة في سوريا مع إنها كانت في الظل هي من تحرك خيوط اللعبة.

هل سمع أحدكم تعليق صحيفة نيويورك تايمز بعد دخول الروس إلى جانب النظام السوري في وحل مستنقع الحرب الأهلية بعنوان "أحسنت أوباما، دعهم يتقاتلون فيما بينهم وإبق بعيداً"؟

لم يفهم حكام العراق الجدد تلك الإستراتيجية، والمفارقة والدهشة أنهم يجهلون تلك الإستراتيجية وهم الذين ترعرعوا في كنف الـ(CIA)، والبعض إتخذ المخابرات البريطانية التي لا تقل شأناً في الدهاء والخبث عن أميركا ملاذاً لهم.

كيف فاتهم أن أميركا تركتهم يلعبون عقدين من الزمن وهي تنظر إليهم وتسمعهم وهم يتوددون إلى إيران ويفتحون لها خزائن بلادهم ونوافذ العملة لتهريبها للجارة التي لولا دولارات العراق لغرقت في بحر الإنهيار الإقتصادي وسقط التومان الإيراني في قعر التهاوي؟

غضت الطرف عنهم وعن اللعبة التي يمارسونها وكأنه لا رقيب عليهم حتى حانت ساعة الحساب.

هل يظنون أن أميركا التي كانوا يقصفون سفارتها ومعسكراتها ويفجّرون أرتالها في الطرقات سترحب بتشكيل حكومتهم الإطارية المقربة من طهران؟ هل ظنوا إن الترحاب والقبول يعني الموافقة؟ ساذج من يظن ذلك، إستدرجتهم إلى فخ السلطة حيث تريد، كانت مهلة لبعض الوقت، لكن المفارقة أن الإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة ظن أن أميركا ستنسى أو على الأقل تعقد هدنة معه.

حرب الدولار التي فتحت به أميركا نيرانها على الإقتصاد العراقي تنذر بالأفق أن الأزمة ماضية بالإتساع، فالقرار السياسي لواشنطن ومن ورائه إسرائيل لن تسمح للعراق بأن يكون الرئة التي يتنفس منها الإقتصاد الإيراني.

طبول الحرب التي تدق بالمنطقة تخيّر العراق في أن يكون مع أو ضد، هي الحرب التي يكون الشعب العراقي ضحاياها بسبب منظومة سياسية موسومة بالفشل وإنهزام الإرادة وضعف القرار السيادي، مما أتاح التدخل والهيمنة في الشأن الداخلي.

يتناسى البعض أن أميركا تنسى إنتقامها ضد من خرج في تظاهرات أمام سفارتها وردد الشعارات المناهضة لها أو من كان يطالب بإخراج جنودها من العراق.

أستذكر بيتاً للشاعر المتنبي "إذا رأيت نيوبَ الليث بارزةً... فلا تظنّنّ أن الليث يبتسمُ".. مع الإعتذار لتشبيه الليث بأميركا.

وبعد كل هذا الحديث هل يظن المتفائل من هذه الحكومة أن المشهد السياسي سيسمح له بالإستمرار؟ إنتظروا أحداث القادم من الأيام.