الأسرة العربية بمذاق السخرية

كتاب "الساخر في معجم المرأة" لخالد أبو العيمة يندرج في إطار الكتاب الاجتماعي بأسلوب ساخر يعرض من وجهة نظر الكاتب أدواء اجتماعية وطرقا للعلاج.
الموضوع المركزي للكاتب يتناول فكرة المرأة والرجل، وتوابع هذه القضية المهمة
الكاتب يرى أن  المرأة هي سر التغيير، وموطن الأمومة، ونبع الحرية والعطاء
القوة الغاشمة للرجل في حاجة لجمال يكسر من حدة هذه القوة، ويهذب أهدافها

يندرج كتاب "الساخر في معجم المرأة" للكاتب: خالد أبو العيمة، في إطار الكتاب الاجتماعي بأسلوب ساخر يعرض من وجهة نظر الكاتب أدواء اجتماعية وطرقا للعلاج.
أفق النص الأدبي القصير في المعجم: 
الموضوع المركزي للكاتب يتناول فكرة المرأة والرجل، وتوابع هذه القضية المهمة، لكن يحكم التناول جميعه النص القصير، هذا التكثيف المقصود في الكتابة هو أحد تجليات الكتابة عبر الوسائط الحديثة، خاصة الإنترنت، حيث جري الإنتقال من المنتديات إلي المدونات إلي التدوين القصير "تويتر"، وما تأثر به ذلك من النوع الأدبي فنجد الرواية القصيرة، وقصة الومضة، والإبيجراما الشعرية، وهنا النص المقالي القصير.
والنص القصير على نوعين في الكتاب، بين النص المقالي القصير، الذي يتكون من عدد محدود من الصفحات إلي نصف صفحة فقط، والمقال كنوع أدبي يتمتع بمرونة كبيرة، كما تحدث عنه النقاد بكونه إنشاء فنيا ومصطلحا إبداعيا محيرا يعبر عن موقف، يتنوع بين الموقف الذاتي، والموقف المواجه للآخر، والموقف الواصف للأشياء. 
وتتنوع النصوص المقالية القصيرة التي أحصيت منها عدد 44 نصاً بعد قيامي بضم مقدمة الكتاب إليها، أحياناً يكون هذا النص مزجاً بين السرد القصير يتبعه مجموعة من المقولات، أو على شكل حوار طرفاه هو وهي، أو مقال سردي مستقل، أو نص مقالي كامل في شكل مقولات متتالية عثر الكاتب على مفتاحه الفني الذي يربطها جميعاً.
وأري أن تلك النصوص المقالية المطولة شيئًا بطريقة توزيعها بالتناوب مع العبارات القصيرة جداً أصبحت بمثابة مذكرات تفسيرية لتلك المقولات تحمل تحليلاً للوصول إلى جذور المشكلات.
أما النص القصير الآخر فهو العبارات المشكلة من عدد قليل جداً من الكلمات، وهو لون محبب في مجال الأدب برع فيه محمد مستجاب في "كلمات لها معني"، و"كلمة وكليمة" لأديب البيان المقطر الرافعي، و"رمل وزبد" لجبران، و"شذور اليومية" للعقاد، و"حكمة المجانين" ليحيى الرخاوي، وغيرهم. وطبقاً لإحصائي وجدت عدد 585 مقولة تجلت فيها سخرية الكاتب من وجهة نظر اجتماعية. 
أما الكاتب نفسه فقد قسّم كتابه إلي أرقام متسلسة بلغت العدد 70 سواء ضمت مقولات أو نصوص مقالية قصيرة، وتحت كل رقم من الأرقام عنوان جانبي قد يكون مقولة ضمن المقولات المسرودة تحتها، أو جزءا من مقولة أو فكرة بالمقال، او حتى عنواناً جديداً.

قلب الرجل في حاجة لحنان المرأة، وعيناه في حاجة لجمال المرأة، وعقله في حاجة لمشاركة وطاعة المرأة، وأنفه في حاجة لفوح المرأة، وقوة عضلاته في حاجة إلى أنوثتها    

