اتهامات متبادلة في تونس بشأن تفاقم ظاهرة الغش في البكالوريا

الغش الإلكتروني في البكالوريا التونسية تقف وراءه شبكات منظمة، وخبيرة تستغرب تواطؤ بعض العائلات مع هذه العصابات لتأمين تجهيزات الغش الإلكترونية لأبنائها.
تفاقم ظاهرة الغش في البكالوريا وأطراف عديدة تتحمل المسؤولية
تونس

بسبب تفاقم ظاهرة الغش في امتحانات البكالوريا هذه السنة في تونس، دعا مختصون وباحثون إلى ضرورة التصدي للظاهرة التي تتقاطع فيها عوامل عديدة تتعلق بطبيعة المنظومة التربوية، والمنظومة الأخلاقية للمجتمع التونسي ككل، فضلا عن الاتهامات الموجهة للأسرة بتشجيع أبنائها في حالات عديدة على الغش في الامتحانات.
وذكرت وزارة التربية أنها سجلت 78 حالة غش خلال اليوم الأول من امتحان الباكالوريا و201 حالة خلال اليوم الثاني.
وقالت الوزارة في بيان، إنها "شرعت في اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد المتورطين منهم في ذلك، والإيقاف الفوري عن مواصلة الامتحان للضالعين منهم في شبكات الغش الالكتروني".
وأحدثت الوزارة خلية للمتابعة المركزية لسير امتحانات البكالوريا تعمل بشكل خاص على التصدي لكل محاولات الغش في الدورة الحالية للبكالوريا التي انطلقت في الـ8 من حزيران/ يونيو الجاري وتتواصل إلى الـ15 من نفس الشهر بمشاركة قرابة 135 ألف مترشح موزعين على 578 مركز اختبار.
وفي تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" شددت أستاذة العلوم الاقتصادية ريم بن الناصر أنها من سنة إلى أخرى تلاحظ تفاقم سلوك اللامبالاة والاستهتار بالامتحانات لدى الطلاب الذين لا يحرصون كثيرا على متابعة الدروس خلال العام الدراسي ولا يطلعون على أغلب أجزاء البرنامج الدراسي ومع ذلك ينجحون في امتحان البكالوريا"،
 

الغش في البكالوريا أثر على المستوى العام للتعليم الجامعي في تونس

وأضافت بن الناصر أن هذه المفارقة أنتجت أمرين خطيرين: الأول هو انهيار شعار "من جدّ وجد" و"من طلب العلا سهر الليالي". فالعديد منهم ينجحون دون جد ودون سهر. والثاني هو تراجع المستوى العام لطلاب الجامعة لأنها باتت تستقبل طلابا غير مؤهلين علميا للالتحاق بمرحلة التعليم العالي".
وأشارت الباحثة في علم الاجتماع فتحية السعيدي إلى ضرورة مراجعة القيم الأخلاقية والمجتمعية ككل، مبدية استغرابها من تشجيع بعض العائلات لأبنائها على الغش في الامتحانات بدفع الأموال لاقتناء التجهيزات الإلكترونية التي تُستخدم اليوم للمساعدة على الغش. وقالت إن "العائلة بهذه الطريقة تساعد ابنها على السرقة وعلى مخالفة القانون وهو أمر خطير ينبئ بانهيار في القيم والأخلاق المشتركة داخل العائلة وداخل المجتمع ككل".  
وألقت الوحدات الأمنية القبض على شبكة مختصة في الغش في امتحانات البكالوريا تنشط بين محافظات تونس والقصرين وسيدي بوزيد، من بينهم مزوّد يبيع المعدات اللازمة من أجهزة لاسلكية وسماعات ذات تكنولوجيا متطورة وبطاريات صغيرة الحجم لا يتجاوز سمكها 1مليمتر.
واعترف المتهم خلال التحقيق ببيع جهاز الغش للمترشحين مقابل 600 دينارا (200 دولار)، فيما يتم تمكينهم من الإجابة على الامتحانات بمبلغ جملي قدره 1200 دينار (400 دولار).
ودعت السعيدي إلى "ضرورة استعادة العلم مكانته وقيمته الرمزية وألا يقتصر الأمر فقط على اعتبار التحصيل العلمي كأنه شر لا بد منه للدخول إلى الجامعة والتخرج والحصول على وظيفة". 
 

