'ابتسم أيها الجنرال' دراما سورية تدين العائلة الحاكمة

السوريون يتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة لمتابعة أول محاولة للكشف عن حياة أسرة عربية حكمت بلدا منكوبا اسمه سوريا ومشاهدة الصراع على السلطة الدائر داخل القصر الرئاسي.
المشاهد العربي يستطيع إسقاط شخصيات المسلسل لتتماشى مع أي نظام استبدادي يراه

جنديرس (سوريا) - في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، كما في مناطق الحكومة أو حتى دول اللجوء، يتسمّر سوريون مساء كلّ يوم منذ بدء شهر رمضان أمام الشاشات لمتابعة مسلسل يندد من دون خطوط حمراء بانتهاكات العائلة الحاكمة منذ نصف قرن.

ويتناقض مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" الذي جرى تصويره في تركيا وغالبية الممثلين من معارضي النظام في سوريا، مع الإنتاج التلفزيوني الذي تعرضه القنوات العربية عموما في هذه الفترة من العام والذي يتنوّع بين مسلسلات تاريخية أو اجتماعية أو كوميدية خفيفة.

ورغم أنّ أحداث القصة تدور في دولة وهمية وشخصياتها كما يظهر في بداية كلّ حلقة من "وحي الخيال"، إلا أنّ تسليط الضوء على مؤامرات داخل أروقة القصر، والتدخّل في سياسة بلد صغير مجاور، عدا عن اعتقال المعارضين واستخدام الإسلاميين، كلّها تفاصيل تحاكي أداء عائلة الأسد التي تحكم البلاد بقبضة من حديد.

ويقول فداء الصالح (35 عاما) الناشط المعارض في شمال غرب سوريا "لأول مرة على مستوى الوطن العربي يتمّ عرض مسلسل يتحدّث عمّا يجري داخل القصر الرئاسي".

ويضيف "أصبح الشعب السوري، بعد 12 سنة من الثورة السورية، متيقّنا من أنّ ما يُعرض ليس إلا نقطة من بحر إجرام هذا النظام".

ويجسّد الممثل السوري مكسيم خليل، المقيم في المنفى والمعارض للنظام، شخصية فرات رئيس الدولة، متقمّصا ملامح وإيماءات الرئيس بشار الأسد، وعلى غرار الأخير، يخلف فرات والده في الرئاسة رغم صغر سنه.

وبعد وفاة الرئيس الأسبق حافظ الأسد عام 2000، تمّ تعديل الدستور لخفض الحدّ الأدنى لسنّ رئيس الجمهورية من أربعين إلى 34 عاما.

وفي حين سمح هذا التعديل لبشار الأسد بأن يخلف والده ويتسلّم السلطة بطريقة سلمية وسلسة، فإنّ وصول فرات إلى السلطة كان معمّدا بالدم، إذ يجسد مشهد كيف يقتل بدم بارد قائدا عسكريا رفيعا داخل مسجد بعدما رفض الانصياع لطلبه الإيعاز لمجلس الشعب بتعديل الدستور.

ويلفت المخرج عروة محمد إلى أنه "عمل درامي وليس وثائقيا"، مضيفا "تكمن أهميته في فهم آلية عمل الديكتاتوريات وأساليب التسلّط والاستبداد وكواليس سلب الحكم بالسلاح والانقلاب على القانون والدستور، ومن خلال ذلك يستطيع المشاهد العربي بشكل عام إسقاط شخصيات المسلسل أو حتى تغيير الأسماء لتتماشى مع أي نظام استبدادي يراه".

ويوضح "يحيلنا المسلسل إلى النظام السوري السابق والحالي عبر دمج مرحلتين: مرحلة حافظ الأسد وشقيقه رفعت، ومرحلة بشار الأسد وشقيقه ماهر".

ويضم المسلسل إلى جانب مكسيم خليل نخبة من النجوم منهم عبدالحكيم قطيفان وريم علي ومازن الناطور وعزة البحرة وسوسن أرشيد وفرح بسيسو ومرح جبر.

ويتمحور العمل المؤلف من 30 حلقة، عرضت الأخيرة منه يوم الجمعة عبر شاشة التلفزيون العربي 2 وقناة سوريا المعارضة، وهو من كتابة سامر رضوان، حول الصراع على السلطة بين الرئيس وشقيقه الأصغر عاصي، قائد أركان الجيش.