الساخر في معجم الأسرة:
أما مفردة العنوان "المعجم" تمنح دلالة البحر العميق، وموضوعات الكتاب تشعبت في الحديث عن الصلات بين قطبي الأسرة المرأة والرجل في ظل تحرير مفاهيم متعددة يراها الكاتب ضرورة وصحيحة لحياة أسرية سليمة، وعن الصلة مع الأمومة، وتدخل الطفولة والجينات الوراثية على الخط أيضاً، لكن الملاحظة التي لا تذهب عن وعي القارئ أنه رغم تناول موضوعات الأسرة في الكتاب بصفة عامة، فإن المرأة تحتل الجانب الأكبر من اهتمام الكتابة لمبررات يراها الكاتب محامي الرجال، الذي احتسى "شوربة الأسد" ليكتب هذا الكتاب، بما يجعلنا ننتقل لقصدية الكتابة وأسلوبها.
قصدية الكاتب والمخلوق الأجمل:
تتجلي قصدية الكتابة في الإهداء أكثر من مقدمة الكتاب، حيث أشار لمعنى الجمال الحقيقي والحلم بالتغيير وأسلوب هذا التغيير بالإحتواء والحب، فحاول تخفيف قسوة نقده وإثبات براءته، فكانت المقدمة طبقة السكر التي يريد بها أن نبتلع بها الدواء، أو محاولة للتبرير.   
ويرى الكاتب أن  المرأة هي سر التغيير، وموطن الأمومة، ونبع الحرية والعطاء، لذلك يدمغ الجمال "القشرة" بقسوة الصفات أحياناً لعظم حماسته للتغيير وحبه "للكائن الأجمل على الكرة الأرضية وشريكة الحياة" على حد وصفه، يقول: "أرجو ان يسجل لي التاريخ أنني أنتقد المراة لكونها جميلة وستظل رغم الواقع الصعب"، والشواهد كثيفة في الكتاب حول هذا المعني منها:
•    أيقونة السعادة إمراة إن ارادت هي أن تكون.
•    لولا جمال المرأة لأصبح الرجل في قمة القبح.
كما أن الكتاب حافل بمقولات قصيرة أخرى عن المرأة على أنواع، منها مقولات بالغة القسوة، وقد فسرنا دوافعها لدى الكاتب، ثم ينتقل لمرحلة أخري فيرى لها ميزة لكنها سرعان ما تزول، يقول: "المرأة مثل الكهرباء وحتماً ستصعقك"، ثم يحاول التخفيف ويحقق توازناً في الرؤية، يقول: "المرأة كالأرض تنبت الزهر والشوك والقحط"، ثم ينتقل إلى المرحلة الأخيرة وهي المستهدف لديه في إطار تحريره للمفاهيم خاصة مفهومه للجمال، يقول: 
•    المرأة زهرة عندما تحنو، خيل عندما تحلو، جبل عندما تصبر، مصيبة عندما تصمت.
•    الشمس تشرق في اليوم مرتين: إحداهما في بداية اليوم، والثانية ليلاً في صورة إمرأة.
وعندما  ُوجه له اللوم من سيدات أنه متحامل على المرأة لحساب الرجل، وفي إطار دفاعه في هذا المقال والموضح لمستهدفه من الكتابة: إن الجماليات بداخلنا هي المنطق الأقوى والمحفز على التغيير، وأنه سيظل يستدعي جماليات المرأة على طريقته، ولن يخشي تاريخ المرأة الخطير، ويظل يقدم الورد حتى تقطع كل أشواكها، وأن التغيير جدير بمن يستحق.
السخرية وسيلة في الكتابة:
يأتي الأسلوب في الكتاب باستعمال "السخرية" وسيلة لتحقيق مطلوب الكاتب، وموضوع المرأة خاصة في إطار الزواج قدمته كتب ساخرة كثيرة، منها "اعترافات زوج" لعلي سالم، و"حواديت زوجية ساخنة" و"لعبة الست" لعاصم حنفي، و"السكوت من ذهب" لمجدي صابر، وغيرهم، ولم يكف كل هؤلاء الرجال فأتت الكاتبة هالة فهمي فكتبت "في هجاء الزوجات".  
ويرى النقد الأدبي أن للأدب الساخر هدفا تصحيحيا سواء على المستوى الأخلاقي أو المستوى الجمالي، ويهدف لإصلاح المجتمع وتطويره من خلال إثارة الضحكات والابتسامات على أقل تقدير، فالغاية عند الأديب الساخر تقرر الوسيلة وإن كانت لا تنفصل عنها، بهدف التنوير والمساهمة في تكوين رأي عام تجاه قضية مجتمعية، وليس أهم من قضية المرأة والرجل قضية اجتماعية تشغل كل رجل وامرأة، فالسخرية أرقى ألوان الفكاهة، لأنها تحتاج خفة وذكاء، وليست صادرة عن غضب وحقد، وإنما تهدف للتقويم، لهذا اعتمد الكاتب أسلوب الفكاهة والكاريكاتير والكوميديا المستترة، والصدمة أو القسوة في المفارقة المحببة، وإذا كان بل ماكفارلان في كتابه القيم حول "إلقاء الفيل الزهري" يرى أن السخرية كالسيف البتار، وتلك هي السخرية المحضة، لكننا هنا بصدد السخرية كـضغينة فنية محببة، والمفارقات تنبئ عنها شواهد كثيفة في الكتاب:
•    هو في أيام الخطوبة: تركت كل النساء من أجلك. هو بعد الزواج: لماذا تركك الرجال لي أنا.
•    من حسن حظ الفقر أن الفقر رجلا، ولو كان أنثي لقتلته.
الداء "تصدير النكد الزوجي" والدواء "قصد الجمال":
من مفاهيم الكتاب المركزية كتيمة موضوعية المقابلة بين "الجمال / القبح"، ومفهوم المقابلة تلك رئيس في الكتاب، حيث يري الكاتب أن افتقاد السعادة الحقيقية في البيوت هو سر شقاء المجتمع وتمزقة الدامي، يقول في مرآة المقولتين: "المرأة الجميلة هي بستان الرجل / المرأة القبيحة هي جحيم الرجل"، ويري أن القبح متعدٍّ بطبعه، يقول: "المرأة القبيحة لا تكتفي بقبحها"، فهي تقوم بتصديره نكداً لأسرتها والمجتمع بأسره".
أما الجمال فيبدأ من العقل ويستوطن القلب، يقول: "المرأة جميلة بالقدر الذي يراه الرجل، وقبيحة بالقدر الذي تصنعه هي"، فالجمال في الأساس ليس للذات، وإنما للآخر فيمنحك جمالاً مقابلاً، فلا أنانية في الجمال، فأجمل الجمال ما تزين بجمال المودة والرحمة.