أسلوب التلقين والحفظ عن ظهر قلب دون فهم ودون إعمال العقل شجع الطالب على الغش في الامتحان

وأضافت أن ذلك لن يتم إلا بتدخل جميع الأطراف كالأسرة ووزارة التربية التي ينبغي عليها مراجعة سياستها التربوية وتحسيس الطالب بأنه طالب علم وليس حريفا يسعى لاقتناء شهادة علمية".
وهو رأي اقتربت منه وجهة نظر بن الناصر التي قالت إن "على وزارة التربية تغيير البرامج التعليمية البالية والتي أصبحت غير ملائمة للواقع التكنولوجي الذي يعيشه الشباب والمراهقون اليوم". وأضافت أن الأستاذ نفسه مدعو اليوم إلى مراجعة طريقته في التعليم وأسلوبه في التعامل مع الطالب ومع الدرس في نفس الوقت. 
ودعت إلى الابتعاد عن أسلوب التلقين الذي يزيد من حمل الحفظ عن ظهر قلب دون فهم، الأمر الذي يشجع الطالب على الغش طالما أن الأستاذ على يشجع الطلاب على التفكير وإعمال العقل.
وأضافت أن ذلك "لا يمنع الطالب من تحمل مسؤوليته مشيرة إلى ضرورة عدم اغتباره ضحية لمنظومة كبرى بل هو عنصر فاعل داخل هذه المنظومة عبر سلوكه المتواكل ونظرته السلبية لقيمة العلم في حياته".
وشهدت الأيام الأولى لامتحانات البكالوريا هذا الأسبوع عمليات تسريب للاختبارات، دقائق قليلة بعد انطلاق الاختبار ليتداولها التونسيون بكثافة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعليقا على عمليات التسريب ذكرت وزارة التربية أن "تلك المخالفات تُصنف ضمن حالات الغش، وتُعد موجبة للإجراءات الإدارية والقانونية الجاري بها العمل". بينما اعتبر مدير عام الامتحانات عادل بن حميدة في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن "ما راج على مواقع التواصل لا يعتبر تسريبا بالنظر إلى الصرامة التي ترافق عملية فتح الظروف المتضمنة للاختبارات بمراكز الامتحانات".
وأوضح أن ما حدث يتعلق بتصوير الاختبار الكتابي بعد توزيعه داخل مركز الامتحان بهاتف جوال أحد المترشحين إلى خارج أسوار المؤسسة التربوية بنية الغش في الامتحان، مؤكدا أن جهود الوزارة منكبة على تأمين الامتحان الوطني ومكافحة وتتبع المتورطين في عمليات الغش.
 

 القانون التونسي يعاقب المتلبس بالغش بالحرمان من اجتياز الامتحان لفترة تصل لخمس سنوات مع إمكانية رفع دعوى قضائية

وانتقد الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي في تدوينة على صفحته على فيسبوك ما اعتبره "فشل وزارة التربية مرة أخرى في تأمين الامتحانات الوطنية". وتابع في نفس التدوينة "فضيحة تتكرر كل سنة وتفسد قيمة الامتحان وتجعل من البلاد مسخرة بين الأمم"، معتبرا أن ذلك "هدم ممنهج لقيمة المعرفة ومكانة المدرسة".
وأعلن وزير التربية فتحي السلاوتي عشية انطلاق الامتحانات، عن "اتخاذ اجراءات جديدة خاصة للتصدي لظاهرة الغش الالكتروني التي تفشت بشكل كبير في الامتحانات الوطنية"، مبينا أن من بين هذه الإجراءات منع استعمال الهاتف الجوال بمراكز الامتحان على التلاميذ وكامل الإطار التربوي باستثناء رئيس مركز الاختبار".
وكشف السلاوتي عن تمكّن الوزارة  بالتنسيق مع وزارتيْ الداخلية وتكنولوجيا الاتصال من الكشف عن عدة عصابات تنشط في مجال ابتكار وسائل غش تعمل على عدة مستويات. وأكد أن التحقيقات جارية معهم وسيتم التعامل معهم بكل صرامة.
وينص القانون التونسي على معاقبة المترشحين المتورطين في عمليات الغش بحرمانهم من اجتياز امتحان البكالوريا من سنة إلى خمس سنوات، ومقاضاة كل مترشح يقع مسكه في وضع متلبس بصدد ممارسة الغش.