'تراث' تضيء على المخطوطات الإماراتية
صدر في الإمارات العدد الجديد رقم 307 لشهر مايو/أيار 2025 من مجلة "تراث" التي تصدرها هيئة أبوظبي للتراث، وتعني بشؤون التراث وقضاياه إماراتيا وعربيا ودوليا.
وتصدّر العدد ملفا بعنوان "المخطوطات في الإمارات إرث ثقافي وتاريخي متجدد"، تضمن عشر مشاركات تنوّعت ما بين الدراسة والمقال، وكتبتها أقلام إماراتية وعربية.
وفي افتتاحية العدد، أكدت رئيسة التحرير شمسة الظاهري "على الأهمية البالغة للمخطوطات في دولة الإمارات العربية المتحدة"، مشيرة إلى أنها تشكل جزءا أصيلاً من الذاكرة الثقافية للأمة وسجلاً حيا يوثق تطور الفكر واللغة والعادات عبر العصور.
وقالت الظاهري إن المخطوطات الإماراتية تبرز كمرآة صادقة لحياة المجتمع المحلي ورمز متجذر للهوية الثقافية والدينية والمعرفية، موضحة أنه على الرغم من أن عددها قد لا يضاهي الكم الهائل المتوافر في الحواضر الإسلامية الكبرى، إلا أنها تتميز بخصوصية محتواها وارتباطها الوثيق بالمكان والبيئة، حيث تناولت موضوعات متنوعة تعكس اهتمامات الإنسان الإماراتي وتفاصيل حياته اليومية من فقه ونحو وأنساب إلى الشعر والطب الشعبي والتقويم الزراعي.
وأضافت الظاهري أن هذه المخطوطات، التي كُتبت غالباً بخطي النسخ أو الرقعة على أوراق مصقولة تقليدية أو جلود مدبوغة، كانت تحفظ في صدور الرجال أو تتداول في المساجد ومجالس العلم، مما يؤكد دورها المحوري في تشكيل الوعي الجمعي وصون المعارف المحلية في ظل شح وسائل التوثيق في ذلك الزمن.
وأشارت إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها الأرشيفات الوطنية والمؤسسات الثقافية في الدولة لجمع هذه الكنوز المعرفية وحفظها من خلال الترميم والرقمنة والتحقيق والنشر العلمي، بالإضافة إلى إتاحتها للباحثين والمهتمين.
كما لفتت إلى إطلاق العديد من المبادرات الرائدة لتدريب الشباب على علم المخطوطات وتعريفهم بقيمتها التاريخية والفكرية والجمالية، وذلك بهدف تأهيل جيل جديد من المتخصصين والقيمين على هذا الإرث.
وبيّنت أن هذه الجهود شملت أيضا تطوير مشروعات تعليمية وثقافية تعنى بـ"الكتاب المخطوط"، والتي تم تنفيذها في المدارس والجامعات في إطار برامج متكاملة تسعى إلى دمج هذا التراث في المناهج الدراسية، مما يرسّخ مكانته في الوعي الجمعي.
وأكدت على أن هذه المبادرات لا تهدف إلى الحفاظ على الماضي فقط، بل تسعى إلى ربطه بالحاضر لضمان استمرارية هذا الإرث الفكري والروحي في وجدان الأجيال القادمة وتعزيز صلتهم به بوصفه عنصراً أصيلاً من عناصر الهوية الوطنية.
وفي ختام كلمتها، نوهت الظاهري إلى أنه في زمن تتسارع فيه التقنيات وتتغير فيه الوسائط، تظل المخطوطات الإماراتية مصدر إلهام حي لصناع الثقافة اليوم "حيث يمكن للشاعر والروائي والفنان التشكيلي وحتى صانع الأفلام الوثائقية أن يستلهموا من تلك الصفحات التاريخية أفكارا ومعاني وأبعادا جمالية تعيد تشكيل الحاضر بروح الماضي".
وشددت على أن المخطوطة ليست مجرد نص مكتوب بل هي انعكاس لموقف حضاري وفكر متجدد يجسد وعياً بأهمية التوثيق والتأمل في القيم الإنسانية، وتمثل شاهداً حياً على التحولات التي شهدها المجتمع وتشكل مادة علمية خصبة للباحثين في التاريخ والتراث.
التراث الإنساني
وفي ملف العدد: يستعرض عادل نيل "جهود دولة الإمارات الرائدة في حفظ التراث الإنساني من خلال حماية المخطوطات". وتسلط أماني إبراهيم ياسين الضوء على "تقنية التصوير متعدد الأطياف ودورها في كشف أسرار المخطوطات". ويتناول محمد نجيب قدورة موضوع "المخطوطات والخط العربي في دولة الإمارات"، مؤكدا على كونهما إرثا ثقافيا وهوية فنية.