صحيح العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة التكامل لا الصراع، وفي الكتاب تحليل لبواعث هذا الصراع، وسر نشأته

كتالوج المرأة:
ويمضي الكاتب في رحلته موضحاً تصنيفه لأنواع من النساء بين المرأة النفطية: "المرأة الجميلة مثل بئر البترول تمنحك براميل السعادة"، في مقابل المراة الدولارية، أو امرأة العملة الصعبة، أو المرأة المادية، وهو يدين الرجل أيضاً، ويراه كارثة إذا كان بلا مضمون، ويسأل "هل الرجل الحالي يستحق المرأة الحالية"، فعندما لا يقوم الرجل بقوامته - مظلة الحب للأسرة - يتسبب في وجود المرأة المتحولة.  
عفواً ... لقد نفذ رصيدكم العاطفي:
ويرى الكاتب أن من أسرار أدوائنا الاجتماعية المغالاة في المهور والفخر الاجتماعي، وأن هناك أشياء بسيطة جداً تصنع السعادة لبيوتنا منها الابتسامة الودود وفنون تقديم الطعام واللقاء الأسري حول المائدة، كما يرصد غياب إرادة التضحية ويحلل بواعث اجتماعية. "هل افتقد الناس الذائقة العاطفية والجمالية فيما بينهم؟ هل الناس فقدوا الإحساس بأنها من الممكن أن تتغير من كثرة الهموم العامة، هل فقد الناس عزيمتهم؟" ويتحسر الكاتب لهذا الإنهيار الأسري المغطي بغطاء ثقيل من التلون الاجتماعي يراه في التناقض بين الشارع والبيت، ونفاذ الرصيد العاطفي سريعاً، فيتحدث عن قلة الإعتناء والإحتواء في البيت، والعناية بالمظاهر دون المضون خارج البيوت، يقول: "الزوجات هن فلول البنات"، فالمنازل في حاجة إلى شحن عاطفي وشبكات اتصال قوية يقول: "أصبحت بطاريات المرأة العاطفية من النوع الصيني رخيص الثمن الذي يفرغ سريعاً في مرحلة الخطوبة وفي بداية الثلاث سنوات الأولى من الزواج، فتضعف البطارية والذاكرة والمشاعر ولا تجد لها بديلاً في السوق سوى سوق الذكريات والأماني والأوهام".
كما يرى الكاتب ان الداء الأسري تمثل في الغضب والصوت العالي وكثرة المجادلة بالبيوت، والتعالي في موطن ينبغي فيه خفض الجناح والتودد الجميل، ويرى أن صحيح العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة التكامل لا الصراع، وفي الكتاب تحليل لبواعث هذا الصراع، وسر نشأته، وأن القوة الغاشمة للرجل في حاجة لجمال يكسر من حدة هذه القوة، ويهذب أهدافها. 
ويسدي الكاتب نصائحة حول ضرورة أن يدرك الرجل والمرأة معاً الدور السلوكي المنوط بكل منهما، ولو فقهت البيوت ذلك، لتحولت إلى جنان زاهرة، ويدعو الكاتب في رسمه لسبل العلاج إلى الذكاء العاطفي وأن يكون للرجل استراتيجيته مع أسرته بما يحقق لها الولاء والسعادة، وأن الرجل الذي لا يفعل ذلك مقضي عليه لا محالة، فيقول له: "استحوذ على قلب زوجتك اجعلها مستحقة لاهتمامك".
وفي الختام نقدم نافذة مضيئة للكتاب في مقولتة: "قلب الرجل في حاجة لحنان المرأة، وعيناه في حاجة لجمال المرأة، وعقله في حاجة لمشاركة وطاعة المرأة، وأنفه في حاجة لفوح المرأة، وقوة عضلاته في حاجة إلى أنوثتها".