الاسلاميون في النقابات الأردنية: لكم لونكم ولنا لون

وصفة مجربة ومفيدة لحشد الأنصار من "الفاهمين والحافظين" وقد تكون واقعية الى حد ما لكنها لا تمثل الصورة الكاملة لما يسعى الاسلاميون الى تحقيقه.
الاخوان المسلمون يأملون بالعودة الى نقابة المهندسين، معقلهم السابق
الاستقطاب الحاد الذي صنعته القائمة البيضاء حوّل الخلاف الى مغالبة والتوتر الى إساءات ونكايات

الفرحة العارمة للتيار الاسلامي بنتيجة التصويت الأخير لنقابة المهندسين لا تضاهيها الا فرحة الفوز في الانتخابات. ورغم إنها ليست كذلك، فإن رفض التعديلات على قانون النقابة يمثل انتعاشة للإسلاميين ومؤشرا إلى أدائهم في انتخابات مجلس النقابة العام المقبل.
لكن الاستقطاب الحاد الذي صنعته قائمة الاسلاميين "البيضاء" حوّل الخلاف الى مغالبة والتوتر الى إساءات وتهجم شخصي ونكايات على مدى اسابيع قبل رفض التعديلات التي تتعلق خصوصا بالنظام الانتخابي وسن الترشح والرسوم المفروضة على اعضاء النقابة.
نقابة المهندسين ليست كغيرها من النقابات المهنية بالنسبة للاسلاميين الذين خسروا السيطرة عليها لصالح التيار القومي الوطني في انتخابات عام 2018 بعد ان ظلت معقلا رئيسيا لهم على مدى أكثر من ربع قرن.
وخسارة الاخوان المسلمين آنذاك كانت جزءا من تراجع نفوذهم وشعبيتهم على عدة مستويات هيكلية وتنظيمية. ولكن قبل هذا كله، كان لا بد من حسم مسألة هوية الجماعة وما اذا كانت دينية وجزءا من التنظيم الدولي للاخوان أو حزبا أردنيا "وطنيا".
وفي خضم هذا الجدل الذي بدأ قبل حوالي عقد من الزمان، تلقى الاخوان سلسلة من الضربات المتلاحقة التي نالت من وحدتهم وكشفت عن عمق الأزمة داخل الجماعة التي ظلت قبل ذلك من أبرز الفاعلين السياسيين في الأردن.
فبعد سنتين فقط على اندلاع احداث الربيع العربي في 2011، حين قاد الاسلاميون المظاهرات في الاردن،  انشقت مجموعة من قيادات الاخوان تحت عنوان "وثيقة زمزم". وفي 2015، اعلن حوالي 50 عضوا في الجماعة عن تأسيس جمعية الاخوان المسلمين. وكلتا الحالتين شكلت احتجاجا على ضعف الاهتمام لدى "الجماعة الأم" بالشأن المحلي وتركيزها على الساحات الإقليمية التي تشهد حضورا للاسلاميين.
ولا يزال الإخوان يحاولون نفي "تهمة" التبعية للتنظيم الدولي، غير ان أداءهم السياسي والإعلامي لا يعكس الا وحدة في الهوية التنظيمية مع فروع الجماعة المنتشرة في العالم العربي. وفي غمرة هذا التناقض، تراجعت شعبية الاخوان حتى في قواعدهم.
وكانت احتفالات الاسلاميين بعد رفض التعديلات على قانون نقابة المهندسين، كاشفة عن سعيهم الى تمييز انفسهم وهويتهم عن باقي مكونات النقابة. وانعقدت الدبكة وعلا الهتاف: الراية إسلامية!
قلة يجرؤون على انتقاد الاسلاميين بسبب شعاراتهم التي يقحمونها في كل شيء، معتمدين في ذلك على الاستقواء بالدين ضد خصومهم السياسيين في المجتمع الاردني "المتديّن افتراضيا".
ماذا كان في ذهن الاخوان حين هتفوا في مقر نقابة المهندسين بعد الفوز في معركة التعديلات القانونية "يا قايدنا الاول سيدي محمد، ويا قايدنا الثاني سيدي أبو بكر"؟
لا يمكن للاخوان المسلمين الا ان يكونوا هكذا: إظهار الهوية الدينية قبل أي شيء لمخاطبة القواعد الشعبية بما يطربها وجمع ما يمكن جمعه من المؤيدين أو المتعاطفين الذين يمثلون حائط صد بوجه التيارات الاخرى سواء كانت نقابية او على مستوى المشهد السياسي ككل.
الإسلاميون نجحوا في تصوير الخلاف باعتباره خلافا مع أجهزة الحكم التي يقولون انها تحاول السيطرة على النقابة من خلال التعديلات القانونية التي أرادها خصومهم في التيار المهني الوطني.
هذه وصفة مجربة ومفيدة لحشد الأنصار من "الفاهمين والحافظين" وقد تكون واقعية الى حد ما لكنها لا تمثل الصورة الكاملة لما يسعى الاسلاميون الى تحقيقه في العمل النقابي الغارق في التسييس منذ عقود.
في الأردن، لا توجد ملامح واضحة للحياة السياسية الخالية تقريبا من تأثير الأحزاب والقائمة على مشاركة شعبية محدودة في الحكم، أفرزها قانون الانتخابات وجاءت ببرلمانات أقل ما توصف به هو الضعف والتبعية للحكومة وتشكيلة النواب المكونة تقليديا من رجال أعمال ومتقاعدين عسكريين ووجهاء عشائر.
في ظل حالة الجمود هذه، يغتنم الاسلاميون كل فرصة لجر النقابات الى الساحة السياسية التي يعرفون أدواتها جيدا، وذلك في سياق الاستفادة القصوى من الرأي العام المحبط من أداء السياسيين، والمتحمس لأي توجه ديني ويروق له لوم الحكومة والبرلمان على اي خطأ أو مسألة خاضعة للجدل.
النقابات المهنية الآن هي الميدان الأوسع والأوضح للعمل السياسي في الأردن. وقد اهتم بها الإسلاميون مبكرا وخاضوا معارك طاحنة في انتخاباتها وتوجهاتها. وفي كل مرة، كان خطاب الاخوان انقساميا ومشبعا بالاتهامات السياسية للخصوم النقابيين.
لا يخاطر الاسلاميون بالتركيز تماما على العمل النقابي المهني وإلا فقدوا تأثيرهم السياسي وجزءا من نهجهم الفكري القائم على التسييس والتديين النفعي في اي كيان تمثيلي او مؤسسة بما في ذلك الجامعات وحتى المستشفيات.
لا يتردد الاخوان في استخدام اي سلاح شعبوي لاستمالة المؤيدين. ولم يوفروا الإسقاطات والمقارنات مع دول الاقليم على الوضع السياسي الداخلي في المملكة، فكان من السهل عليهم اتهام القيادة الحالية للنقابة ذات التوجهات القومية بـ"التشبيح" لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
هذا الخطاب التقسيمي الصريح استعار ايضا الوضع في تونس، حين شبّه الاسلاميون نقيب المهندسين بالرئيس قيس سعيد، في استحضار للأزمة التي يعيشها إخوانهم في حركة النهضة.
فرز الألوان جزء رئيسي في العقيدة السياسية للإخوان وايضا في التعبير عن الفرح وحتى تعديل أهزوجة "يا قايدنا الأول ويا قايدنا الثاني" التي اعتاد الأردنيون على سماعها وترديدها في تمجيد الملك عبدالله الثاني ومن قبله والده الراحل الحسين بن طلال.