ويبدو الصراع مستوحى من حرب لا هوادة فيها دارت في ثمانينات القرن الماضي بين حافظ الأسد وشقيقه الأصغر رفعت الذي انتهى به المطاف منفيا في أوروبا، ويحاكي المسلسل كذلك المنافسة بين بشار الأسد وشقيقه الأصغر ماهر قائد الفرقة الرابعة، وحدة النخبة في الجيش السوري، كما يشرح المخرج.

ويؤدي الممثل عبدالحكيم قطيفان، المعارض الذي اعتُقل لتسع سنوات في عهد الأسد الأب ويعيش حاليا في المنفى، دور مدير الاستخبارات النافذ والعقل المدبر في الرئاسة.

وتجسد الممثلة سوسن أرشيد شخصية سامية، شقيقة الرئيس المتمرّدة، في تشابه مع شخصية بُشرى الأسد التي انتقلت إلى دبي بعد مقتل زوجها آصف شوكت، أحد أربعة مسؤولين عسكريين سوريين كبار قضوا بتفجير انتحاري استهدف مقر الأمن القومي في دمشق عام 2012.

ويقول الناقد الدرامي والكاتب محمد منصور، المقيم في تركيا، إن "أهمية العمل أنّه تجرأ على محاولة أو محاكاة سيرة حياة أسرة عربية حاكمة حكمت بلدا منكوبا اسمه سوريا وجرت عليه الويلات".

ويتابع "هذه المحاولة جديدة في الدراما السورية وربما العربية" مقارنة مع إنتاجات شبيهة اكتفت بتسليط الضوء على جوانب إيجابية.

ويلقى هذا العمل متابعة في سوريا وخارجها، حيث يؤكد رضا السعدي (52 عاما) الذي يواظب على مشاهدة حلقات المسلسل من داخل خيمته في دير بلوط الخاضعة لسيطرة فصائل معارضة في شمال غرب سوريا "المسلسل رائع جدا ويسلط الضوء على معاناة الشعب السوري والأحداث التي نعيشها وهي توريث السلطة بالدرجة الأولى".

وعند مشاهدته المسلسل، يروي سامي الدريد (53 عاما) وهو مدرس تم توقيفه لشهرين في دمشق في بداية التحركات الشعبية ضد النظام عام 2011 "تخيّلت تماما الوضع عندما كنت موقوفا، حتى أنّ الواقع أبشع من ذلك".

ويشدد الرجل النازح إلى شمال غرب سوريا على أن "السجون هي من أقبح الصور التي ينتجها الاستبداد"، قائلا إن المسلسل "نكأ جروحا كنّا نحاول نسيانها".

ويثني الناشط المعارض حسام هزبر (32 عاما)، اللاجئ في تركيا، على أن المسلسل "تجاوز كافة الخطوط الحمراء التي اعتاد النظام وضعها أمام الدراما" السورية.

وتَظهر في المسلسل شخصيات عدّة تحاكي شخصيات حقيقية، على غرار زوجة الرئيس التي تلعب دورا متناميا، في إشارة ضمنية إلى أسماء الأسد.

وقارن متابعون للمسلسل بين شخصية رجل أعمال نافذ وفاسد وبين رامي مخلوف ابن خال الرئيس الأسد الذي تمّ تقليص نفوذه وأعماله خلال السنوات الأخيرة لصالح رجال أعمال مقربين من السيدة الأولى وعائلتها.

في دمشق، يشير متابعون للمسلسل إليه بتسمية "ذاك المسلسل" تفاديا لذكر اسمه.

ويرى إبراهيم وهو مدرّس تحفّظ عن ذكر شهرته أن "المسلسل دون التوقّعات بكثير، لكن يكفي أنّه يحاكي الحالة السورية"، مضيفا "نسهر مع الأصدقاء ونحاول أن نسقط أحداث المسلسل على أرض الواقع، أحيانا ننجح وأحيانا لا نفهم المغزى من هذا المشهد أو ذاك".

ويشار إلى أن البرمجة الرمضانية شهدت موسما دراميا هاما، فبتأثيرات تنافس قنوات العرض ومنصات المشاهدة المختصة قدمت الدراما التلفزيونية السورية ما يزيد عن العشرين عملا، عرض معظمها في مختلف القنوات العربية، وحققت متابعة جماهيرية متفاوتة من المقبول حتى العالية.