ارث السنوار: تحولات في الوعي النضالي

تشكل الصورة الاحترافية للشهيد يحيى السنوار وهو يواجه ببسالة القوة الصهيونية، لوحة فنية مؤثرة، من شأنها أن تتحول الى ايقونة لكل الاصدارات الفنية القادمة، وهو امر مستحق. لكني أخشى ان يكون هذا الاحتفاء هو مجرد غطاء لتخدير الضمير العربي.

اود ان اتوقف هنا امام هذا المشهد البانورامي المفعم بالمشاعر، لنتخيل أي شخصية تاريخية نضالية أخرى بغض النظر عن الاسماء او الانتماءات، اسلامية، وطنية، شيعية او سنية، كلا حسب اعتقاداته، ونلاحظ تكرار ذات النمط من الاحتفاء والتجاهل، الاستذكار والتغييب.

سنجد تشابها كبيرا في اسلوب التعامل معهم، نحتفي بهم فنياً ونهملهم قيمياً، وكأننا نجمع بين الإعجاب بالشكل والنفور من المضمون، بين التفاخر بإنجازاتهم وتجاهل الأفكار التي قادت إليها.

نتعاطى معهم بصفة الملكية الخاصة، نحتفظ بهم على رفوف الذاكرة كصور فنية جميلة، دون ان نستثمر قيمهم. وثمة فرق بين التعامل الفني والقيمي، اذ يركز الاحتفاء الفني على جمال الصورة، بينما تركز القيم على استلهام الفكرة.

لا أنكر اهمية الفن في تخليد الابطال. لكن الاكتفاء بالفن من شأنه ان يعطل الفاعلية النضالية عند الثوار والمصلحين. فحصر شخصية الثائر ضمن قالب فني مثالي يفقده عمقه الإنساني، ويخلق فجوة بين الصورة الرومانسية التي نرسمها لهم وبين الواقع المعقد للمصلحين.

وهو الفارق بين الخيال والحقيقة، بين المثال والواقع. فالاول يكفي ان ترتبط به عاطفيا، وتغفوا على الاناشيد الثورية التي تتغنى ببطولاته. بينما يفرض عليك الثاني ان تلتزم معه وتستقيم على دربه، وتستفيد من تجاربه.

لنعود للسنوار مثالا، الذي قدم انموذجا من التضحية الديناميكية المستمرة. فهو شخصية لم تظهر في 16 اكتوبر 2024، وانما كان هذا التاريخ خاتمة حركة وعي بدأها بقدرته على اختيار الفكرة والساحة والهدف.

حيث لا يمكن فصل شخصية الكاتب الذي أبدع رواية "الشوك والقرنفل" عن شخصية الثائر الذي هندس انتفاضة "السابع من أكتوبر". ففي ذات الفرد، يجتمع إيمان راسخ وانفتاح فكري واسع، وتشدد ضد الصهيونية وتفاهم مع كل من يسعى للعدل والسلام.

إن الاحتفاء بالسنوار ورفاقه ليس مقتصرًا على التغني ببطولاتهم، بل هو استلهام لنهج نضالي قائم على الوعي والبصيرة والاستراتيجية، هذا النهج يقف نقيضًا تمامًا للأصوات التي تثير الفتن المذهبية، وتشغل الرأي العام بتفاهات منصات التواصل الاجتماعي.