استفتاء على الدستور في مالي يعزز صلاحيات العسكر

التعديلات التي تقترحها المجموعة العسكرية الحاكمة على دستور العام 1992، تشمل تعزيز سلطات الرئيس الذي يقود بلدا يواجه توسعا جهاديا وأزمة متعددة الأبعاد من أمنية وسياسية واقتصادية وإنسانية.
حركات متمردة وجهاديون يمنعون الاقتراع في عدة مناطق
تعديلات تغذي تكهنات مستمرة حول احتمال ترشح غويتا للرئاسة
المعارضة تعتبر التعديلات الدستورية فصلت على مقاس المجلس العسكري

باماكو - بدأ الماليون الأحد الإدلاء بأصواتهم في إطار استفتاء على دستور جديد في أول اقتراع حول مستقبل بلدهم المأزوم، منذ وصول العسكريين إلى السلطة قبل ثلاث سنوات، غير أنّ الخوف من هجمات الجهاديين والخلافات السياسية حالت دون إجرائه في عدة مناطق، خصوصا في الشمال.

ودعي نحو 8.4 ملايين مالي إلى الاقتراع في عملية لا تحظى بموافقة المعارضة المتنوعة ومهددة في مناطق عدة بسبب استمرار انعدام الأمن.

وحضر عدد كبير من الناخبين إلى مراكز الاقتراع في العاصمة باماكو. وكان زعيم المجلس العسكري الكولونيل أسيمي غويتا، من أوائل من توجّهوا للإدلاء بصوته.

لكنّ المشاركة في الاستفتاء في بقية أنحاء هذا البلد الشاسع، أظهرت أنّ الجماعات المسلّحة في الشمال منعت عملية الاقتراع في مدينة كيدال الإستراتيجية. كما بقيت مناطق أخرى من دون مراكز اقتراع بسبب انعدام الأمن.

وبدأ الناخبون يختارون في المعزل بين بطاقة بيضاء تعني موافقتهم على الدستور الجديد وأخرى حمراء تعني عدم الموافقة، وذلك على مرأى من مسؤولين وبعض المراقبين الوطنيين.

وقال بولان بارو وهو موظف حكومي "اليوم هو يوم تاريخي. سيغيّر هذا التصويت أشياء كثيرة في الهيكلية المؤسسية والحياة الاجتماعية والاقتصادية. إنه نص جيد، صوتت بنعم لإعادة تأسيس مالي".

واتخذت مريم ديوب (30 عاماً) برفقة زوجها مسارا معاكسا. وقالت "أتيت للتصويت كمواطنة صالحة، لكنّي ضدّ المشروع. لا يتمّ أخذ هواجس الدين الإسلامي في الاعتبار على الإطلاق ولهذا السبب أنا صوّت بلا".

ومن بين التعديلات التي تقترحها المجموعة العسكرية الحاكمة على دستور العام 1992، تعزيز سلطات الرئيس الذي يقود بلدا يواجه توسعا جهاديا وأزمة متعددة الأبعاد من أمنية وسياسية واقتصادية وإنسانية.

وتعتبر الموافقة على ذلك أحد رهانات الاقتراع. ويرى المعارضون أن المشروع مفصل بهدف إبقاء العسكريين في الحكم بعد موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير/شباط 2024 رغم التعهد بإعادة الحكم إلى المدنيين بعد هذه الانتخابات.

وينتظر صدور نتائج الاستفتاء في غضون 72 ساعة. ويبدو أن إقرار هذه التعديلات مضمون لكن حجم التأييد والمشاركة سيكون موضع متابعة عن كثب فضلا عن ظروف سير الاستفتاء.

ولم يتمكّن الناخبون من الذهاب إلى مراكز الاقتراع في عدة بلدات في الشمال، فقد رفضت الحركات المتمردة السابقة التي وقعت على اتفاق سلام هش مع باماكو السماح بتنظيم استفتاء بشأن مسودة دستور تقول إنّه لا يأخذ الاتفاقية التي تمّ توقيعها في العام 2015 في الاعتبار.

من ناحية أخرى، لم تُرسل اللوازم الانتخابية إلى المكاتب في منطقة كيدال، معقل المتمردين السابقين، حسبما أفاد مسؤول في المحافظة.

وفي منطقة ميناكا التي تشهد منذ أشهر اندفاعة لتنظيم الدولة الإسلامية، اقتصرت العمليات على العاصمة الإقليمية بسبب انعدام الأمن، حسبما أفاد مسؤولون.

وفي أجواء يصعب التكهن بها بسبب عدم شفافية النظام والقيود المفروضة على التعبير، قد يوفر الاقتراع مؤشرات ينبغي التعامل معها بحذر حول دعم السكان للمجموعة العسكرية الحاكمة وقائدها الكولولنيل أسيمي غويتا الذي يتمتع بشعبية، فضلا عن الوضع الداخلي.

فالعسكريون الذين استولوا على السلطة بالقوة في العام 2020 ويمارسونها من دون مشاركة من أطراف أخرى، يؤكدون أنهم يرغمون الجهاديين على التراجع على الأرض. ويأتي التصويت فيما طالبت مالي بانسحاب بعثة الأمم المتحدة المنتشرة في البلاد منذ عشر سنوات "فورا". وترى السلطات أن البعثة فشلت وأن مالي قادرة على ضمان أمنها "بوسائلها لخاصة".

وبذلت السلطات جهودا كبيرة في سبيل هذا التعديل الدستوري الذي من شأنه سد ثغرات دستور العام 1992 الذي يعتبر عاملا في فشل الدولة أمام تحديات متنوعة منها انتشار الجهاديين والفقر وانهيار البنى التحتية والنظام التربوي.

ويصب جزء كبير من التعديل الدستوري في مصلحة القوات المسلحة، فهو يشدد على "السيادة" شعار المجلس العسكري منذ توليه السلطة ثم الانفصال عن فرنسا القوة المهيمنة سابقا فضلا عن محاربة الفساد المرتبط بالنظام القديم. ويضفي الشرعية على السلطات التقليدية ويعزز مكانة اللغات الوطنية المتعددة وينص على إنشاء مجلس للشيوخ.

ويتميز خصوصا بتعزيز صلاحيات الرئيس وينص على عفو عن منفذي الانقلابات السابقة لصدوره. ويغذي النص التكهنات المستمرة حول احتمال ترشح غويتا للرئاسة، على الرغم من التعهدات التي قطعها العسكريون في البداية بعدم الترشح.