ويقرأ محمد فاتح صالح زغل مخطوطتين نادرتين موجودتين في أبوظبي ودبي، وهما "برمنجهام للقرآن الكريم" و"حاشية ابن غباش في دليل الطالب". ويقدم مروان الفلاسي قراءة في "الدور الإماراتي الرائد في استخدام التقنيات الحديثة لخدمة المخطوطات". وتأخذنا لولوة المنصوري في رحلة نستكشف خلالها مخطوط "المواهب والمنن" وإضاءاته. ويكتب عبدالله محمد السبب عن "المخطوط الغائب" وأهمية توثيق إرث مبدعين خلدهم الخبر. وتؤكد نجلاء الزعابي أن "المخطوط الإماراتي" يمثل ذاكرة لا تزول. ويُضيىء أحمد حسين حميدان على "المخطوطات بوصفها لساناً لمنجزات" التراث ويقدم صورة لحضورها في العصر الحالي. ويختتم الأمير كمال فرج ملف العدد بمقال حمل عنوان "إحياء فنون الكتاب ودوره في إعادة تشكيل التفاعل مع المطبوعات"، مُركزاً على "التذهيب" باعتباره الإبداع في المخطوطات الإسلامية.
وفي موضوعات العدد: نقرأ لمحمد فاتح صالح زغل "بيدار اللهجة الإماراتية فيما طابق الفصيح" متناولا ألفاظ وعبارات الترحيب. ويواصل عبدالفتاح صبري حديثه عن "الباب" كـ"تاريخ وجيز للإنسان". وتُعدّ نايلة الأحبابي موضوعاً حول قصيدة "المشكلة عودة" للشاعر عيسى سعيد بن قطامي المنصوري.
ويستعرض خالد صالح ملكاوي: "الفنون الشعبية في أبوظبي"، مُسلطاً الضوء على تاريخها وثقافتها وأسلوب الحياة المرتبط بها. ويغطي خليل عيلبوني فعاليات "شراكة مرورية فاعلة في أسبوع التوعية الأول". ويتناول حمزة قناوي "التداول السجالي بين حمد بو شهاب وحمزة أبو النصر". ويقدم الدكتور شهاب غانم قصيدته الشعرية بعنوان "تبسم".
المنافرات في الأدب الجاهلي
وفي موضوعات العدد أيضاً: يستعرض علي تهامي "المنافرات في الأدب الجاهلي" من منظور الدكتورة فاطمة حمد المزروعي. ويناقش شريف مصطفى محمد قضية "تشوش الذاكرة وذوبان الهوية". ويقدم خالد عمر بن فقه قراءة في كتاب "الحرب المقدسة" لكارين آرمسترونغ، معتبراً إياه "دراسة جادة لتحقيق الرؤية الثلاثية".
ويستعرض الدكتور مني بونعامة "صورة خورفكان في كتابات الرحالة والبلدانيين"، متحدثاًعن انطباعات تكشف تراث المدينة. وتتناول نورة صابر المزروعي "الرقص" بوصفه "هوية ثقافية ورمزا لتراث الشعوب".
ويلقي صالح كرامة العامري الضوء على صدى "التشظي الإنساني في عروض مهرجان أيام الشارقة المسرحي" من خلال مسرحيتي "الملاذ" و"أغنية الوداع". ويتأمل خالد صالح ملكاوي العلاقة بين "الشجر وهوى الشعراء". وتقدم مريم النقبي قراءة في تجربة "مسفر الدوسري" كـ"شاعر التفعيلة وصوت الأصالة والتجديد". وتختنم عائشة علي الغيص العدد بـ"حكاية مثل": "الحريم مدخلات البعير في الينز".
يُذكر أن مجلة "تراث" هي مجلة تراثية ثقافية منوعة، تصدر عن هيئة أبوظبي للتراث، وترأس تحريرها شمسة حمد العبد الظاهري، والإشراف العام لفاطمة مسعود المنصوري، وموزة عويص وعلي الدرعي. والتصميم والتنفيذ لغادة حجاج، وشؤون الكتاب لسهى فرج خير، والتصوير لمصطفى شعبان.
وتُعد المجلة منصة إعلامية تختص بإبراز جماليات التراث الإماراتي والعربي الإسلامي، في إطار سعيها لأن تكون نزهة بصرية وفكرية، تلتقط من حدائق التراث الغنّاء ما يليق بمصافحة عيون القراء.